-A +A
شتيوي الغيثي
بعد موقف رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان من الأحداث المصرية الأخيرة بدأ الحديث عن إخوانية الإسلاميين في تركيا، في الوقت الذي ما زالت تركيا بلدا علمانيا في دستوره ويصرح بهذه العلمانية، ولم ينجح الإسلاميون في تركيا في رئاسة تركيا إلا بعد أن تصالحوا مع هذه العلمانية في تسيير الدولة التركية. فما حقيقة إخوانية إسلاميي تركيا ؟
من المعروف أن تاريخ الإسلاميين في تركيا حصل فيه الكثير من التحولات الفكرية وانشقاقات حزبية أو انقلابات عسكرية على الأحزاب الإسلامية الأمر الذي أعاد تشكيل حزب «العدالة والتنمية» برئاسة رئيس الوزراء الحالي في تركيا رجب طيب أردوغان المنشق عن حزب مهندس الإسلاميين في تركيا كما يوصف: نجم الدين أربكان «حزب الفضيلة الإسلامي» الذي تأسس بعد حظر «حزب الرفا» من العمل بحيث أعلن فيه حزب العدالة والتنمية عن تصالحه مع القيم العلمانية التركية حين صرح أردوغان 2008 بأن «حزبه الحاكم سيواصل السير على طريق حماية القيم الجمهورية ومن بينها العلمانية».
لم يكتف أردوغان بذلك بل كاد أن يتحول إلى مبشر للعلمانية التركية حين نصح المصريين بالنموذج العلماني التركي عقب ثورة 26 يناير وحثهم من أجل العمل «على بناء دولة علمانية، مؤكدا أن الدولة العلمانية لا تعني دولة اللادين. ودعا أردوغان، خلال لقائه مع قناة «دريم» التلفزيونية المصرية، إلى وضع دستور مصر بناء على المبادئ العلمانية، معتبرا أن تركيا تشكل نموذجا للدولة العلمانية المناسبة» كما ذكرت بعض الصحف المصرية في وقت زيارته لمصر سبتمبر 2011، ولذلك فمن المفارقة أن يوصف أردوغان بالإخوانية فيما بعد بحكم موقفه من إسقاط الإخوان في مصر !!
من الصعب الجزم بامتداد فكر الإخوان في تركيا خاصة وأن من طبيعة الأفكار تحولها داخل المجتمعات، ثم إن اتصال الإخوان المسلمين في مصر بإسلاميي تركيا كان متأخرا نوعا ما عن اتصال الإخوان في غيرهم من العالم العربي، فلا دلائل يمكن الاتكاء عليها في تأثير فكر الإخوان في تركيا، وكل ما نجده في الموسوعة التاريخية الالكترونية الرسمية للإخوان المسلمين (ويكيبيديا الإخوان المسلمون) هو نوع من الزيارات الرسمية لبعض رموز الإخوان لتركيا بعد تشكيل الأحزاب الإسلامية بسنوات. في الموسوعة نجد هذا النص: «... لم يعرف بالضبط متى دخل فكر الإخوان المسلمين إلى تركيا غير أن الإخوان كانوا يعتبرونها محطة من المحطات، خاصة الذين فروا من طغيان عبدالناصر، وإن كان لم يظهر أثرهم بقوة في هذه البلاد غير أنه من المعروف أن الأستاذ سعيد رمضان شارك في بعض المؤتمرات في تركيا وعمل من خلالها على توثيق الصلة بالمثقفين الإسلاميين بتركيا» ثم بعده بأسطر عديدة نجد النص التالي: وظلت تركيا لا يظهر فيها السمت الإسلامي أو الجماعات الإسلامية حتى ظهر نجم الدين أربكان الذي تحالف مع الحركة النورسية ــ وهي جماعة منهجها مثل منهج الإخوان وتدرس رسائل الإمام البنا وكتب الإخوان المسلمين ــ وكون حزب النظام الوطني الذي كان أول تنظيم سياسي ذا هوية إسلامية.
في النص الأول أن كل ما في الأمر هو تواصل إسلامي عادي وفي النص الأخير يؤكد ألا علاقة مباشرة للتنظيمات الإسلامية في تركيا بالإخوان إلا كتأثير في تدارس كتب رسائل البنا دون تأثير مباشر لأحد قياديي الإخوان كما حصل في الخليج، ومما يؤكد هذا الرأي كلام في نفس الموسوعة ينفي فيه مرشد الإخوان في مصر محمد عاكف تمثيل أربكان لهم في تركيا في حوار لهم في إحدى الصحف التركية وكل ما في الأمر هو تقدير لجهوده الإسلامية.
لكن هل هذا السرد التاريخي ينفي صلة إخوان مصر بإسلاميي تركيا ؟ برأيي أن المسألة عائدة إلى نوع من التأثير والتأثر الذي يحصل في كل المناحي الفكرية دون الاتصال المباشر ودون الإملاءات الفكرية أو الحزبية بين الطرفين كما هو الوضع في إخوان الخليج الذين ينفي كثير منهم إخوانيتهم في حين لا ينفون صلتهم الفكرية أو الوجدانية بهم بحكم المشتركات الكثيرة، وهذه من طبيعة الإسلام السياسي سواء ذلك الذي ينتهج العمل التنظيمي الجهادي أو السلمي/ المدني، كما أن من طبيعة الأفكار الإسلامية وغير الإسلامية أن تتحول مع الوقت وتتأثر بالمعطيات التاريخية لذلك وجدنا الإسلاميين يختلفون في طبيعة عملهم في العالم العربي فضلا عن إسلاميي تركيا الذين كانت الرؤى العلمانية تؤثر فيهم أكثر من غيرهم.


للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 402 مسافة ثم الرسالة