•• بعد محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري (اللواء محمد إبراهيم) يوم الخميس الماضي.. وقرار حل جمعية الإخوان المسلمين.. فإن السؤال الأبرز الذي يطل الآن علينا برأسه هو:
•• إلى أين تتجه مصر؟!
•• سؤال كبير لابد من الإجابة عليه بوضوح تام.. وذلك من خلال استعراض الخيارات الدقيقة المطروحة الآن..
•• لكن السؤال الأكثر أهمية الآن وقبل الإجابة على السؤال السابق وغيره هو:
•• لماذا استهدف وزير الداخلية على وجه التحديد؟
•• الجواب هو : أن وزير الداخلية يمثل أحد أبرز رموز السلطة الجديدة في مصر بشكل عام.. وشخصية الوزير الذي بدا صارما في قراراته وتوجهاته الأخيرة باتت هدفا مباشرا لجميع القوى المتضررة من قبضة السلطة الحديدية التي أنهت اعتصامي «رابعة العدوية» و«النهضة» بنجاح.. وفرضت حالة الطوارئ وسعت إلى تطبيقها بقوة.. وألقت القبض على أكثر رموز الإخوان تمهيدا لمحاكمتهم في وقت قريب..
•• نحن إذن أمام شخصية مطلوبة من تلك القوى سواء كانت داخلية أو خارجية..
•• فلماذا هذا الاستهداف؟
•• الجواب باختصار شديد هو أن هذه القوى أرادت أن ترسل رسالة قوية إلى الداخل المصري بدرجة أساسية.. ثم إلى الأطراف الدولية التي تراقب الوضع المصري عن كثب.
•• تلك الرسالة تقول: إذا كان وزير الداخلية المصري غير قادر على تأمين الشارع الذي يمر به في طريقه إلى مكتبه.. فكيف له أن يؤمن مصر.. وسلامة المصريين.. ومستقبلهما أيضا؟
•• والهدف من إرسال هذه الرسالة هو: التأكيد بأن السلطة المصرية الحالية من رئاسة.. ورئاسة وزراء.. وجيش.. وشرطة.. ومخابرات.. وإلى جانبهم السلطة القضائية والسلطة الإعلامية لا تستطيع أن تستمر طويلا ما لم تعد الأمور إلى ما كانت عليه قبل ذلك؟
•• والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن فورا هو: هل صحيح أن عودة مرسي وحكم الإخوان كفيل بتحقيق الاستقرار والأمان والتنمية في مصر؟!
•• لا.. بكل تأكيد.. فإن ذلك ليس صحيحا بالمرة.. لأنه لو أن الشعب المصري كان راضيا عن طريقة حكم بلاده خلال تلك الفترة لما وقع التغيير في الأصل..
•• لذلك فإن الرسالة التي أراد مرسلها إرسالها.. لم ولن تحقق أهدافها بالصورة التي أرادها.. أو أرادوها.. لأن إدارة دولة بحجم مصر وفي وقت حساس كالوقت الذي تمر به الآن.. كان وما زال متوقعا أن يحدث فيها مثل هذا الحدث الكبير.. باعتبار أن الصراع ما زال على أشده في الوقت الراهن.. ولأن الأطراف المتضررة أو غير الراضية عن الوضع الراهن سوف لن تتوانى عن توجيه ضربات متوالية إلى السلطة الحالية.. إن من باب الانتقام وتصفية الحسابات وإن بهدف تحسين فرص حصولهم على حصص كافية من كعكة الحكم في المرحلة القادمة.. وإن بالضبط لتغيير الاتجاه بالاستعانة بقوى خارجية لها حساباتها ومخططاتها التي لا يسعدها أن يستقر الوضع في البلاد فتتوقف تلك المخططات وتفسد ما رسموه للمنطقة ككل..
الانشغال بالسياسة والاقتصاد على حساب الأمن
•• لكن الحدث كان أكبر.. وإن كان متوقعا.. إلا أنه أكد حاجة البلاد إلى ضبط أشمل للوضع الأمني.. للحد من وقوع مثل هذا الحادث الكبير تجنبا لما هو أكبر منه في المستقبل.. وذلك كأولوية مطلقة تبدأ ببث روح المسؤولية بين أبناء الشعب المصري كله وليس في نطاق المؤسسات الأمنية فقط إحكاما للسيطرة الكاملة على الوضع.. وقضاء على الترهل أو الانشغال كثيرا بالوضع السياسي والاقتصادي عن الوضع الأمني الأشد إلحاحا.. رغم أنهما مجالان مهمان لكنهما لا يجب أن يتقدما على الهم الأمني.. والإنفاق عليه وبنائه على أسس صحيحة تبعد كل احتمالات الخطر المتوقع ليس فقط على منشآت الدولة وإنما على رموز الحكم.. وقيادات الرأي والقضاء أيضا وصولا إلى تأمين سلامة المواطن العادي.
•• أقول هذا الكلام لأن انشغال مصر بالشأن السياسي في الأسبوعين الماضيين بدا كبيرا.. وهو ولا شك شأن مهم جدا.. لأنه جزء من بنود «خطة المستقبل» التي توافقت عليها قوى وطنية حقيقية في (3/7 / 2013م) ولا بد من الوفاء باستحقاقات الدستور وإقامة المؤسسات وإجراء الانتخابات الرئاسية في الموعد المحدد للفترة الانتقالية.. أو التأسيسية (كما يسميها البعض).
****
•• أدرك هذا.. كما أدرك أن الشارع يضغط على السلطة الحالية لتحقق تحسنا ملموسا على المستوى الاقتصادي في بلد أوشك على الانهيار اقتصاديا نتيجة تراكمات الماضي.. لكن الفترة القصيرة المتاحة أمام الحكومة الانتقالية لا تكفي للعمل على إيجاد حلول جذرية لأوضاع اقتصادية متراكمة منذ الخمسينيات وحتى اليوم.. وبالتالي فإن مطالبة الحكومة بخطط وبرامج واستراتيجيات طويلة المدى فيه قفز على الحقائق.. وخروج على مبدأ تحقيق الأولويات الملحة لحكومة يتوجب عليها أن تؤمن رغيف العيش .. وقطرة البنزين.. وعلاج الحالات المستعجلة في المصحات أولا.. وبالتالي فإن المطالبة بحل مشكلات مصر الكبرى فيه تعجيز للسلطة الحالية عن المضي بالبلاد إلى بر الأمان.. بالتركيز أولا.. ثم أولا ثم أولا.. على إعادة بناء وتعزيز القاعدة الأمنية الضاربة في مختلف أرجاء البلاد..
تعامل السلطة مع الخصوم.. كيف؟
•• وهذا يعني أن أي حديث عن المطالبة بقفزات كبيرة على المستوى السياسي والاقتصادي.. أو أي ضغوط داخلية أو خارجية تمارس ضد السلطة ويكون على حساب التركيز التام على معالجة الوضع الأمني بصورة جذرية.. وتعزيز التعاون الكامل بين المواطنين والدولة.. إنما هو عبث من شأنه أن يمكن لأعداء مصر.. من إغراق البلاد في الفوضى.. وتفجير الحرب الأهلية بشكل واسع وكبير..
•• تلك هي الحقيقة الأولى..
•• أما الحقيقة الثانية فإنها تتمثل في نمط تعامل السلطة الحالية مع خصومها.. وفي مقدمتهم الإخوان المسلمين .. ومن يشاركونهم في العمل ضدها.
•• الملاحظ هو أن هناك مسارين لا ثالث لهما لهذا التعامل:
• المسار الأول:
•• وهو مسار متشدد.. بدأ بإلقاء القبض على رموز القيادات الإخوانية وبعض كوادرهم المؤثرة في الجماعة والحزب والمحافظات وسوف ينتهي بإخضاع الجميع لمحاكمات مدنية وعسكرية.. تؤدي إلى صدور أحكام قاسية وغير مسبوقة.. هدفها استئصال هذا التيار من المجتمع المصري بعد أن أصبح يهدد أمن واستقرار البلاد وخرج عن وظيفته الدعوية إلى ممارسة سياسية بمواجهته للسلطة واحترابه مع جزء كبير من الشعب حرصا منه على الاحتفاظ بالسلطة وتغيير مسارات مصر في المستقبل.. ويهدف هذا المسار المتشدد إلى تحسين فرص التفاوض مع هذا الفصيل لتأمين سلامة مصر.. وضمان انخراطه في العمل الدعوي والسياسي المنظمين بعيدا عن استخدام العنف وصولا إلى السلطة من جديد..
• المسار الثاني:
•• وهو مسار سياسي.. يجد من يؤيده في الداخل وكذلك من الخارج في الوقت الراهن.. وينادي بتناسي الماضي والعمل على احتواء الإخوان والسلفيين والجهاديين وصهرها في منظومة عمل سياسة واحدة.. تعمل على إعادة بناء مصر من جديد.. وتتجنب بذلك سياسة الإقصاء والفرز التي عانى منها المصريون كثيرا في العقود المتأخرة وأخذوا يشهدون بعض مظاهرها بقوة.. سواء في عهد حكم الإخوان خلال العام الماضي.. أو في مرحلة ما بعد سقوطهم وإبعادهم عن الحكم.
الضغط على الخصوم حتى النهاية
•• فما هي مزايا وعيوب كل من المسارين.. وما هو تأثير كل منهما على الوضع العام للدولة المصرية.. وعلى المواطن المصري أيضا؟
•• ينطلق المسار الأول من أن هناك نظاما قد سقط نتيجة أخطاء جوهرية وقع فيها.. وثورة.. شعبية نفذت إرادتها.. واستعانت في ذلك بالجيش.. وقامت في البلد سلطة متكاملة الأركان وأن من حق هذه السلطة أن تحاسب رموز العهد السابق على ما وقعوا فيه من أخطاء سواء بالممارسة أو القول.
•• وانطلاقا من هذا الحق.. فقد أحيل الرئيس (المعزول) وعدد كبير من رموز تنظيم الإخوان المسلمين للتحقيق تمهيدا لإخضاعهم للمحاكمة.
•• وسوف تواصل السلطة هذا النهج لتحقيق أفضل النتائج التي تكفل الاستقرار لمصر وتضمن عدم تهديد الإخوان للسلامة العامة في المرحلة القادمة..
•• فالمضي في المحاكمات إعمالا للقانون.. من شأنه أن يحقق إحدى نتيجتين:
•• أولى هاتين النتيجتين هي: فرض سلطة الدولة بقوة.. وذلك بتنفيذ كافة بنود و«خطة المستقبل» حتى نهايتها دون حدوث منغصات كبيرة.. باستثناء بعض الحوادث العابرة أو حتى المؤثرة مثل محاولة اغتيال وزير الداخلية.
وفي هذه الحالة.. فإنه قد يستجيب التيار الإسلامي في جانبه السياسي لهذا التوجه وينخرط في ذات الخارطة في ظل تفاهمات خاصة يعقدها الوسطاء بينهم وبين السلطة..
أما النتيجة الثانية التي سيقود إليها نهج السلطة الحالي.. فإنها تتمثل في تقليم أظافر الإخوان المسلمين ومن يشاركونهم في التوجه بصورة تدريجية.. وتطبيق الأحكام القضائية الصارمة بحقهم.. والعمل على إنهاء تنظيم الإخوان، وتضييق الخناق عليه بصورة غير مسبوقة.. وهو ما قد يدفع بهم إلى العودة إلى العمل السري من تحت الأرض.. وإن كان هناك من يرى أن محاولة اغتيال وزير الداخلية ــ في حالة ثبوت ضلوع الإخوان فيها ــ هي بداية عملية لهذا النوع من النشاط الذي بدأ بقتل «النقراشي باشا» عام (1948م) وطال عددا آخر من القيادات الأمنية والسياسية المصرية أبرزها الرئيس الأسبق محمد أنور السادات.. وإن كان قتلته هم من الجهاديين الذين لم يتوقفوا عن محاربة السلطة.. وهناك من يقول إن بينهم وبين الإخوان خطوطا مفتوحة.
لا تنازلات إخوانية متوقعة
•• هذان المساران إذن.. يعتمد نجاح أحدهما.. أو الأخذ به على مدى تطور الوضع في الشارع المصري، وكذلك على مدى نجاح السلطة في الوفاء بالتزاماتها المعلنة في «خطة المستقبل» والتي يفترض فيها أن تؤدي إلى انتخاب رئيس جديد.. وهي الانتخابات التي سيتحدد مشاركة الإخوان فيها أو عدم مشاركتهم وفقا للمعطيات التي ستسير عليها الأوضاع الأمنية (أولا) ثم الاقتصادية (ثانيا) في البلد بعامة.
•• لكن الواضح حتى الآن هو: أن الإخوان لا يبدون مستعدين لتقديم أي تنازلات بما فيها القبول بسقوط نظامهم وبالتالي تضاؤل فرص عودتهم إلى الحكم في وقت قريب.. حتى وإن استمر حزب «الحرية والعدالة» في ممارسة عمله بصورة قانونية.. وحتى وإن سعى الإخوان إلى تقديم مرشحهم للرئاسة في الانتخابات القادمة.. لأن الشعور العام في البلد مختلف الآن عن الشعور الذي جاء بهم إلى السلطة في تلك الفترة حيث ساهم صعود منافسه «أحمد شفيق» في التصويت لصالح محمد مرسي في الجولة الأولى.. بفوزه بكرسي الرئاسة بفارق (3 %) في تحسين فرصهم عند الشعب في الصعود للمقدمة خوفا من عودة من أطلقوا عليهم صفة الفلول.. فإن مشاركة الإخوان في الانتخابات القادمة - في حالة السماح لهم بذلك - لن تحقق نفس النتائج.. إن هي لم تسقطهم من حساب الشارع المصري إلى النهاية.. بعد أن نجحت السلطة في تقديمهم إلى الشعب بصورة مختلفة.. لاسيما في ظل الممارسات الخاطئة التي لجأوا إليها سواء في أسلوب إدارة البلاد.. أو في مواجهة السلطة الحالية أو في التسبب في ارتفاع عدد الضحايا نتيجة تنظيمهم لمسيرات كبيرة استهدفت مراكز الدولة الأمنية الحساسة.. بالإضافة إلى تجييش مشاعر الناس ضد السلطة من خلال اعتصامي (رابعة العدوية) و(النهضة).
هموم السيسي أكبر من الرئاسة
•• غير أن نجاح الإخوان أو سقوطهم في الانتخابات القادمة سيتوقف إلى حد كبير على أسماء المرشحين الآخرين المطروحين لقيادة مصر في المرحلة القادمة.. وهي مسألة لم تتحدد بعد حتى الآن.. وبالتالي لم تتحدد معها بعد ملامح الرئيس القادم.. وإن كنت أتوقع عدم تقديم الإخوان مرشحا لهم إلى هذه الانتخابات حتى إذا أتيح لهم ذلك تجنبا للسقوط الأبدي.
•• وبالرغم من ارتفاع أسهم «الفريق ركن أول عبدالفتاح السيسي» للترشح لقيادة مصر.. إلا أن الرجل لا يبدو مهتما بهذا الأمر حتى الآن.. لحسابات خاصة عنده.. وهي حسابات تبدو للمراقب - لأول مرة - دقيقة للغاية .. ولاسيما في ضوء رغبته الطاغية في الإثبات للشعب المصري ولدول العالم كافة بأنه حريص على عودة مصر قوية وسلامة مصر آمنة وتأمين حياة أفضل للشعب المصري الذي عانى ومازال يعاني كثيرا..
•• أما كيف يتحقق هذا.. فإن من يتابعون الرجل بدقة ويدرسون مناحي التفكير لديه يدركون أنه يعمل بالفعل في الفترة الحالية على إقامة حكم متوازن في بلاده.. تتوزع فيه الأدوار بين السلطات الثلاث يقودها رئيس منتخب.. في ظل وجود دولة قوية يحميها الجيش ويؤمن السلامة فيها نظام أمني متماسك.. وبالتالي فإن شخص الرئيس القادم لم يعد هو المهم.. وإنما المهم هو تحقق تناغم كامل بين رئاسة الدولة.. وبين السلطتين القضائية والتنفيذية بضمانة الجيش الذي لا يبحث عن دور سياسي في المرحلة القادمة بقدر ما يسعى إلى تأمين السلامة العامة للبلد ودخول مصر مرحلة إعادة البناء الشامل..
خطر وقوع تغيير جديد محدود
•• هذا الهدف وتلك التوجهات التي تسيطر على ذهن «السيسي» وأطراف السلطة الأخرى الآن.. تجعلهم اليوم يقفون أمام اختبار حقيقي.. وتاريخي.. ومفصلي: لأن التهديدات سواء الداخلية أو الخارجية لا تزال كبيرة.. ومحاولات التعطيل لقطار مصر المنطلق نحو الاستقرار لم ولن تتوقف أبدا.. وعامل الزمن المحدود الذي يضغط على الجميع شديد القسوة.. الأمر الذي يبقي على كل الاحتمالات مفتوحة.. بما فيها احتمال تعرض النظام الحالي لأحداث جسيمة..
وإن كان هذا الاحتمال ليس كبيرا وبدرجة تهدد باستمرار حالة الفوضى وتصاعدها.. وتوقع تغيير التغيير في المديين القصير والمتوسط.. وهو الاحتمال الذي يلوح به خصوم السلطة الحالية.. وإن كنت أعتقد أن ذلك أمر مبالغ فيه.. ويندرج تحت مظلة الأحلام والتمنيات.. وبالذات إذا استمر تماسك الجيش.. وتعززت قدرات السلطات الأمنية وتعاظمت درجة التلاحم بينهم جميعا وبين الشعب الذي يبدو أكثر تصميما على استمرار الوضع الحالي.. بل وتحقيق منجزات كبيرة على يديه لمصر.. وللمنطقة العربية بأكملها..
استقرار مصر يخدم مصالح العالم
•• مصر إذن.. سوف تمضي في الاتجاه الذي هي سائرة فيه الآن.. بفضل الدعم الشعبي.. وكذلك بفضل الدعم العربي.. ثم بالتفهم الدولي المتزايد أخيرا لحقيقة سير الأوضاع هناك.. وقناعة دول العالم بأن الاستمرار في «خارطة المستقبل» بات يمثل الخيار الأفضل.. وأن الحرص على استقرار البلاد يحتم عليهم جميعا.. التخلي عن أي مواقف ضدية أو سالبة.. لإعطاء الفرصة للسلطة الحالية كي تنجز ما وعدت الشعب به.. وهذا - في حد ذاته - سوف يخفف من حجم الضغوط الخارجية الشديدة التي مورست على السلطة في الآونة الأخيرة وجاءت حادثة محاولة اغتيال وزير الداخلية لتؤكد أمرا من أمرين:
الأمر الأول: هو أن مصر مهددة بأخطار شاملة وشديدة إذا لم تتعاون دول العالم مع السلطة الحالية فيها..
الأمر الثاني: أن العمل من أجل استقرار المنطقة يبدأ بدعم السلطة المصرية الحالية.. إذا كانت القوى الدولية الأبرز تريد تحقيق هذا الاستقرار في المنطقة.. أما إذا هي أرادت تغيير خارطتها السياسية.. فإنها سوف تعمل على خلخلة الوضع الراهن وربما إسقاطه.. حتى يتحقق المخطط المرسوم لشرق أوسط جديد.. لا مكان فيه لقوة عربية كبرى.. من شأنها أن تشكل تهديدا لإسرائيل - حسب تصورهم.. أو تخضع لمصالح الدول المتنفذة بما فيها الروس والصينيون جنبا إلى جنب دول أوروبا الغربية وأمريكا..
•• ومن الواضح أن أكثر دول العالم قد توصلت أخيرا إلى قناعة تامة بأن زعزعة استقرار المنطقة لن يضر بدولها وشعوبها فحسب بل إنه سيعرض مصالح دول العالم وشعوبه لخطر مفتوح وغير نهائي وغير مسبوق.
•• والشيء الذي لا يجب تجاهله في مثل هذه الظروف هو: مدى تأثير الوضع في سوريا.. وما سينتهي إليه في الأيام القليلة القادمة.
•• فإذا لم يسقط النظام.. ويقضى على الأسد.. بضربة محدودة ومركزة وتطورت الضربة إلى مواجهة كبيرة بين أمريكا وروسيا تشارك فيها إيران إلى جانب الأسد ونظامه.. فإن المنطقة كلها وليس مصر وحدها مرشحة للدخول في حرب كارثية تتجاوز كل التوقعات لما سوف يحدث في مصر في الفترة القادمة إلى ما سيؤول إليه الوضع في المنطقة وبالتالي تختلف عندها جميع الحسابات.. وتقوم في منطقتنا أوضاع جديدة ومدمرة.. وأنا أستبعد حدوث هذا رغم تصريحات الرئيس الروسي «بوتن» المحبطة يوم الجمعة الماضي عقب انتهاء قمة الدول العشرين والتي عقدت في «سان بطرسبيرج» والتي نسف فيها تصريحات روسية سابقة بأن بلاده لن تتدخل في حالة توجيه ضربة أمريكية للأسد..
•• فقد قال هذه المرة.. «إن بلاده والولايات المتحدة غير متفقتين في تحليلهما للوضع السوري.. وأنه متأكد بأن المعارضة هي التي استخدمت «الكيماوي» وليس نظام الأسد.. وأن بلاده لن تسمح بأي عمل يتم خارج إطار الأمم المتحدة».. لا أتوقع هذا.. لأن روسيا تدرك أن الدخول في حرب مع أمريكا لن يحقق أي مكاسب لها، ولذلك فإن تصريحات بوتن «الجافة» هذه تأتي في إطار البحث عن حصة.. من كعكة مستقبل المنطقة في ظل إتمام الضربة.. وتغيير الواقع السوري الحالي.. بكل تأثيراته على مصر ودول المنطقة الأخرى.. وبالذات في ظل قول «بوتن» إنه يشعر بالقلق لفرض حالة الطوارئ في مصر «وهو غير الموقف الروسي المعلن من السابق».
•• وإذا تجاهلت أمريكا هذا العرض الروسي المبطن فإن الاستقرار سوف يصبح مستحيلا في سوريا.. وكذلك في مصر.. وغيرها.. وهو ما يفسر موقف مصر غير المتعاطف مع الضربة لأسباب نتفهمها جيدا.. وندرك أسبابها ودوافعها الداخلية البحتة..
•• وإن كان علينا بعد كل ذلك أن نتوقف طويلا عند السؤال الهام الذي يفرض نفسه الآن وهو:
•• أيهما أجدى لمعالجة الوضع في مصر بصورة جذرية: المضي في الحل الأمني.. وإلى متى.. أو اللجوء إلى الحل السياسي.. وكيف يمكن تحقيقه وما هي حدوده وآفاقه؟
•• الإجابة الموضوعية على هذا السؤال بكل اختصار هي: إن الحلول الأمنية وإن كانت مطلوبة في الوقت الراهن وبقوة لتمكين الدولة المصرية من تأكيد حضورها الفاعل محليا وإقليميا ودوليا.. إلا أن الاستمرار فيها يشكل استنزافا لا تستطيع تحمله قدرات الدولة المصرية الاقتصادية.. على المدى الطويل.. وبالتالي فإنه ليس أمامها من خيار سوى التوجه نحو الحل السياسي الذي يكفل انخراط الجميع فيه والتزامهم بما يتم الاتفاق عليه لبناء الدولة المصرية القوية والواحدة والموحدة.. شريطة أن يرتهن الجميع للمصلحة الوطنية العليا، وتنصهر جميع التوجهات والأفكار والقوى في بوتقة العمل الوطني المشترك.. ويقوم الإعلام بدور إيجابي في إعادة بناء اللحمة بين الجميع.. وأن يحاسب كل من يخرج على هذا المسار في كلا الجانبين.
•• وإذا حدث ورفضت المعارضة الحالية.. ويمثلها الإخوان المسلمين ــ بصورة أساسية ــ الدخول في هذا المسار ومارست صلفا أو تعنتا وطالبت بإطلاق سراح المعتقلين أولا.. فإن السلطة المصرية الحالية تصبح مطالبة باستفتاء الشعب على هذا الموقف، واتخاذ قرارها النهائي على أساس نتائج هذا الاستفتاء وعندها تسقط مقولة الإقصاء.. وتتشكل الحكومة على هذا الأساس الذي فرضته إرادة الشعب في النهاية..
•• لكن.. إذا حدث العكس.. وتفهم الإخوان مقاصد السلطة الحالية واطمأنوا إلى حرصها على إعادة بناء اللحمة.. وتوظيف جميع الطاقات لخدمة مصر المستقلة والمستقرة.. عندها يمكن الانتقال إلى خطوة عملية تثبت حسن النوايا ورغبة الدولة المصرية في تحقيق المصالحة الكبرى بالتوافق على ثوابت جديدة.. يتم في ضوء ذلك إطلاق سراح الموقوفين بضمانة الشعب.. وإرادته.
•• فهل تتجه الأمور هذه الوجهة.. ويساهم الجميع في مرحلة بناء مصر قوية.. وجديدة.. ومستقرة؟.