لو تأملت في مقدار القوة التي يسخرها الله عز وجل في كل لحظة ستجد أنها مذهلة، وهائلة. وإحدى تلك النعم التي لا نفكر فيها هي النيران التي نستعملها بكثرة اليوم وكل يوم. الغالب أنك بدأت نهارك اليوم بإضاءة لمبة أو أكثر. وبداخلها ستجد إحدى أروع أشكال الاحتراق المحكم. فتيل نحيف معدني يحترق على درجة حرارة تفوق شعلة «الدافور» لتضيء حياتك في بيئة احتراق نظيفة، بدون دخان، ولا ضجيج، وبطاقة قليلة نسبيا. وتأكد أن الكهرباء التي استخدمتها عندما بدأت يومك اليوم كانت أيضا بسبب الاحتراق بشكل أو آخر.. والماء القادم إلى «بزابـيز» منزلك كان أيضا بسبب ولعة في إحدى محطات التحلية، أو من خلال مضخات كهربائية. ولا تنس أن الاحتراق الداخلي بداخل محرك سيارتك يعتمد على عملية الاحتراق الداخلي المحكم. وكل هذا في واد ومطابخنا في واد آخر، فتأمل في مقدار النيران التي ستستخدمها اليوم وكل يوم في مطبخك لتنتج عنها بمشيئة الله روائع المالح والحلو. من أرز، ولحوم، ومعجنات، ومهلبيات، و «ططليات» وغيرها. ولو تمعنت في الشعلة نفسها مهما كانت صغيرة ستجد فيها ما يذهل. ألوانها تعبر تعبيرات رائعة عما يجرى بداخلها. كلها تعكس تفاعلات بين الوقود بأشكاله المختلفة، والأوكسجين لتنتج الألوان البرتقالية والحمراء، والزرقاء الجميلة وكل منها يعلن بطريقته الخاصة عن مقدار حرارتـه، وطاقته المختلفة: بعضها يعكس «العفرتـة» و«الإثـارة» و «الهيصة». وبعضها ثائرة لدرجة أنها تصدر ضجيجا يعلن عن عنف تفاعلها مع الهواء، ومقدار التغيرات العنيفة بداخلها. والبعض الآخر يتميز بالهدوء والسكون لدرجة أن شعلته تكاد أن تكون صورة خاملة. وفي كل لحظة هناك إلكترونات تتسابق وتتنافس للطلوع والنزول عبر مستويات مختلفة حول ذرات الوقود الذي يتحول تحولات جذرية في كل لحظة باتحاده من الأوكسجين بمشيئة الله. ولا تقتصر روائع النيران على النواحي العلمية فحسب، فهناك جوانب تاريخية جديرة بالذكر في هذا الموضوع. ولتفسير ظاهرة الولعة كانت هناك فكرة واسعة الانتشار بين العلماء وشبه العلماء: المحترمون منهم وشبه المحترمين أيضا. ومفادها أن هناك مادة تتحكم في الاحتراق واسمها «فلوجي ستون» Phlogiston على وزن «بريدج ستون». وحسب تلك النظرية التي بدأت في القرن السابع عشر في أوروبا، فأي جسم يحتوي على تلك المادة «الناريـة» فهو قابل للاشتعال، وسيشتعل طالما بقيت المادة بداخله لتحول الطاقة من الوقود إلى النار. وكانت تعكس رواج مقدار عمق كبير في التفكير الفلسفي المركز لدرجة أنها هيمنت على التفكير العلمي لفترة دامت لأكثر من مائة سنة. ولكنها كانت تعاني من بعض المشكلات الأساسية: أهمها أنها لم تثبت علميا، والأهم من ذلك أنها كانت «غلط في غلط» ، فالتفكير الفلسفي بحد ذاته لا يكفي لتفسير الظواهر العلمية. وسأضيف معلومة مهمة أخرى هنا وهي أن تلك الحقبة الزمنية «الفلوجي ستونيه» كانت قبل اكتشاف عنصر الأوكسجين وإدراك أهميته ودوره الجوهري في عملية الاحتراق. وفي الواقع، فقد واجه اكتشاف عنصر الأوكسجين مقاومة فكريـة عنيفـة بسبب اعتناق أفكار تحكم «الفلوجي ستون» على عمليات الاحتراق. ولكن الأوكسجين وفكرة «الأكسدة» أثبتت صحتها عمليا وفكريا منذ أن اكتشفها العالم السويدي «شيل» والعالم الفرنسي «لوفوا زييه» بنهاية القرن الثامن عشر فقلبت الموازيـن العلميـة وغيرت الفكر السائد جذريا. وقضت تماما على أسطورة عنصر «الفلوجي ستون» التي اختفت تماما من الساحة الفكريـة. تخيل أن اكتشاف هذا العنصر الأساس لحياتنا تأخـر لعشرات السنين بسبب التشبت بأفكار غير واقعية، وغير مجربة علميا، وغير مثبتة معمليا.
أمـنـيــــة
إحدى أسس جماليات الولعة هي احتواء فائدتها وإلا فستصبح من المخاطر. ولا نتوقع أن تكون الأوطان مثل الولعة غير المسؤولة التي تشتعل بسرعة فتأكل الأخضر واليابس وتدمر مكتسبات الأجيال. وهذه مسؤولية كبيرة بين الحاكم والمواطنين لصون المصالح والمكتسبات الوطنية.. أتمنى أن نتذكر هذه النعم، وهذه المبادئ.
والله من وراء القصد.
أمـنـيــــة
إحدى أسس جماليات الولعة هي احتواء فائدتها وإلا فستصبح من المخاطر. ولا نتوقع أن تكون الأوطان مثل الولعة غير المسؤولة التي تشتعل بسرعة فتأكل الأخضر واليابس وتدمر مكتسبات الأجيال. وهذه مسؤولية كبيرة بين الحاكم والمواطنين لصون المصالح والمكتسبات الوطنية.. أتمنى أن نتذكر هذه النعم، وهذه المبادئ.
والله من وراء القصد.