الصومال.. من منكم لايزال يذكرها ؟. ربما القليلون. من منكم يهتم بأمرها؟. ربما، للأسف، أقل من ذلك. خاصة في هذه الأيام التي قلت فيها أخبارها وأحداثها إلى حد ما. لا أدري ما هو سبب هذا الهدوء النسبي في الأخبار: هل هو نتيجة الانخفاض في حجم الاقتتال المزمن الذي تعيشه تلك البلاد، مع أن أصوات التفجيرات لازالت تسمع بين حين وآخر ومع أن الفصائل المحتفظة بوجودها على الساحة، لم تمل من القتل. ربما يكون سبب الهدوء أن أخبار الاقتتال هناك لم تعد تجذب اهتمام وكالات الأنباء العالمية التي سئمت منها ولا ترى أنها تستحق أن تشغل مكانا بين عناوينها الكبرى. حتى مغامرات القرصنة السابقة هناك لم تعد مضمونة العواقب. على كل حال، وللتذكرة، الصومال بلد عربي مسلم وعضو في جامعة الدول العربية، ويعيش فيه حوالى 10 ملايين مواطن، كثير منهم على صلة مستمرة بأفراد الجالية الصومالية الكبيرة التي تعيش في بلادنا. الحدث الجديد الذي أعاد الاهتمام بشدة إلى الصومال مؤخرا لم يكن ذا علاقة بالاقتتال أو التفجيرات أو القرصنة وإنما بمرض شلل الأطفال الذي وجد فيروسه الفرصة سانحة للعودة بقوة إلى البلاد مرة أخرى ليسبب 163 حالة شلل خلال الأربعة أشهر الماضية، أغلبها وقع في جنوب الصومال في العاصمة موقاديشو والمناطق المحيطة بها. لن نعرف إلا بعد بضعة أشهر الحجم الحقيقي لهذا الوباء، ولكن من المؤكد أن العدد سيرتفع. هذا الوباء يشكل انتكاسة كبيرة لجهود استئصال شلل الأطفال في الصومال بل وتهديدا كبيرا لجهود استئصال هذا المرض في العالم أجمع. الصومال نجحت في استئصال شلل الأطفال منذ عام 2007م وبقيت خالية منه حتى العام الماضي 2012م. كان نجاحها في استئصال المرض في ظل ظروف الاقتتال المستمر خلال السنوات الماضية شبه معجزة خاصة مع غياب أي برنامج منظم لتطعيم الأطفال في تلك الدولة. في غياب الدولة تولت المنظمات غير الحكومية مهمة تطعيم الأطفال تحت إشراف موظفي منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسف. تدهور وضع التطعيم منذ عام 2010م فلم يعد يصل إلا إلى حوالى نصف الأطفال بعد أن كان يصل إلى 90% منهم في الثلاثة أعوام السابقة. رغم كل ذلك نجحت الصومال في التخلص من فيروس الشلل وبقيت خالية من المرض لحوالى خمس سنوات متتالية. الآن ها هو الفيروس يعود ليستفيد من تراجع جهود التطعيم فيقلب الكفة لصالحه وينتصر على تلك الجهود المضنية. يعود ليقول للفصائل المتناحرة: هاهي نتيجة نزاعاتكم على أطفال الصومال، ويقول للعالم إنه لا يمكن استئصال المرض نهائيا من الكرة الأرضية طالما بقيت هناك دولة شبه منسية مثل الصومال يخيم عليها الظلام والتخلف والفقر المدقع، حيث يجد فيروس الشلل البيئة الصالحة له للاختباء والتكاثر إلى أن يتمكن من معاودة الكرة ليضرب ضربته من جديد. هاهي صور الأطفال المعاقين الذين يحبون على ركبهم وأيديهم أو أولئك الذين يسيرون على العكازات أو يدفعون على الكراسي ذات العجلات، تلك الصور التي يحاول العالم محوها من ذاكرته، هاهي تعود مجددا. الأسوأ من ذلك، لن يقف أثر الفيروس عند الصومال وحدها بل سيشكل تهديدا جديدا إلى كل جيرانها بل إلى كل دول العالم التي قد يتمكن من الوصول إليها بطريقة أو بأخرى خاصة عند سفر الأشخاص الذين يحملون الفيروس ولا يظهر عليهم المرض. حقا إنها انتكاسة مؤلمة لجهود استئصال الشلل في العالم التي باتت قاب قوسين من تحقيق أهدافها. لم يبق المرض مستوطنا إلا في ثلاث دول هي الباكستان وأفغانستان ونيجيريا التي حدثت فيها 45 حالة. أي أن إجمالي عدد الحالات التي ظهرت في كافة دول العالم هذا العام حتى الآن (90 حالة) أقل بكثير من الحالات التي حدثت في الوباء الأخير في الصومال. على العالم أن يدفع الثمن ويعيد النظر إلى الصومال من زاوية تهديد الفيروس الذي يتكاثر فيها للعالم كله. انتكاسة شلل الأطفال في الصومال تذكرنا أن كوكب الأرض صغير وأن أي خلل يحدث في أي مكان فيه قد يؤثر على كل الأماكن الأخرى.