-A +A
حمود أبو طالب
نعي جيدا أنه لا يمكن استئصال بؤر الفساد في كل مكان، أو القضاء على التجاوزات في كل الأجهزة، ولكن أيضا لا يمكن القبول باستمرار هدر المال العام بشكل صارخ وبأرقام مزعجة دون ضبط وحسم يقلص نسبة الهدر على الأقل ويحد من تأثيره على المنجز التنموي والخدمات التي يأملها المواطن بصورة أفضل. ولطالما سمعنا ديوان المراقبة العامة وهو يجأر بالشكوى من الحقائق الصادمة التي يضع يده عليها، وعدم فعالية الآليات الرقابية على الصرف، وكذلك محدودية دوره الذي لا يتناسب مع مسماه وواجباته ومسؤولياته.
التقرير الأخير للديوان الذي ناقشه مجلس الشورى يوم الاثنين الماضي كشف عن معلومة مفزعة هي صرف 3.580 بليون ريال «دون وجه حق» في الجهات الحكومية شملت 69 في المئة من الحسابات الختامية و86 في المئة من المستودعات و70 في المئة من الصناديق التي قام بجردها، وأن هذه المخالفات تندرج تحت أكثر من سبب منها: عدم وجود مستندات أو أن الجهة الرقابية لا ترى أحقية الصرف كما تقتضي شروط الأنظمة واللوائح المالية.

وعندما يكتشف ديوان المراقبة العامة أن أكثر من ثلاثة بلايين ونصف قد ضاعت دون وجه حق فإن ذلك لا يمثل سوى رأس جبل الفساد الظاهر وبالتالي يكون السؤال المقلق كم هي البلايين التي تضيع دون أن يتمكن من كشفها ديوان المراقبة العامة أو غيره من الأجهزة الرقابية؟؟
إن المطالبة بتحديث أنظمة الرقابة على صرف المال العام تتردد منذ وقت طويل لكنها لم تتحقق بما يضمن رتق ثقوب التحايل والالتفاف التي يتسرب منها هذا المال الوفير، وذلك ما يشجع أصحاب الضمائر الملوثة على التكاثر والتمادي في سلب حقوق الوطن والمواطن، ويؤدي إلى حقيقة مؤكدة هي أن ميزانيات الوزارات بأرقامها الهائلة لن يكون مردودها بما يتساوى معها، ومع ما ينتظره المجتمع.