-A +A
مصطفى إدريس
• هل نتعامل مع (السيارة) كوسيلة مواصلات فقط؟ لو أن شركات تسويق الحديد المتحرك أعني (السيارات) يعلمون بما يجول في خاطري لنصبوا لي كمينا عند إحدى الإشارات قبل أن تصل الفكرة للمستهلكين، لذلك سأتجنب الجنون لأنجو من مصير قاتم وأطرق موضوعا آخر يقترب ويبتعد عن الفكرة!
• في جميع بلاد الدنيا (الثرية والفقيرة) يرصفون الشوارع ليمشي عليها الناس.. وقد تضطر بلديات بعض المدن مثل القاهرة إلى ترميم الأرصفة أكثر من مرة في العام نتيجة تآكلها من شدة الضغط عليها بالأقدام والأحذية.. وفي مدينة كجدة قد تضطر البلدية إلى تخصيص جائزة لمن يترجل عن سيارته للمشي على أحد الأرصفة اللامعة والمضاءة والمحاطة بالورود!

• لماذا لا نستخدم الأرصفة رغم أنها أنشئت بغرض الاستخدام والمشي عليها؟ هل إننا جميعا نملك سيارات؟ الأطباء -وبالذات أطباء القلب- يحذروننا من عدم استخدام أقدامنا في المشي الطويل..
• المسألة تحتاج إلى تأمل ورصد شديدين لهذه التفاصيل الخفية في سلوكنا الاجتماعي وموقعنا من الرصيف.. يتصل بهذا الشأن موقف آخر تجاه المواصلات العامة والإصرار على امتلاك مركبة خاصة، قد لا نمانع في أن تكتب إلى جوار أحرف الشركة المصنعة قيمة الشراء الذي يتجاوز المائة ألف ريال (والرقم يعادل دية إنسان عند مقتله تحت عجلات إحدى هذه المركبات الباهظة الفارهة).
• إنه سلوك معبر عن مجتمع تحول إلى دورة استهلاك تجيد إهدار مدخراتها إرضاء لـ(عقدة الامتلاك) وعقدة (الوجاهة) التي يتم إرضاؤها في غالب الوقت على حساب أساسيات حياتية، وهو أيضا سلوك ناشئ عن انعكاس عام تتجاوب معه مؤسسات نفترض فيها وعيا مقاوما لـ(الإهدار الاستهلاكي).. فمثلا هل فكرت شركة النقل الجماعي في تربية روح استخدام الحافلة بـ(روح جماعية) والإقدام على تطوير الأداء وتعدد مستويات هذه الحافلات حتى لو تفاوتت رسوم الامتطاء؟ يبدو أن مثل هذه الشركة لم تلتفت لنفسية المجتمع الذي تسير فيه مركباتها.. بل أعتقد أنها لم تدرك أن في هذه المدن أعدادا هائلة من البشر لا يملكون وسائل مواصلات غير أقدامهم التي تخطئ أحيانا طريقها إلى الليموزين، من غير فئة العمالة المستقدمة التي أصبحت المستخدم الوحيد لهذه الوسيلة.
• لإكمال صورة الاتهام.. تشتبك المسألة بين إدارات المرور وأجهزة وزارات معنية بهذه الوسائل للنقل (النقل الجماعي، الحافلات الأهلية، الليموزين) حيث لا يلتفت إليها كوسائل خدمة عامة بقدر ما تزكى كمشاريع استثمارية مطالبة بتحقيق أرباح كبرى في أقصر زمن ممكن. ودليل ذلك ما نشهده من تهافت على إنشاء شركات (الليموزين) حيث يصل دخل السيارة الواحدة منها إلى ثمانية آلاف شهريا أي ما يعادل مرتب موظف.. وفي الجانب المروري هو جهاز يفترض أنه ينظم توزيع هذه الخدمة بما يلبي الحاجة الاجتماعية وليس الحاجة الاستثمارية إضافة إلى صرامة تحديد العلاقة بين الراكب والشركة المؤجرة.
• والحلول المقترحة لا حصر لها، ولعل من المهم هنا تنمية روح النقل العام فلها أثر كبير على تخفيف حدة ازدحام شوارع مدننا.. ولن تمتد هذه المقترحات إلى فكرة (تكييف الأرصفة) لجذب المشاة إلى استخدامها.