مفهوم عدنان إبراهيم للإسلام هو مفهوم أوروبي؛ لذلك يبدو مختلفا وأحيانا متسامحا، وصدر عن دار الطليعة سلسلة كتب مختصرة تسمى «الإسلام واحدا ومتعددا»، وهي مجموعة أبحاث أكاديمية مفادها أن الإسلام هو ابن بيئته، بمعنى أن مفهوم أهل أندونيسيا للإسلام تؤثر فيه الجغرافيا والتاريخ والرجال والسياسة والمذهب الفقهي، مقارنة بمفهوم الأكراد ــ مثلا ــ أو العرب أو المغاربة أو المتصوفة أو البدو... وهكذا.
****
عدنان إبراهيم طبيب درس في دول علمانية أوروبية عاش حضارتها وقرأ لفلاسفتها، يخرج كل صباح ليلتقي بالخباز الكاثوليكي وموظف البنك اليهودي وعمدة المدينة الملحد والمهاجر التركي المسلم، هذا الاختلاف والتمازج يدفعه كداعية وخطيب جمعة أوروبي أولا إلى أن يكون مختلفا عن السائد العام في البلدان الإسلامية، وثانيا أن يكون متسامحا إلى أعلى مدى، هذه طبيعة البشر، فالمسلم السني يتناحر مع المسلم السني على المذهب وطريقة الفهم، ثم المسلم الشيعي مع السني يأخذ النزاع شكلا آخر، ثم المسلم وبقية الأديان السماوية، ثم المسلم مع باقي البشر.
فكر عدنان إبراهيم نابع من موقعه الجغرافي، ومن الظلم أن نقارنه بدعاة ووعاظ يعيشون في مجتمعات لا تحظى بمصادر المعرفة وأجواء الحرية المتوفرة له.
****
تخيل أن رجلا ألمانيا دخل مركز دعوة الجاليات أو في أي مسجد أو مركز دعوي آخر كيف تتوقع أن يكون استقباله؟، غالبا سيجد الرقة والتسامح والضيافة في الاستقبال طمعا في هدايته إلى الإسلام، أو في أقل الاحتمالات تحبيبه في الإسلام والمسلمين، عدنان إبراهيم هو نفسه مركز دعوة الجاليات؛ لأن أغلب مرتادي مسجده مسلمون أوربيون يحتاجون إلى نسخة الإسلام الأكثر تسامحا وتحررا، وهو ما يقدمه لهم عدنان إبراهيم بتفوق وذكاء، يحتاجون إلى إسلام متسامح لا يتصادم مع فلاسفة أوروبا الملاحدة الذين تدرس كتبهم لأبناهم في المدارس، يحتاجون إلى إسلام متفتح يتعامل مع المرأة باحترام و(ندية) لأن أنجح وأقوى رئيس دولة في الاتحاد الأوربي هي امرأة، يحتاجون إلى فقيه يكيف الأحكام الفقهية باستثناء الأركان الخمسة بما تقتضيه روح العصر، يحتاجون إلى إسلام يبجل العقل ويمجد الحرية ويتحيز للشباب والمستقبل، وهذا ببساطة ما يقوم به عدنان إبراهيم من على المنبر.
****
اسمها سارا تسكن حي المحمدية في جدة، تدرس علم نفس وأغلب الوقت تقضيه في مشاهدة الأفلام الوثائقية على يوتيوب أو تحميل الصور على انستغرام، طموحة ولكنها في كل مرة تتابع برنامجا دينيا تجد الشيخ يهتم برموشها وألوان رموشها وعبايتها وألوان عبايتها، فجأة يظهر عدنان إبراهيم يرتدي بدلة أنيقة ولحية مشذبة ويحاكي عقلها بطرح رزين ودسم وبحركات جسد مميزة ونبرة صوت فاخرة درستها في الجامعة فتتعلق بأفكاره، سارا هي مئات الآلاف من الشابات والشبان الذين يتابعون بتطرف وباهتمام عبر البحار عدنان إبراهيم الشيخ والمفكر والصديق، وخطورة هؤلاء أو أهميتهم (بحسب نظرتك لعدنان إبراهيم) أنهم يفكرون ويبحثون ويشغلهم هم، فالذي يتابع عدنان لم يتابعه عن طريق الصدفة، بل هو شغف لا منتهٍ بالمعرفة، ولكن نهايته غير معروفة لي حتى الآن.