يتحركون أفرادا وجماعات، نساء ورجالا منهم من يحمل على أكتافه أطفالا صغارا لا يدركون بالطبع الموقف، يحيطون بقنصليات بلادهم كإحاطة المعصم بالسوار، يسابقون الزمن وأحيانا يسبق الزمن خطواتهم، وجودهم المكثف يثير قلق وريبة سكان الحي، والمقصود هنا حي الرحاب الذي يحتضن عددا من القنصليات الآسيوية كالفلبينية والإندونيسية التي تمثل جالياتها الأكثر حضورا في خارطة العمالة الوافدة في المملكة عموما.
تواجد العمالة المكثف لم يقتصر على الشوارع المحيطة بالقنصليات، بل امتد أثره إلى الساحات والحدائق العامة القريبة والتي تحولت إلى خيم من القماش و«صنادق» من الورق المقوى تتخذ كمأوى للقادمين من خارج المحافظة لتصحيح أوضاعهم قبل انتهاء مدة التصحيح المقررة بنهاية شهر ذي الحجة المقبل.
وفي المقابل، أثارت الكثافة البشرية وحالات الشغب التي تقع بين حين وآخر في محيط القنصليات، سكان الحي الذين أبدوا خشيتهم من تصرفات هذه العمالة التي تعيش في العراء، وقد تأتي بأي خطوات تعكر صفو الحي الهادئ، وتؤرق مضاجع ساكنيه، خاصة أن هذه العمالة طال بقاؤها في هذه الأماكن لأسابيع بلا عمل ولا مصدر رزق، وهو ما يشكل خطورة كبيرة على السكان أنفسهم.. «عكاظ الأسبوعية» وقفت ميدانياً على أماكن تجمعات الجاليتين الفلبينية والإندونيسية، وحاورت عددا من العمالة الذين أبدوا أملهم في تصحيح أوضاعهم قبل انتهاء المهلة، وأيضاً تحدثت لعدد من السكان الذين أبدوا امتعاضهم من إغلاق الشوارع وتكدس العمالة التي أسهمت بدورها في شل الحركة المرورية والتجارية في الحي بأكمله.
صخب وضجيج
في البداية أوضح لـ «عكاظ الأسبوعية» عبدالله المنصوري بأن حي الرحاب من الأحياء الهادئة في مدينة جدة، وتحتضن عددا من القنصليات أبرزها القنصليتان الفلبينية والإندونيسية، ولكن ومع الإعلان عن تصحيح أوضاع العمالة الوافدة، انقلب حال الحي وتحول إلى صخب وضجيج، طار النوم من عيوننا وحول حياتنا إلى قلق مستمر، معظم هذه العمالة بلا عمل أو مال لتأمين الطعام ولا يتوانون عن فعل أي شيء لتوفير متطلباتهم اليومية.
وأضاف، «نأمل أن تتخذ الجهات المعنية حلولا تستدعي ترحيلهم من هذا البلد، بعد أن تحولوا إلى مصدر خوف يلاحق سكان حي الرحاب وسكان الأحياء المجاورة».
تصحيح الأوضاع
من جهته، أكد ناجي العولقي أن أفراد الجالية الفلبينية المنتشرين في محيط قنصلية بلادهم، والساعين إلى تصحيح أوضاعهم باتوا يشكلون خطرا كبيرا على سكان حي الرحاب، خاصة أنهم بلا عمل أو مصدر رزق ويبيتون في العراء بعد أن اتخذوا الحدائق العامة مأوى لهم ولأسرهم وبينهم نساء وأطفال.
وأردف، لم يتبق سوى أيام قليلة من فترة تصحيح الأوضاع، وبعد انقضاء المدة المحددة يجب على الجهات المختصة البدء في ترتيبات ترحيل الجاليات المخالفة، خاصة أن معظمهم يرغبون في العودة إلى بلدانهم ولكن لا تتوفر لديهم الأوراق الثبوتية ولا حتى الأموال التي تساعد على ذلك.
وضع مقلق
وحول المخاطر المحتملة على السكان جراء توجد الجالية الفلبينية في الحدائق والساحات المحيطة بقنصلية بلادها أوضح محمد موسى، بأن العمالة الفلبينية التي تتواجد الآن في الحدائق العامة بحي الرحاب كانت نظامية وعملها مشروع فمنهم ممرضون وممرضات وغيرهم ولا يخشى من وجودهم شيئا.
وأضاف، تعرفت على أوضاع بعضهم من خلال حديثي معهم، ومن بينهم من هرب من كفيله لعدم استلامه رواتبه بانتظام، بالإضافة إلى الإجهاد المستمر في العمل لساعات طويلة، مشيرا إلى أن أكثر المتواجدين في الشوارع المحيطة بالقنصلية ينتظرون دورهم لإنهاء إجراءات سفرهم، ومع هذا فإن وجودهم بهذا الحجم الكبير داخل الحي يقلق السكان خشية ارتكابهم للمخالفات ومنها السرقات بالطبع.
بدوره بين محمد القحطاني، أن التواجد الكثيف للعمالة الوافدة بالقرب من قنصليات بلدانهم ضاعف من الجهات المعنية بحفظ الأمن، كما آثار قلق سكان الحي الهادئ، خاصة أن وجود العمالة لم يقتصر على محيط القنصليات بل امتد إلى الشوارع القريبة والحدائق العامة التي تحولت إلى مأوى للعديد منهم وخصوصاً القادمين من خارج محافظة جدة ولا يملكون المال الكافي الذي يؤمن لهم سكنا مناسبا خلال وجودهم في جدة.
صدقات المحسنين
وفي موازاة ذلك، أكد بشير مغمون (فلبيني) بأنه ينتظر وأسرته إجراءات تصحيح أوضاعهم منذ ستة أشهر، وأنهم خلال الفترة بلا أي دخل مادي، ويحصلون على قوتهم اليومي من صدقات المحسنين، ويضيف «نريد العودة إلى بلادنا فقط، وهذا في اعتقادي مطلب بسيط، ونحن هنا منذ ستة أشهر ولم نجد أي تجاوب من مسؤولي القنصلية الفلبينية ونمر بأوقات عصيبة ولا أعلم السبيل للخروج من هذا النفق المظلم».
من جانبه، ذكر توني كريستوفر (فلبيني)، بأنه يراجع منذ مدة قنصلية بلاده لإصدار جواز سفر بدل فاقد حتى يستطيع العودة إلى بلاده، وقال، «منذ شهرين وأنا أراجع القنصلية ومع هذا لم أتمكن من الحصول على الوثائق التي تمكنني من السفر نظراً لضخامة أعداد المراجعين الذين يواجهون نفس المصير».
أما سيف الدين، فعبر عن حاله هو وأفراد أسرته، وقال نعيش حالة سيئة للغاية وننام في العراء دون ماء أو كهرباء، ولا عمل نستطيع من خلاله توفير الطعام، ونعتمد في طعامنا على الرز الذي يتصدق به المحسنون، ويضيف «نقضي حاجتنا في المسجد القريب، أما المنزل فمبني من الخشب والقماش حتى يسترنا من عيون الفضوليين من المارة».
وأردف، كنا نأمل من القنصلية تجهيز دورات مياه مؤقتة لأفراد الجالية المتواجدين في محيطها حتى الانتهاء من المشكلة القائمة، كما تقدمنا للمسؤولين ببعض الطلبات التي من شأنها تذليل الصعاب على المراجعين إلا أن الأعداد الهائلة تحول دون تنفيذها.
في حين ذكر عماد الدين أنهم يستعينون بالمياه المتوفرة في المساجد أو من غرف السائقين في المباني المجاورة الذين يتعاطفون معنا إنسانيا ويعرفون جيدا حجم معاناتنا ولا يتوانون عن تقديم يد المساعدة قدر المستطاع.
إغلاق المنافذ
ولا يختلف المشهد في الحدائق المجاورة للقنصلية الفلبينية عن مثيلتها القنصلية الإندونيسية التي لا يفصل بينهما إلا بضعة أمتار، إذ أن الأخيرة تقع على امتداد (مجرى السيل سابقا) وأصبحت ساحة بعد ردمه وهو ما ساهم في استيعاب الأعداد المتدفقة على القنصليتين لإنهاء إجراءاتهم المتعثرة والتي ضاعفت في البقاء في الحدائق والشوارع المحيطة ريثما تنجز تأشيرات المغادرة وإجراءات التصحيح لمن رغب العمل.
كما يقع أمام القنصلية الإندونيسية مسجد محاط بأعداد من العمالة المخالفة الراغبة في تصحيح أوضاعها بالحصول على وثائق بديلة عن تلك الذي زعموا فقدها بغية العمل لدى كفلاء جدد، الأمر الذي أدى القائمين على أعمال المسجد بإغلاقه خارج أوقات الصلوات الخمس لتفادي استغلاله من قبل العمالة في السكن والنوم ومنافعه.
لكن الكثافة البشرية وحالات الشغب التي وقعت في شعبان الماضي تسببت في إغلاق المنافذ والطرقات المؤدية إلى القنصلية لتتمكن الجهات الأمنية من أداء المهمات الأمنية المناطة بها في حماية القنصلية ومرتاديها وسكان الحي.
تواجد مريب
ورغم تلك الوقائع إلا أن ذلك رمى بظلاله على قاطني الحي الذين أبدوا امتعاضهم من إغلاق الشوارع وتكدس العمالة التي أسهمت بدورها في شل الحركة المرورية والتجارية في الحي بأكمله لا سيما المواقع الواقعة على امتداد شارع المؤلفين.
يقول المواطن أحمد المحمدي واجهنا معاناة كبيرة في فترات الذروة من الخروج والدخول إلى الحي بحكم كثرة المراجعين والمراجعات للقنصلية الإندونيسية متطلعين إلى الفترة المقبلة (نهاية ذي الحجة المقبل) الموعد المحدد لانتهاء حملة التصحيح.
من جهته، بين عمر عبداللطيف، أن الوضع الحالي ألزم السكان بإغلاق مداخل العمائر بعد اكتشاف عدد من العمالة يفترشون السلالم وأسطح البنايات في أوقات متأخرة من الليل، وهو ما شكل المخاوف لدى البعض من التواجد المريب لبعضهم لاسيما القادمين من خارج المحافظة.
وزاد، تبددت مخاوفنا عندما عززت الجهات الأمنية تواجدها وانتشارها داخل الحي بعد أعمال الشغب الذي أدى إلى نشوب حريق في السفارة من قبل العمالة المخالفة.
لا حالات جنائية
إلى ذلك، أكد الناطق الإعلامي بشرطة جدة الملازم أول نواف البوق، تمركز الدوريات الأمنية والدوريات السرية في أماكن تجمعات العمالة الوافدة، وقال «لم نسجل حتى الآن أي بلاغ عن وقوع حالات سرقة أو حالات جنائية»، مشيرا إلى أن تواجد الأشخاص بشكل مكثف من جميع المناطق لإنهاء إجراءاتهم من قبل قنصلياتهم، تسبب في بطء إنجاز المعاملات داخل القنصليات، مؤكدا التعاون بين جميع الجهات ذات العلاقة لإنهاء أي إشكالية تقع، وبإذن الله ستنتهي الأمور قريبا وتعود المياه إلى مجاريها.
