-A +A
خالد الجابري (المدينة المنورة) تصوير: رمزي عبدالكريم
لن تكون «الساحرة الطائرة» التي هبطت عارية على سطح احد المنازل بالمدينة المنورة، آخر قصة او حكاية في عالم المشعوذين وهواة النصب بالدجل والخزعبلات.. ولا يعني سقوط عشرات بل مئات السحرة في اشهر معدودة داخل احياء طيبة وعسير وجازان وغيرها من المناطق بداية النهاية لمحترفي اللعب مع الشيطان.. فما ان يسقط نصاب حتى يطل آخر عاطل لا عمل له، او ماكرة تتقن اصطياد ضعاف النفوس، ليلتقي هذا وتلك عند خط الاستثمار في مشاكل البشر النفسية والاجتماعية، مستغلين حالة الرفاه الاجتماعي التي يعيشها بعض رجال الاعمال، ممن ينخدعون بمثل هذه الاعمال، وحالة التفكك الاسري التي انتشرت بين الكثير من الاسر والعائلات حيث يدفع لهم الكثيرون المال بل ويبيعون من اجل ارضائهم والفوز بوصفتهم الوهمية المجوهرات ويذبحون لهم التيوس ويقدمون لهم احياناً بعد تنويمهم بعض التنازلات..هؤلاء الذين ينتمون لجنسيات مختلفة من القارة السمراء، ويمارسهون السحر والشعوذة خلف شعار الطب الشعبي، اغلبهم متخلفون عمرة قدموا بدافع الطمع والاستغلال ولذا فكل الامور لديهم ستنتهي عند خط واحد وهو العودة بملايين الريالات قبل ان تكشف الاعيبهم واوراقهم الجهات المعنية.«عكاظ» اقتحمت اوكارهم وبيوتهم الطينية والاخرى شبه المهجورة والخفية وحلت ضيفة على الساحرة الموريتانية في حي «السيح» ومنه

الى احياء اخرى مختلفة وجاءت باكثر من حكاية لساحر سوداني يشترط ليلة حمراء، وآخر عاطل من سوريا يدعي قدرته على توفير الاستقرار ومنع الانفصال

وثالث يمني يمارس السحر الكترونيا عبر الانترنت، فيما تخصصت مشعوذة في اصطياد الهوامير والاضرار ببعض المسؤولين.. فماذا داخل هذا العالم الغريب والمثير.. ومن يقوده.. وينصب الفخ لضحاياه؟ ولماذا يدخله البعض بمحض ارادته مع سبق الاصرار والعمد؟



في السيح احد اشهر الاحياء الشعبية بالمدينة المنورة واكثرها عشوائية وسوءاً، لم نتعب كثيراً كي نصل الى الساحرة الموريتانية المشهورة هناك، أستعنا بصديق يعلم بواطن الامور بالحي الذي نبت شيطاناً قبل اكثر من 40 عاماً ولم يخضع لتطوير او تنظيم ما عدا بعض التحسينات او الترقيعات في شوارعه الرئيسية..الوجوه اغلبها افريقية، يمارس عدد ليس بقليل منهم اعمال السحر والشعوذة، بينهم نساء احترفن هذه العملية في بيوت خفية وشبه مهجور ولكل ساحر او ساحرة خادمة وحارس.

في البيت الخفي الذي يعيدك بطرازه الطيني الى بيوت العصور الوسطى، تستقبلك خادمة عابسة جامدة، لا تدع لك فرصة للتحدث قبل ان تجيبها على السؤال الاهم الذي تطرحه بصوت عال على مسمعك.. من انت.. وماذا تريد؟ فان شعرت بأمان واطمأنت لكلامك طلبت منك الانتظار ريثما تصعد الى «الشيخة» في الطابق العلوي وتأخذ منها قراراً بدخولك الى قلعتها المبنية من الحجر الطيني، وتتكون من طابقين، الاول لاستقبال الزبائن «الضحايا» المسموح لهم بالدخول، والثاني لعيادة الدجل والشعوذة وممارسة طقوس «الخداع».. في طابق العمليات نافذة خفية تطل على الشارع تراقب من خلالها الساحرة وخادمتها الوضع خارج المنزل، فاذا ما جاءت رياح الخطر او وصلت أي جهة امنية او رسمية او شاهدت ما يريب ويهدد استمرارها في النصب. هبطت فوراً الى ركن خفي بالطابق الارضي حيث يبدو كل شيء طبيعياً الا هذه السبح الطويلة المعلقة على الجدران والطلاسم الغريبة والمباخر الكبيرة المنتشرة في كل الزوايا، فتدخل في قلبك الرعب وتلبسك الدهشة وسط ضوء خافت يشق ظلام البهو الواسع المؤثث بشكل بدائي. شرد ذهني قليلاً وانا اشاهد ما يحاصرني من خزعبلات فيما كان صديقي ثابت لا يهتز جسمه ولا ترتعش يداه ويبدو انه اعتاد الجلوس في بيوت هؤلاء؟ جاء امر الصعود الى أعلى، سبقتنا الخادمة بخطوات هادئة دون أي ابتسامة، فازددت خوفاً مع كل درجة ارتقيها الى الاعلى فلاول مرة في حياتي سأقابل ساحرة وانا الذي اتصبب عرقاً عندما اقابل امرأة عادية.

الاتعاب اولاً

في غرفة الساحرة بادرها الصديق مرحبا يا شيخة فردت بابتسامة صفراء مقتبضة دون ان تتكلم.. واذا بي اجد نفسي امامها جالساً القرفصاء فيما تقلدت هي الكثير من السبح، جالسة فوق رجليها اللتين ضمتهما تحتها، ووبعد ان حركت مباخرها يميناً ويساراً ونقلت بعض ادوات الشغل سألته.. ما اسمك؟ وما اسم امك.. فعاد الخوف مرة اخرى الى قلبي ولكنني تماسكت؟ واخبرتها الاجابة وسألتني عن حكايتي: فاختلقت لها «حدودتة» وقلت: لي معشوقة احبها وتحبني الا ان اهلها يرفضون زواجي منها كلما طرقت بابهم طالبا يدها.. وعندما فشلت محاولاتي دلني صديقي عليك لانقاذي وتمكيني من الارتباط بها.

صمتت الساحرة لحظات تمتمت فيها ببعض الكلمات والعبارات غير المفهومة «لزوم الشغل».. ثم اتسعت حدقتا عينيها وكشفت عن ابتسامة عريضة وقالت «نتفق اولاً على الاتعاب.. عشرة آلاف مقدم وعشرة اخرى عند نجاح المهمة» تظاهرت اولاً بعدم القبول لارتفاع السعر ولمزيد من التمويه عليها طلبت تدخل صديقي في الامر الا ان صوتها المرتفع بالاصرار على المبلغ جعلني اوافق.. لارى ماذا ستفعل الساحرة؟

وبينما كانت تعد ادوات النصب، حمدت الله انني كنت قد اعددت هذا المبلغ مسبقاً ولكنها لا تدري ان جميع اوراقه مرقمة بأرقام ابلغت بها الجهات المعنية.

ولم تمض لحظات حتى اشعلت الساحرة مبخرتها واخرجت طلاسم مكتوبة بطريقة غريبة وقالت: خذ هذه الورقة وضعها تحت عتبة باب اسرة محبوبتك، وبعد ثلاثة ايام سترى كيف تبدل حالها عندها تأتي لتدفع المبلغ المتبقي «10 آلاف ريال اخرى» وفي محاولة منها لترهيبي واذا لم اقم بدفع الباقي اخذت جزءاً من شماغي لتستطيع ان تسحرني-

حسب ظنها او تخيلها- في أي مكان وتجبرني على المجيء اليها.وخرجت من عند الساحرة- وكلها امل في ان تكمل حلقة نصبها واحتيالها وتفوز بالعشرة آلاف الاخرى واذا بها تفاجأ في اليوم التالي بسيناريو مختلف.. عدد من رجال هيئة الامر بالمعروف ومسؤولين من الاجهزة الاخرى المعنية يقومون بالقبض عليها، وقبل ان تنضم الى ركب السحرة وفي يدها قفاز الحديد رمقتني بنظرة وكأنها تتوعد وتهدد بعقابي عندما تخرج من السجن وتأتي مرة اخرى بطريقة ملتوية.

ليلة حمراء اولاً

من حي السيح الى الحرة الغربية تمتد حكايات السحرة والمشعوذين، فهذا سوداني الجنسية يبلغ من العمر 40 عاماً، اقنع المحيطين به انه مجرد طبيب شعبي ولكنه في الواقع ساحر كبير اكتشفته واسقطته لجنة مكافحة السحر التي يرأسها الشيخ عبدالرحمن المطيري.. الغريب في هذا الساحر انه كان يتعامل مع النساء فقط ويشترط قضاء ليلة حمراء اولاً بالاضافة الى مبلغ مالي يتفاوت حجمه حسب الحالة وخطورتها. تم اعداد كمين له بعد ان تبرعت سيدة اعلامية وتطوعت لاسقاطه بالتعاون مع الهيئة، اتصلت عليه وادعت انها اخذت رقمه من احد معارفها وطلبت منه موعداً ومكاناً ، فحدد لها موقعاً في سوق قباء لم يعلم ان رجال الهيئة كانوا يحيطون به لضبطه وتحويله الى السجن بعد تصديق اعترافاته.

سوري لحياة زوجية سعيدة

وفي حي وعيرة وبالقرب من المطار، اتخذ سوري عاطل عن العمل من الدجل عملاً ومهنة يضحك بها على البسطاء والذين يصدقون خزعبلاته، ولكن يختلف عن سابقه السوداني في انه يعمل في الاتجاهين معاً، ولا يكتفي بالنساء والكيد لهن وانما بعض الرجال ايضاً بعد ان يثق بهم ويتأكد من انهم لا يمثلون خطراً عليه.

كان من الصعب اسقاط «م. س» الذي يبلغ من العمر 50 عاماً حتى نجحت احدى المحاولات بارسال رجل من هيئة الامر بالمعروف تظاهر بانه يطمع في حياة زوجية مستقرة وتنتهي مشاكله مع زوجته فاشترط الساحر عشرة آلاف ريال ولم يتردد رجل الهيئة في دفعها له ليتم القبض عليه متلبساً بعد ان نصحه ببعض الاوراق والطلاسم وطلب منه ان يشربها مع الماء كل صباح ومساء.

الساحر الالكتروني

اما ساحر المصانع «يمني الجنسية» فحكايته حكاية.. عمره 20 عاماً لا عمل له ضاق صدره بالفراغ القاتل الذي يعاني منه بين افراد اسرته المقيمة بالمدينة، تفتق ذهنه عن حل سهل ومربح وهو ممارسة السحر والشعوذة وابتزاز عواطف البشر والاستثمار في مشاكلهم لجأ الى الانترنت فتعلم السحر من احد المواقع المتخصصة ثم انطلق يمارس ما تعلم، بدأ روشتة بخمسمائة ريال فقط، وصار له موقع معروف على الشبكة العنكبوتية، وبعد تعدد البلاغات عنه تم القبض عليه.

تأمين وظيفة

ويدعي بعض السحرة «النصابين» قدرتهم على توفير الوظائف ومن هؤلاء رجل كيني الجنسية في حي الحرة الشرقية تم ضبطه متلبساً وهو يفاوض رجلاً متعاوناً من الهيئة على مبلغ مالي مقابل تأمين وظيفة له.

قائمة المسؤولين

جاءت احداهن في زيارة واستقرت في حي الازهري وقررت ان تعود بمبلغ محترم والوسيلة سهلة وبسيطة الادعاء بالقدرة على سحر الآخر..

وخدمة التجار والهوامير وتذليل كل العقبات التي تعترض طريق اعمالهم وشركاتهم مقابل مبالغ كبيرة ومجوهرات. ولتحبك العملية أتت هذه الستينية بكتب لتعليم السحر وبعض ادوات الشعوذة في الوقت الذي اعتقدت فيه انها في مأمن وفوجئت بالقبض عليها وعثر بحوزتها على قائمة بأسماء عدد من المسؤولين في المدينة كانت ستقوم بسحرهم لصالح بعض الاشخاص.

صاحبة الحزام

وعندما فشلت احدى الخادمات في ترويض عائلة الكفيل لجأت الى السحر وبعض الخزعبلات والقصاصات والطلاسم مارست ما تريد حتى اكتشف امرها صدفة بعد ان لاحظ احدهم اصرارها على ارتداء حزام بعينه تضعه حول بطنها وبضبطها تم التحقيق معها وغادرت الى بلادها.

ولم يتورع السحرة عن الاضرار بمن يسكنون معهم في نفس البيوت فليس هناك فرق بين الجار والآخر البعيد او حتى القادم من بلاد «الواق واق» حيث اقدم احدهم يمني الجنسية على سحر عائلة سعودية تسكن معه في العمارة نفسها وتم القبض عليه وتسجيل اعترافاته.

صاحب التيس الاحمر

وهذا ساحر افريقي تخصص في اصطياد رجال الاعمال فقط عبر بعض الفنادق وباساليب ماكرة وخطيرة. حيث لا يجلس في مدينة واحدة وان كان يتخذ من جدة مقراً له.

ومن نفس القارة السمراء جاء احدهم من تشاد وفي حي الحرة الغربية حط الذي يبلغ من العمر 30 عاماً رحالة داخل منزل شعبي.. وفيه اخذ يمارس هويته مع الدجل وشعوذة،يختلي بالنساء طالبات السحر ثم يقوم بتنويمهن ويفعل الفاحشة بهن مشترطاً الحصول على تيس احمر للجني لكي تؤتي العملية ثمارها على حد زعمه بالاضافة الى عشرة آلاف ريال وتم استدراجه عبر امرأة متعاونة وسجل اعترافاته واقتيد الى السجن.