-A +A
فتحي عطوة
يطرح الجدل المحتدم الآن داخل الكونجرس الأمريكي حول سياسة الرئيس بوش تساؤلا مهما حول مصير القوات الأمريكية في العراق ؟ يتركز حول هل ستنسحب القوات الأمريكية وفق جدول زمني حتى نهاية 2008 كما تردد ؟ ، أم ستبقى عبر قواعد عسكرية دائمة مع تسليم مهمة الأمن للعراقيين ؟
بداية لم تظهر الإدارة الأمريكية أي ميل حتى الآن للانسحاب ، بل إن معركتها الآن مع الكونجرس حول طلب تمويل للحرب بمقدار 93 مليار دولار يؤكد ذلك ، تراجع الديمقراطيون في مجلس النواب الأمريكي ، عن خطة تجبر الرئيس الأمريكي على سحب قواته المنتشرة في العراق ، استنادا إلى تشريع كان سيفرض شروطا وقيودا على مسألة تمويل هذه الحرب.

وعوضا عن مواصلة مساعيهم في هذا الاتجاه، اجتمع النواب الديمقراطيون خلف أبواب مغلقة حيث توصلوا إلى تسوية تهدف الى خلق توازن بين الأصوات المطالبة بقطع التمويل عن القوات الأمريكية كطريقة لوضع حد للحرب، وأولئك المحرجين من الظهور كأنهم يديرون ظهرهم لهؤلاء الجنود. ويُذكر في هذا الشأن أن مجلس النواب الأمريكي كان قد تبنى قراراً غير ملزم يرفض الخطة القاضية بإرسال 21500 جندي إضافي إلى العراق. وبناء على هذه التطورات فمن الصعب الحديث عن نية واشنطن الانسحاب من العراق ، ولكن السؤال ماهي حقيقة الانسحاب الأمريكي من العراق ؟ وهل هو خير كما يصوره البعض أم أنه شر يخالف قواعد الشرعية الدولية لأنه في النهاية احتلال لدولة من قبل دولة أخرى ؟
بداية يمكن القول أن الشعب الأمريكي نفسه يعارض سياسة الرئيس بوش في العراق بنسبة 60% وفق استطلاع أجري مؤخرا في مراكز قياسات الرأي العام الأمريكي ، كما أن الديمقراطيين في مجلسي الشيوخ والنواب لا يعرفون حقيقة مايجب فعله في العراق رغم معارضتهم لسياسة الجمهوريين والدليل على ذلك تراجعهم الأخير عن خطط تجبر الرئيس بوش بالانسحاب.
وواقع الأمر فإن الولايات المتحدة ما دخلت واحتلت بلدا بعد الحرب العالمية الثانية ثم خرجت منه باستثناء فيتنام وكوريا الشمالية لأنها لم تحتلهما عمليا ولم تبق فيهما. وحسب نشرة لوزارة الدفاع الأميركية يوجد للولايات المتحدة قوات في 135 دولة في العالم, ويعني هذا أن لديها قوات في أكثر من 60% من دول العالم.
وموضوع إقامة قواعد أمريكية في العراق مطروحعلى الساحة منذ عام 2004 ، وأول من كشف النقاب عن هذا الموضوع كانت صحيفة “جمهوريت” التركية في يناير من ذلك العام والتي كشفت عن بناء القوات الأميركية سبع قواعد عسكرية دائمة على الأقل.ثم نقلت صحيفة “نيويورك صن” يوم 14/1/2004 أن البنتاجون يبني نظام اتصالات عسكرية مستديما في العراق وهو أساس ضروري لأي وجود عسكري دائم. وهذه الشبكة الدائمة تعني أنه حتى لو انسحبت القوات الأميركية فإن أعدادا كبيرة منها ستبقى في قواعدها التي أحصاها موقع “جلوبل سيكيوريتي” العسكري الأمني بـ12 قاعدة دائمة في كافة أنحاء العراق, وقد خصص الكونغرس الأميركي مبلغ 236 مليون دولار لبناء قاعدة عسكرية دائمة جديدة وذلك في العام المالي 2005.
وكان الرئيس طالباني ، قد صرح لصحيفة “واشنطن بوست” في 25/9/2006 , أنه يرغب في بقاء القوات الأجنبية في العراق وإقامة قاعدتين لها في البلاد وأضاف أنه لا يطلب بقاء مئة ألف جندي بل عدد لا يتجاوز عشرة آلاف جندي أمريكي فقط، ورحب بإنشاء هذه القواعد في كردستان العراق معلقاً أن الأكراد يرحبون بالتواجد الأمريكي؛ ولم يكتف “طالباني” بهذا الأمر بل أكد عليه فيما بعد رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني تعليقاُ على ما صدر عن تقرير لجنة هاملتون بيكر مؤخراً؛ حيث أن هذه القوة الصغيرة أو الوجود الأمريكي البسيط لن يحول دون إيقاف أي عملية اجتياح إيراني للعراق إنما تأتي كقوة رادعة لجيران العراق من أي عملية اجتياح تحدث في المستقبل، وعلق أن هذه الرغبة هي رغبة الأكراد والسنة لردع إيران من أي محاولة تدخل أو اجتياح للعراق .
ومع ذلك فإن التكلفة البشرية العالية واستمرار العنف في العراق يجعل من الوجود الأمريكي معضلة كبيرة للإدارة الأمريكية ، ولكن هناك من يرى أن الانسحاب الأمريكي فيه خطران محدقان بالعراق :
الأول : هو احتمال دخول عسكري إيراني للعراق لسد الفراغ الأمني في حالة الانسحاب الأمريكي
الثاني : احتمال دخول العراق في حرب أهلية بين الطوائف .