-A +A
عادل بترجي
سبق وأن أشرت إلى أن مجموعة مهارات التعلم والابتكار، تتوسط مهارات القرن الحادي والعشرين الثلاث، إذ تعتبر المهارات التي تشملها هذه المجموعة الهدف الرئيس للبرامج المعدة لتنمية قدرات الطلاب على النجاح المهني والشخصي في القرن الحالي. كما سبق وأن أشرت إلى أن هذه المجموعة تتكون من أربع مهارات هي: التفكير الإبداعي والأصالة، والتفكير الناقد، وأسلوب حل المشكلات، والتواصل والعمل الجماعي، وتناولت بالطرح مهارتي التفكير الناقد، والتفكير الإبداعي، اللتين تعتبران الأساس الذي تبنى عليه مهارة حل المشكلات التي سوف نتناولها في مقال اليوم.
كل فرد في المجتمع يواجه نوعاً من التحديات في مسيرة حياته اليومية، سواء كانت تلك التحديات مهنية أم شخصية، وسواء كان ذلك الفرد حدثاً أم راشداً، طالباً أم ممتهناً، ذكراً أم أنثى. ويتفاوت مستوى بساطة التحدي بحسب المواقف التي نواجهها في حياتنا، وبحسب طبيعة الأعمال، والأدوار، والأطوار التي نعيشها. ومع كل هذه الاختلافات والتفاوتات إلاّ أن المهارة التي نواجه بها تلك التحديات تظل واحدة، وهي مهارة حل المشكلات.

تعرّف مهارة حل المشكلات، والتي يطلق عليها في بعض الأدبيات بمهارة التفكير التحليلي، بكونها عملية إيجاد الحلول من خلال التحليل المؤدي إلى حقيقة المشكلة، والتثمين، و المقارنة، والمغايرة؛ للتعرف على بدائل الحلول الممكنة للمشكلة، والحكم على مدى فاعلية الحلول المقترحة، والنقد للبدائل المطروحة في سبيل اختيار الحل الأمثل، والتقييم لمدى فاعلية الحل المختار في التعامل مع المشكلة المطروحة. ولهذه المهارة ست خطوات عملية يتم من خلالها التوصل إلى حلول مناسبة للمشكلة قيد الدراسة، هي: التعرف على المشكلة، وتحديد الموارد اللازمة لمعالجة المشكلة، جمع وتنظيم المعلومات المستقاه من خطوتي التعرف على عناصر المشكلة، واستخدام الموارد لمعالجتها، صياغة الاستراتيجية المؤدية إلى مجموعة من الحلول المحتملة للمشكلة، وتحديد معاييرها، تنفيذ ومتابعة استراتيجيات الحل - أو الحلول - مع توفير التغذية الراجعة، وأخيراً تقييم الحلول من خلال المعلومات المتوفرة من التغذية الراجعة لمعرفة الحل الأمثل للمشكلة.
تعتبر خطوة التعرف على حقيقة المشكلة هي الخطوة الأساس، والتي نحدد من خلالها عدة عناصر مهمة، في سياق إيجاد الحلول البديلة المناسبة للمشكلة. ونعتمد في هذه الخطوة على مهارة التفكير الناقد التي تمكننا من تحليل عناصر التحدي الذي نواجهه عن طريق طرح الأسئلة المناسبة، إذ يعتبر المفتاح الرئيس للحلول المناسبة، هو التأكد من أننا نتعامل مع المشكلة الحقيقية، وليس مع مظاهرها. من الأدوات التي تستخدم عادة في هذه الخطوة الطرح المتتابع لخمس مرات لصيغة السؤال لماذا. وغالباً ما تحتاج هذه الخطوة إلى الكثير من البحث والتحري، عن الحقائق والمعلومات المختلفة التي تحيط بالتحدي المراد التعامل معه، الأمر الذي يتطلب كذلك تحديد الموارد اللازمة لهذه الخطوة، ومصادر المعلومات المطلوبة، ومن بعد ذلك تبويب المعلومات المجمعة، وتصنيفها، ثم تحليلها؛ لحذف تلك التي لا علاقة لها بالمشكلة. كما يتم في هذه المرحلة بحث كل جوانب المشكلة على قدر الإمكان، مع تفهم وجهات نظر الجهات المختلفة المعنية بالتحدي المطروح، ومعرفة ما إذا كانت هناك حلول قد طرحت مسبقاً، مع تفهم الفوائد المحتملة للبدائل التي قد تطرح للحل. بنهاية هذه المرحلة نكون قد تعرفنا على حقيقة المشكلة، وعلى الحقائق المتعلقة بكل جوانبها.
تهتم خطوة صياغة استراتيجية الحلول الممكنة، بالتعرف على أكبر عدد ممكن من الأفكار الإبداعية، والتي من الممكن أن توفر حلولاَ مناسبة للمشكلة. وهنا تكمن أهمية إتقان مهارة التفكير الإبداعي، وتطبيق استراتيجياته للتوصل إلى تلك الحلول. ويحذر المختصون من محاولة نقد الحلول المطروحة، واستبعاد البعض منها في هذه المرحلة؛ خشية فقد البعض قبل التوصل إلى القدر الأكبر من الحلول الممكنة. يلي ذلك خطوة اختيار الحل الأفضل للتحدي المطروح، وذلك من خلال عرض جميع الحلول الممكنة على المعايير الموضوعة سلفاً لذلك. وهنا يمكن العودة إلى تفعيل استراتيجيات التفكير الناقد لاستكمال هذه الخطوة.
في خطوة تنفيذ الحل المختار يتم التطبيق الفعلي لذلك الحل مع إحكام المراقبة على آليات التنفيذ، وتسجيل معلومات التغذية الراجعة؛ لاستخدامها في الخطوة التالية. ليس بالضرورة أن يكون هناك حل أو حد لمشكلة ما، فقد تتعدد البدائل، فإذا ما كان ذلك هو الحال، فيمكن من خلال التغذية الراجعة، تقييم الحلول البديلة، في نطاق ضيق لمعرفة الحل الأمثل. كما أنه من الممكن أن نستنتج بعد التطبيق الأولي أن أيا من الحلول المطروحة غير مناسب للتحدي المطروح. وفي هذه الحالة يعاد تطبيق الخطوات نفسها، بدءاً من مرحلة صياغة استراتيجية الحلول الممكنة للتوصل إلى نتائج أفضل.
يمكن القول إن مهارة حل المشكلات من أهم المهارات المطلوبة على المستوى الشخصي والمهني، فإذا ما تم إتقانها من سن مبكرة في مراحل التعليم العام، فإنها تصبح أسلوب تعامل يمتهنه الجيل الصاعد في مواجهة متطلبات الحياة الآخذة في التعقيد في القرن الذي نعيش فيه.
للموضوع بقية.