عاش كثير من أفراد المجتمع السعودي عقودا من الزمن يحلمون بـ «وظيفة»، فقد كانت هي غاية المراد والمنى لأي شاب في الثانوية العامة أو الجامعة، وقد شهدت مرحلة الطفرة الأولى في السبعينيات الميلادية سهولة كبرى في استيعاب أي مواطن سعودي في الوظائف الحكومية المتوفرة آنذاك، وقد كان المواطن حينها يتوظف حال تخرجه ويجلس على كرسي الوظيفة حتى يتقاعد أو يتوفاه الله أو يعجز عن العمل أو يستقيل. وقد ظل الحال على هذا المنوال حتى تشبعت مقاعد الوظائف الحكومية، ولم يعد هناك مجال لتوظيف الجميع خاصة بعد الانفجار السكاني الذي حدث، وتزايد نسب السكان بصورة مستمرة ،وانتهاء زمن الطفرة الاقتصادية الأولى التي مرت على المملكة. وبدأت وزارة العمل الالتفات إلى القطاع الخاص الذي يوظف ملايين الأجانب كمحاولة منها لخلق فرص عمل للسعوديين، ولكن القطاع الخاص قاوم بشدة كثيرا من خطط السعودة لأنه بالأساس يهدف للربح ولا يفكر في توفير وظائف للمواطنين، ولكن ينصب تفكيره على البحث عن موظف يعمل وينتج بكفاءة بأقل تكلفة بعيدا عن جنسيته.
وهكذا بدأت أزمة «الملف الأخضر» الذي كان رمزا لجيل يبحث عن «فرصة» ضائعة، وعن وظيفة مكتبية وراتب دائم، وبرز ما يسمى بظاهرة «البطالة» التي لا تخلو هي الأخرى من «الخصوصية» السعودية. إذ أن «البطالة» السعودية هي الوحيدة في العالم المتواجدة في بلد يستوعب تسعة ملايين موظف وعامل أجنبي، بينما مليون ونصف المليون مواطن يعانون من عدم وجود عمل يؤويهم ولا مصدر دخل منتظم، وبطبيعة الحال السوق السعودي والاقتصاد الوطني قادران على خلق وظائف كثيرة ولكن كانت دائما المشكلة الكبرى تكمن في ضعف التأهيل والتعليم والتدريب، وضعف ثقافة بعض المواطنين في التعامل مع الفرص الوظيفية، والعمل وفق السلوك الوظيفي الأمثل.
وللأسف أن مفهوم البحث عن وظيفة طغى على أذهان أبناء المجتمع وغاب مفهوم مهم وهو «ريادة الأعمال» وثقافة «العمل الخاص»، وقد كانت هناك مفاهيم كثيرة خاطئة ملأت أذهان الشباب الباحث عن عمل، ومنها أن الوظيفة مضمونة والعمل الخاص غير مضمون، وأن عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة، وقليل دائم خير من كثير منقطع وغيرها من المفاهيم والأفكار التي ساهمت في تحجيم المواطن الشاب من الأقدام على العمل الخاص وجعلته يبحث في الشوارع عن وظيفة حاملا ملفا أخضر بينما كان من الممكن أن يبدأ في عمل خاص، ويساهم في توظيف غيره من الشباب. وليس صحيحا أن العمل الخاص يتطلب أموالا كثيرة فهناك مشاريع حول العالم بدأت بتقديم خدمات دون رأس مال وهي مشاريع مدروسة وفق دراسات جدوى صحيحة. وكم أتمنى أن تسهم الغرف التجارية، ووزارة التجارة، ووزارة العمل ومعهد «ريادة» بالتعاون مع الجامعات في تقديم دراسات جدوى اقتصادية لمشاريع تتطلب رؤوس أموال صغيرة؛ وذلك دعما للشباب الباحث عن رزق حلال بعيدا عن الحياة الوظيفية حتى يتحول مجتمعنا إلى مجتمع يقدر مفهوم «رائد الأعمال» العصامي الذي يخلق فرصته الوظيفية بنفسه ولا يقف على باب الآخرين بملف «أخضر» علاقي يعلق به مصيره وآماله على فرص ضيقة، بينما فضاء الاقتصاد السعودي رحب ويستوعب الكثير من «الرواد».
hishamk32@gmail.com
وهكذا بدأت أزمة «الملف الأخضر» الذي كان رمزا لجيل يبحث عن «فرصة» ضائعة، وعن وظيفة مكتبية وراتب دائم، وبرز ما يسمى بظاهرة «البطالة» التي لا تخلو هي الأخرى من «الخصوصية» السعودية. إذ أن «البطالة» السعودية هي الوحيدة في العالم المتواجدة في بلد يستوعب تسعة ملايين موظف وعامل أجنبي، بينما مليون ونصف المليون مواطن يعانون من عدم وجود عمل يؤويهم ولا مصدر دخل منتظم، وبطبيعة الحال السوق السعودي والاقتصاد الوطني قادران على خلق وظائف كثيرة ولكن كانت دائما المشكلة الكبرى تكمن في ضعف التأهيل والتعليم والتدريب، وضعف ثقافة بعض المواطنين في التعامل مع الفرص الوظيفية، والعمل وفق السلوك الوظيفي الأمثل.
وللأسف أن مفهوم البحث عن وظيفة طغى على أذهان أبناء المجتمع وغاب مفهوم مهم وهو «ريادة الأعمال» وثقافة «العمل الخاص»، وقد كانت هناك مفاهيم كثيرة خاطئة ملأت أذهان الشباب الباحث عن عمل، ومنها أن الوظيفة مضمونة والعمل الخاص غير مضمون، وأن عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة، وقليل دائم خير من كثير منقطع وغيرها من المفاهيم والأفكار التي ساهمت في تحجيم المواطن الشاب من الأقدام على العمل الخاص وجعلته يبحث في الشوارع عن وظيفة حاملا ملفا أخضر بينما كان من الممكن أن يبدأ في عمل خاص، ويساهم في توظيف غيره من الشباب. وليس صحيحا أن العمل الخاص يتطلب أموالا كثيرة فهناك مشاريع حول العالم بدأت بتقديم خدمات دون رأس مال وهي مشاريع مدروسة وفق دراسات جدوى صحيحة. وكم أتمنى أن تسهم الغرف التجارية، ووزارة التجارة، ووزارة العمل ومعهد «ريادة» بالتعاون مع الجامعات في تقديم دراسات جدوى اقتصادية لمشاريع تتطلب رؤوس أموال صغيرة؛ وذلك دعما للشباب الباحث عن رزق حلال بعيدا عن الحياة الوظيفية حتى يتحول مجتمعنا إلى مجتمع يقدر مفهوم «رائد الأعمال» العصامي الذي يخلق فرصته الوظيفية بنفسه ولا يقف على باب الآخرين بملف «أخضر» علاقي يعلق به مصيره وآماله على فرص ضيقة، بينما فضاء الاقتصاد السعودي رحب ويستوعب الكثير من «الرواد».
hishamk32@gmail.com