-A +A
مشعل السديري
في مناسبة زواج بالطائف صادف أن كنت أجلس بجانب جد العريس، وأخذت أتجاذب أطراف الحديث معه، ومما قاله لي:
أنه قدر لي يا ابني أن أقطع المسافة من الرياض إلى الطائف في ثلاث مراحل من عمري الذي تعدى الآن التسعين عاما.

المرحلة الأولى قطعتها على ظهور الإبل فيما يزيد عن شهر كامل، والثانية قطعتها على سطح سيارة: (لوري) واستغرقت خمسة أيام بلياليها عندما لم يكن هناك اسفلت، وبالأمس قطعت نفس المسافة على ظهر طائرة في أقل من ساعة.
لا أريد أن أسترسل بالمواضيع الأخرى التي دارت بيني وبين ذلك الشيخ فالمجالس مثلما يقولون أمانات، خصوصا أن بعضها كان يدور من (المحزم وتحت)، وهي غير قابلة للنشر، فالشيخ غفر الله له كان قلبه أخضر أكثر من اللازم، وازداد اخضرارا بعد أن وصل إلى هذا العمر، والدلالة على ذلك هو عندما قال لي ضاحكا ومتحسرا: مشكلتي يا مشعل أن (الحزام ما عاد فيه فشق)، وإلا كان علوم.
تذكرت هذا عندما قرأت في أغسطس الماضي عن باحث أمريكي في جامعة واشنطن قام بإرسال إشارة من دماغه تعبر عن حركة من أصابعه معقودة على شكل مسدس، وفي موقع بعيد استقبل دماغ زميلته (أندريا شوكو) الإشارة التي حفّزت دماغها على إطلاق كلمات متواصلة من مسدس افتراضي في لعبة إلكترونية، التواصل تم عبر خوذات إلكترونية مصممة للتجربة الفريدة من نوعها.
وهذا الخبر الذي قرأته ذكرني بحوار دار بيني وبين شخص يتحلى بقدر لا بأس به من السذاجة والذكاء في آن واحد، وذلك عندما قلت له:
يا (فلان) لو أن الزمان امتد بك إلى أكثر من قرن من الآن، فمن الممكن أن يتطور العلم إلى درجة إنك لو أردت أن تسافر من جدة إلى الدمام مثلا، فكل ما هو عليك ألا تتوقف أمام جهاز يحولك إلى ذبذبات، ليستقبلك بعد لحظة جهاز آخر في الدمام ويعيدك مثلما كنت رجلا كامل الأعضاء، بدون أي وعثاء للسفر.
صمت الرجل برهه وهو يفكر، ثم قال لي متسائلا: والله عجيب (!!)، ولكن لو أنني في تلك اللحظة التي تحولت فيها إلى ذبذبات تعطل فجأة جهاز الاستقبال الذي في الدمام، طيب أنا فين أروح؟!
بعدها وقفت مثلما وقف حمار الشيخ عند العقبة.