-A +A
حسين هزازي «جدة»
وصف مختصون سعوديون الاتفاق الذي تم التوصل إليه لحل أزمة تعثر الولايات المتحدة الأمريكية في سداد ديونها بأنه حل مؤقت، ولا يتجاوز كونه حقنة مخدرة، وليس حلا حقيقيا للأزمة، باعتبار أن الاتفاق يسري حتى السابع من فبراير المقبل فقط.
وقالوا لـ «عكاظ» إن الاتفاق يتسم بالهشاشة والغموض، لعدم الإفصاح عن السقف الجديد للدين، فضلا عن مدته التي لاتزيد عن ثلاثة أشهر، وهذا تأكيد قوي على استمرار أزمة الدين الأمريكي دون حل حقيقي.

ودعوا الدول الخليجية المستثمرة في أدوات الدين الأمريكية وخاصة السندات الحكومية إلى تنويع استثماراتها في الأسواق الدولية.
دعا عضو مجلس الشورى، ورئيس الدائرة الاقتصادية في البنك الأهلي التجاري الدكتور سعيد الشيخ، الأسواق الخليجية للاستفادة من الاتفاق الذي توصل إليه الكونجرس الأمريكي بهدف تفادي تخلف الحكومة الأمريكية عن سداد ديونها والذي يؤجل الأزمة ثلاثة أشهر، ويكلف فريق من الجمهوريين والديمقراطيين، بإيجاد طريق للخروج من الأزمة، بالبحث عن تنوع جغرافي داخل الأسواق العالمية، وعدم التركيز على السندات الأمريكية فقط.
ووصف الدكتور الشيخ الاتفاق بأنه ذو تأثير إيجابي بشكل كبير جدا على الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي ككل، لأنه أخرج الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المرحلة من احتمال التعثر في سداد التزامها وديونها في حال لم تصل إلى اتفاق من هذا النوع، وربما يكون له سلبيات على الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي.
وأضاف: أن القرار سوف يعيد استقرار توجهات الأسواق العالمية في هذه المرحلة، خصوصا في أسعار العملات وأسعار الفائدة، رغم أن تلك الأسواق شهدت الفترة الماضية نوعا من الذبذبة نتيجة المخاوف من احتمالات عدم التوصل إلى اتفاق، ووصول أمريكا إلى مرحلة التعثر وعدم سداد ديونها. أما الآن وبعد هذا الاتفاق يتوقع أن يكون هناك استقرار نسبي في الأسواق المالية العالمية، يتجه بأسعار الفائدة إلى الارتفاع؛ وذلك عكس توقعات عدم السداد، وسوف نجد الدولار الأمريكي محافظا على قوته ومحققا للمكاسب.
وأوضح أن أسواق السندات الأمريكية، وخصوصا الحكومية ستحافظ على وضعها كمسار آمنة للاستثمار، بعد الاتفاق، وهذا يتطلب التوصل إلى حل نهائي وإلا سوف تكون هناك مخاوف من الاستثمار في سوق السندات الأمريكية، وهذا الأمر أدى إلى عدم تكرار هذه الأزمة التي ربما سوف تجعل اقتصاد العالم في قلق على المدى البعيد.
وبين أنه من ضمن الاتفاق الذي تم التوصل إليه، تشكيل لجنة من الجمهوريين والديمقراطيين في الكونجرس الأمريكي لوضع حل نهائي يعالج هذه المشكلة القائمة، ويتأملون إلى الوصول في 15 يناير المقبل إلى حلول دائمة للأزمة، وهذا يتطلب جدية من كل الطرفين رغم أن هناك جدية أيضا في الفترات السابقة لأنه لايمكن الاستمرار بهذه الطريقة التي تهدد الاقتصاد الأمريكي.
وأشار إلى أن الموقف هو الوصول إلى اتفاق قلل من المخاوف القائمة على استثمارات دول الخليج في أسواق السندات، وربما كانت الصين أكثر الدول مخاوف وجدية ،حيث قامت بمخاطبة الإدارة الامريكية لإيجاد حلول نتيجة للاستثمارات الكبيرة لها في السندات الأمريكية، وكان هناك أيضا تحذير من قبل الصين لحل هذه الأزمة، وإلا سوف تجد نفسها تتجه نحو خفض هذه الاستثمارات في أمريكا، ومن المعروف أنه ليس في مصلحة أمريكا أن تصل الأمور إلى هذه الدرجة.
وأكد أن الوضع الذي حدث لايمكن التغاضي عنه، حيث وصلت الأمور إلى الهاوية، ويجب أن تكون هناك خطة مستقبلية لمعالجة مثل هذه الأزمة، ويتعين على دول العالم ودول الخليج بالذات، أن تنظر إلى المستقبل برؤية سيناريوهات تحليلية لمواجهة مثل هذه الأمور، سواء على المديين القريب والبعيد، للتقليل من المخاطر المحتملة، وأن لا تركز فقط في أوراق المستندات الأمريكية، بالتوجه إلى التنوع الجغرافي للاستثمار في سوق السندات والتي يمكن أن تنخفض فيها احتمالات مثل هذه التطورات غير المتوقعة، وتحرم الدول من المحافظة على قيم استثماراتها ومكاسبها الاستثمارية، ويجب أن نتدارك الأمر وننظر إلى أن هناك تطورات في الأسواق الدولية ونتابع مثل هذه التطورات ونستفيد منها.
وبرأي الكاتب الاقتصادي والمصرفي غسان حسين بادكوك، فإنه على الرغم من توصل قادة الحزبين الديموقراطي والجمهوري في مجلس الشيوخ الأمريكي أمس الأول، وقبل ساعات قليلة فقط من انتهاء المهلة المحددة للموعد النهائي لعجز الحكومة عن سداد مستحقاتها إلى مايمكن اعتباره اتفاقا مؤقتا للتعامل مع أزمة الدين السيادي، إلا أن اتفاق اللحظات الأخيرة لا يعتبر في تقديري حلا للأزمة بقدر ماهو بمثابة حقنة مخدرة سريعة المفعول ولكنها ذات أجل قصير؛ ستتيح للولايات المتحدة تجنب الانزلاق آنيا في الهاوية المالية حتى حين، كما ستسمح لها بإعادة فتح المقرات الحكومية المغلقة جزئيا منذ بداية أكتوبر الحالي، وستبعد شبح التهديد عن الاقتصاد الأمريكي والدولي، وتجنب تخفيض تصنيفها الائتماني من قبل وكالات التصنيف الدولية. وعلى ضوء ما تقدم فقد لا يكون من الصواب إطلاق صفة الحل على ماتم التوصل إليه في مجلس الشيوخ الأمريكي، وأقره مجلس النواب، ووقعه الرئيس أوباما، وإنما هو مجرد دفع بالأزمة إلى الأمام وتأجيلها لكسب المزيد من الوقت، الأمر الذي يؤكد على أن الأزمة مستمرة وسرعان ما ستطل برأسها مرة أخرى في غضون الأشهر المقبلة، لأن ما تم التوصل إليه مؤخرا هو التعامل مع الأعراض فقط في حين لم يتمكن ساسة واشنطن ومشرعيها من تقديم تنازلات جوهرية من شأنها التعامل مع الأسباب الحقيقية لتنامي الدين السيادي .
ورغم الغموض الذي اكتنف الاتفاق المؤقت، لاسيما بشأن عدم الإشارة إلى سقف الدين الجديد، إلا أنه سيتيح للحكومة الفيدرالية تمويلا مؤقتا بميزانية قصيرة تغطي 3 أشهر فقط، أي حتى منتصف يناير المقبل، هذا إضافة إلى توسيع قدرة إدارة أوباما على الاقتراض حتى 7 فبراير من العام المقبل إلا أن الاتفاق لم يتضمن إصلاحات جوهرية أو حتى رؤية استراتيجية لنظام الضمان الصحي، أو التعامل الضريبي مع شركات التأمين الطبي، وعليه فإن الهشاشة والسرعة والغموض الذين ميزوا اتفاق الجمهوريين والديموقراطيين هي بمثابة مؤشرات قوية على استمرار الأزمة وليس على نهايتها.