-A +A
ياسر سلامة
كادر كلاسيكي أو نموذجي حول بعض إشارات مرور جدة، يحتوي هذا المنظر المشاهد باستمرار وبإتقان عال وتام من الكاست أو مجموعة المؤدين له وهم عدد من المتسولات يمارسن عملهن حول السيارات المنتظرة في إشارات المرور وقد يتراوح عددهن في كل إشارة بين اثنتين أو ثلاث، بعضهن يحملن أطفالهن كوسيلة للاستعطاف والبعض يتركن الأطفال ليمارسن التسول بشكل مستقل، وهذا لا يمنع وجود عدد آخر من الأطفال المتسولين مستقلين ومنفصلين عن المتسولات ومن الممكن أن يكونوا من جنسيات مختلفة يصل عددها في العادة الى ثلاث جميعنا يعرفها.
الكادر أخذ يتطور مع الوقت ويضم بعض الأحداث الجديدة والطرق الحديثة على الأقل في إشارات مرور شمال جدة الجميلة، فقد ظهر من المؤدين الأطفال من يحمل (جلدة) مع قارورة مياه معدنية تحتوي على صابون أو ما شابه ذلك، وهذا لغرض تنظيف زجاج السيارة الأمامي في ثواني وقفة السائق في الإشارة، وبهذا تطور المشهد من الشحذة الصرفة إلى الشحذة ببيع الحلويات واللبان وألعاب الأطفال والفل إلى الشحذة عن طريق تنظيف زجاج السيارات.

المشهد لم ينته بعد، فمن الممكن أن يتعرض سائق السيارة المنتظر في إشارة مرور في مدينة جدة إلى طلب أحد الأطفال المتسولين لزجاجة ماء أو كأس في يديه بدعوى العطش مع الإصرار والإلحاح على هذا الطلب والغرض من هذا مزيد من المسكنة والاستعطاف اللذين قد يقودان إلى وضع السائق يده في جيبه وإخراج (اللي فيه النصيب).
المشاهد كثيرة ومتعددة في إشارات المرور ولكن من أهمها وأظرفها منظر عامل النظافة بجانب الرصيف فلم يبق له إلا أن يأتي بماء وصابون ليغسل الأسفلت بجانب الرصيف من كثر حرصه على رصيف وأسفلت الإشارة وكل عينه وهو يؤدي ويكرر هذا المشهد لا تفارق راكبي السيارات عله يحظى بمكافأة تشجعه على الاستمرار في أداء هذا المشهد كل يوم عشرات المرات.
هذه مشاهد وكادرات مشاهدة في إشارات مرور جدة وليست من وحي الخيال، وممثلو الصباح والظهر يختلفون عن ممثلي العصاري والليل، ولأول مرة المسرح يختلف من يؤدي فيه في حفلة (المتنيه) عن (السواريه)، وكل هذا والمخرج كالعادة مختف لا يشاهده المتفرج ولكن هنا لا يعلم عنه أحد.
هذه المسرحيات المعتادة والمتكررة في إشارات وشوارع جدة رغم أنها فرضت نفسها على الناس وأصبحت مشاهدتها من المسلمات إلا أنها إلى الآن لم تحظ بتراخيص من الجهات المختصة ولا أظن أبدا أن مكافحة التسول قد منحتها ترخيصا ولا إدارات الترحيل في الجوازات ولا أي جهة كانت مختصة أو غير مختصة، ومن المؤكد أن هذه المسرحيات لا يشملها أبدا أي نظام تمديد أو تقنين إلا أنها موجودة وفي انتشار جغرافي كبير والله المستعان.