آمل ألا يصل الرئيس بوش إلى درجة من الغباء تسمح للإسرائيليين بدفعه باتجاه شن هجوم ضد إيران، ولكن استناداً إلى ماضيه القريب، أجد نفسي غير متأكد مما سوف يفعل. إن واشنطن اليوم تعجّ «بالكذب الفكري»، إلى درجة تضطرك إلى أخذ جرعة كبيرة من الملح لكي تستطيع ابتلاع ما يقوله المسؤولون. فالبيان الرسمي الذي قال: «ليس لدينا أية خطط لمهاجمة إيران»، قد لا يعني أكثر من القول: «إننا لم نتخذ قرارنا بعد»، أو «ليس لدينا مخططات للقيام بالهجوم هذا الأسبوع، لكننا ننوي تنفيذه في شهر إبريل». أما البنتاغون، من جهتها، فقد تكون وضعت «خططاً للطوارئ» لمثل هذا الهجوم، منذ زمن بعيد. فهذا جزء من عملها، وقد تكون لديها خطط طوارئ لمواجهة الكثير من الدول، لكن المهم هو أن العسكر يضع الخطط، غير أن القرارات يتخذها السياسيون. إذا حاولنا تدمير وقصف منشآت إيران النووية، لا بد من أن يشكل ذلك اختباراً جيداً لنظام الدفاع الجوي الروسي، لأن روسيا باعت بطاريات منه إلى إيران، وسيكون من المثير جداً أن نعرف كيف يعمل هذا النظام وما مدى فعاليته. وانطلاقاً من القلق الشديد الذي نعاني منه في العراق وأفغانستان، يبدو لي أنه سيكون ضرباً من الجنون أن نضيف عدواً مكوناً من 70 مليون نسمة، إلى لائحتنا للأزمات التي لا حلول عسكرية لها. وأي هجوم تقوم به أمريكا، سوف يقطع، بالتأكيد، أقدام جميع الإصلاحيين الإيرانيين، فالإيرانيون، إذا تعرضوا للهجوم، سوف يتوحدون حول قياداتهم، تماماً كما تفعل جميع الشعوب في كافة أرجاء الدنيا، وعلى مر القرون. أما المعضلة الاستراتيجية الأخرى، التي يجب أن تثير القلق، فهي مشكلة اندفاع ادارة بوش باتجاه انتاج وتركيز نظام ضد الصواريخ البالستية، وهنا تزعم الإدارة أنه لمجرد الدفاع ضد الدول المارقة مثل إيران، لكن الروس وربما الصينيون، يعتبرونه غير ذلك. إنهم ينظرون إلى نظام مواجهة الصواريخ البالستية باعتباره «سلاح الضربة الأولى»، وهو لن يكون ذا فائدة ضد الصواريخ الروسية، ولكن إذا نجحت «الضربة الأولى» الأمريكية في تدمير عدد كبير من الصواريخ الروسية، فعند ذاك يصبح هذا النظام مفيداً لأنه يسمح باستخدام الصواريخ الباقية التي قد يكون المسؤولون الأمريكيون راغبين في استخدامها لشن حرب نووية. ولهذا السبب تبدو روسيا غاضبة من الخطط الرامية لنشر أجزاء من هذا النظام في أوروبا الشرقية. ويجب ألا ننسى هنا أن المخططين العسكريين الأذكياء عليهم ألا يحفلوا بالنوايا، وأن يركزوا اهتمامهم على القدرات. فالنوايا قد تتغير خلال دقائق، أما القدرات فلا. وهكذا، فإذا نشرت الولايات المتحدة نظام الدفاع ضد الصواريخ البالستية القادر على توفير القدرة على توجيه «الضربة الأولى»، فإن المخططين الروس سيكون عليهم اعتبار ذلك عملاً عدائياً، وعليهم أن يتصرفوا بما يتناسب للرد عليه. ولذلك فإن العمل الأمريكي هذا مجازفة خطيرة من جانب الرئيس بوش، بغض النظر عن تكاليفه المادية الضخمة. وإذا نشرنا كل هذه القوات الإضافية في بغداد، (وهو أمر لم يتأكد بعد)، فإن المقاتلين والمقاومين سوف يختبئون وينتظرون، ببساطة، ماذا سوف نفعل، أو سينقلون هجماتهم إلى مواقع أخرى في البلاد. وهذا ما كان يجري دائماً عندما تقاتل قوات غير نظامية قوات نظامية تمتلك قوة تقليدية أقوى منها، وقد تعلّم الرئيس المؤسّس، جورج واشنطن، هذا الدرس، وتحول إلى «داعية» للانسحاب والتراجع كي لا يسمح للبريطانيين بتدمير جيشه والثورة. ومن الطبيعي القول إن المسؤولين الأمريكيين سوف يقرعون طبول النصر العظيم، وسوف يزعمون بأن بصيص الضوء في نهاية النفق، سيكون منارة لمستقبل ديموقراطي وليبرالي عظيم للعراق. وهذا سيكون هراء في هراء، فربما كان أفضل ما يتمناه الشعب العراقي اليوم هو حكم دكتاتوري ينقذه من جحيم الاقتتال الداخلي.
* كاتب أمريكي معارض للحرب
ترجمة: جوزيف حرب
* كاتب أمريكي معارض للحرب
ترجمة: جوزيف حرب