-A +A
فؤاد محمد عمر توفيق
بينما أنا في انتظار إجراء العملية الجراحية الثانية في لوزان بسويسرا.. وهي علاجية ومكملة للإنقاذية الأولى.. دون شيء أو آخر كثيراً كان أم قليلا أخوض فيه ويشغلني.. بجانب العبادة.. تطوف بي خواطر عديدة.. فقد تحدثت في مقالتي السابقة عن مسلك بعض الخدمات في التعامل.. والحق يقال.. إننا نتمتع بقيادة حريصة على خدمة المواطن.. إنما السؤال: هل يوازي ذلك الحرص الكريم المخلص شعور متفق معه من العاملين عليه..؟ مثلاً عندما يراجع مواطن البلدية.. أم الجوازات.. أم الاستقدام.. أم جهة شرعية.. أم مدنيه كانت.. أم أمنية .. لينهي خصوصياته.. فيجد أمامه من يتحدث معه ببساطة وابتسامة.. أم يجد أمامه فوقية.. وتذمرا.. وراجعنا «بكرة».. أو بعد ذلك.. ثم لا ينتهي إلى أن يهدده مرجعه الوظيفي بعدم الغياب.. وعدم اللجوء لحجة إنهاء مصالحه التي قد لا تجد حلولاً.
هناك العديد من الأمثلة.. والنوادر.. والقصص معاً. فالقضية – في نظري – ترتبط عند أولئك القلة كانوا أم الكثرة.. بأخلاق التعامل. وقد قال عليه أفضل الصلاة والسلام: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. وكانت هناك محاولات فيما مضى مع زملاء كرام للتقدم بطلب الحصول على تصريح لجمعية باسم «جمعية مكارم الأخلاق» تعني بتقديم المشورة والمحاضرات والندوات والزيارات.. والحديث مع الشباب والعاملين.. إلا أن محاولاتنا لمدة ثلاثة أعوام ذهبت أدراج الرياح.. دون الحصول على الموافقة بالتصريح!

من الأمثلة الخفيفة: سافر مقتدر وزوجته إلى الخارج وأجبرهم السفر للغياب بأكثر فطلبوا مساعدة العاملة المنزلية لتأتيهم.. وتم الحصول على كافة المتطلبات من أصحاب الصلاحية في تأشيرة الخروج والعودة.. وفي تأشيرة السفارات.. الخ.. إلا أن ذلك لم يرق لمسؤول بسيط في جوازات المطار عند سفرها.. فأخذ يتساءل مع وكيل المسافر: لماذا تسافر هذه العاملة إلى الخارج؟.. وكادت أن ترحل الطائرة.. إلى أن تدخل المدير المناوب الذي أنهى الموضوع. فالاستعجاب هنا هو.. كيف يمنح ذاك المسؤول البسيط الصلاحية لنفسه بتوقيف المسافرة.. وقد وافق رؤساؤه من قبله.. واكتملت كافة الأوراق..؟ والجواب بسيط: إنه حب الفوقية من وراء السلطة في ذاك المتر المربع الذي لن يتجاوزه أحد في المطار دون رضا ذاك المسؤول البسيط!
من النوادر الخفيفة:
البعض يعرف رجلا وقورا وأديبا معروفا فيما مضى اسمه الأستاذ «علي عامر» -يرحمه الله-.. فقد أتى في ذات يوم لزيارة والدي – يرحمه الله-.. بعد أن زار المدينة المنورة. وتحدث أنه وبدخوله المسجد النبوي سائراً بعكازه.. ومنحنياً بظهره.. بيد أنه كان يسير كأنما يكون راكعاً.. فقد اقترب من التسعين من عمره.. ومرتدياً «المشلح».. فأوقفه الحارس عند أحد أبواب المسجد وطلب منه إزالة «مشلحه» والخضوع للتفتيش! وحاول العم «علي عامر» أن يوضح للحارس أن توازنه قد يخل به ويسقط.. إلا أن الحارس لم يعر اهتماماً لذلك.. وتساءل «العم»: لماذا هذا التصرف؟ فتدخلت في الحديث بينه وبين والدي – يرحمهما الله – وقلت: إنها متعة السلطة يا عم «علي».. إنه متر أو متران مربعان لا غيرهما يقعان تحت سلطة الرجل ليثبت هيمنته على «الأفندي»– مثلك.. ولا أدري هل ذلك ينبع أيضاً من «حقد» ما.. أم «جهل» ما.. أم «فوقية» ما..
من الحقائق الخفيفة:
وكيل في إحدى البلديات الرئيسية يراجعه البعض في شؤونهم المتأخرة لدى إدارته.. وبمجرد خروج المراجع.. أياً كان.. يطلب سكرتيره ويسلمه الأوراق قائلاً: شوفوا معاملة «الحرامي»!.. نعم.. ويقول بعض من يعملون معه إن هذه كلمته عن كثير من المراجعين.. ومنهم أجلاء.. وكرماء..
كما ذكرت.. فهناك العديد من القصص والنوادر والحقائق.. التي تدك بالأخلاق.. وقد تعصف بالمقدرات مستقبلاً – لا سمح الله.. كما عصفت في مشاهد أخرى.. ربما.. لأسباب مماثلة.. من حيث حسن أو سوء التعامل.. بيد أنها تصرفات فردية أخلاقية.
متى يفقه مسؤولاً بسيطاً كان أو مديراً أو أكبر من ذلك أنه يؤدي واجباً في عمله لخدمة المواطن.. وليس تمنناً أو كرماً..؟!
ويقول الله تعالى في الآية الرابعة عشرة من سورة الفجر: «إن ربك لبالمرصاد». صدق الله العظيم.
أمين العاصمة المقدسة سابقاً