عشوائيات وتلال من النفايات هنا وهناك.. طفح المجاري.. خردوات ورش صناعية ومستودعات.. مشاكل إنارة وصرف صحي وغياب خدمات.. خليط من البشر من كافة الأعمار، كثير منهم لا يحملون الهوية أو أوراق ثبوتية وبينهم أقلية من المواطنين.. يعيشون في عزلة عن محيطهم.. إنه حي الفيصلية أو «الغالة» الواقع جنوب شرقي العاصمة الرياض الذي يثير ذكر اسمه في المجالس مخاوف الحضور، خاصة بعد أن تناول الإعلام المحلي لإشكاليات الحي بالنقد لسلوكيات قاطنيه أو لتدني الخدمات البلدية، الصحية، التعليمية، الاجتماعية والاقتصادية وحتى الأمنية، وفوق هذا وذاك يعد الحي تربة خصبة لبعض التصرفات والممارسات غير الأخلاقية فضلا عن كونه وكراً لتخزين المسروقات.
وفي جولة ميدانية في شوارع الحي رصدت «عكاظ الأسبوعية» تدني مستوى الخدمات أو غيابها نتيجة التركيبة السكانية للحي والمؤلفة من خليط من البشر، بعضهم يسعى لتصحيح أوضاعه النظامية، وآخرون من جنسية عربية اقترنوا منذ عقود بمواطنات وأنجبوا أطفالا بلا هويات رسمية، حيث اغتالت العنوسة الإناث وقتلت البطالة والفراغ الذكور.
بيئة غير صحية
وأوضح فارس مهدي من سكان الحي، أن تدني مستوى الخدمات، وعشوائيات المباني أفرزتا بيئة مناسبة لتفريخ الجريمة وتعاطي المخدرات وترويجها داخل الحي.
وقال، عدم توفر متطلبات الحياة الأساسية الآمنة، ساعد على عدم تقبل المجتمع المحيط لقاطني الحي باعتبارهم يمثلون مصدراً من مصادر الإخلال الأمني.
ويعيش مهدي في بيت أكل عليه الدهر وشرب وفي ظروف مادية صعبة للغاية، ويصف وضعه بالقول «نعيش أنا وإخوتي التسعة في بيئة غير صحية نتيجة مياه الصرف المتسرب من المطاعم القريبة وتغطي الشوارع، وتسبب في طفح جلدي لعض أفراد الأسرة وأحياناً نصاب بالحمى لتكاثر الحشرات والبعوض الناقل للأمراض».
من جانبه، ذكر (م، ش) أن والده تحصل على الهوية الوطنية في عهد الملك فيصل (رحمه الله)، ومنح قطعة أرض في هذه المنطقة، وقال «عشت حياتي في أزقة وحارات هذا الحي الذي أحبه وتربطنا علاقات قربى ونسب مع معظم القاطنين»، ويضيف «أتمنى تنمية الحي وإزالة العشوائيات وتخليصه من الأقلية المفسدة التي ألحقت بالأهالي السمعة السيئة».
تلال من النفايات
بدوره ذكر الشاب يامي منصور، أن أمانة منطقة الرياض أهملت الحي تماما، حيث تنتشر الأوساخ والقاذورات دون أن يتدخل أحد لإزالتها حتى شكلت تلالا من النفايات والمخلفات، ويضيف «تشكو نسبة مقدرة من السكان من الأمراض المعدية، نتيجة انتشار الحشرات الضارة، فيما تفتقر مطاعم الحي للاشتراطات الصحية في ظل غياب مراقبي الأمانة أو البلديات الفرعية».
وبين محمد عايش (يمني) أنه يعيش في حي الفيصلية منذ 50 عاماً، ومتزوج من مواطنة وله منها أبناء وبنات، وقال «أبنائي عاطلون عن العمل وبناتي عوانس بلا زواج لعدم حصولهم على الهوية الوطنية».
3 أحياء في حي
من جهته بين المدير التنفيذي لمركز رؤية للدراسات والأبحاث الاجتماعية في الرياض الدكتور محمد محسن إسحاق، أن حي الفيصلية نشأ عام 1969م، وأن بروزه جاء بمثابة حل لمشكلة بعض الأحياء العشوائية في الرياض، وأن أول من انتقل إلى الحي الجديد كانوا سكان حي الجفالي الذين أجبروا على النزوح، فتقدموا إلى مجلس الوزراء يطلبون فيها بامتلاك أراض ليسكنوا عليها، فوجه المجلس أمانة مدينة الرياض بتخصيص أراض في موقع تراه مناسبا يسكنون فيه دون أن يكون لهم الحق في بيعه أو التكسب منه، وهكذا انتقلت إلى الحي ثلاث دفعات رئيسية من سكان «الصنادق» كان آخرها عام 1390 وبلغ مجموعها ما يقارب 900 أسرة، اعتمدت بيوت الخشب كنمط للسكن لأكثر من عشر سنوات، ثم تغيرت مساكن الحي إلى غرف شعبية ثم إلى منازل حديثة.
وقال بسبب رخص الإيجارات يلجأ الكثير من الأسر الوافدة إلى السكن في الحي وكذلك القادمين من المناطق الجنوبية، مؤكدا أن الحي يقطنه في الوقت الحالي أكثر من 80 في المائة من الأجانب وأن أغلب سكانه القدامى انتقلوا إلى أحياء سكنية أفضل هربا من السمعة السيئة.
إزالة الحي بالكامل
وأضاف إسحاق «بات السكن في الحي وصمة عار لقاطنيه، فعندما ينتقل سكان هذا الحي إلى آخر للسكن لا يذكرون أنهم من قاطني حي الفيصلية حتى يقعوا في الحرج نتيجة السمعة السيئة التي ارتسمت في أذهان البعض وساهمت فيها وسائل الإعلام بقصد أو دون قصد والبعض بات يتجنب الزواج من فتيات الحي، مما ساعد على زواج السعوديات من الأجانب من قاطني الحي».
وذكر الدكتور إسحاق أنه من أبرز الحلول من وجهة نظره، إزالة الحي بالكامل وتحويله إلى منطقة صناعية، خاصة أنه يقع بين منطقتين صناعيتين وفي منطقة حيوية، مقترحاً نقل السعوديين والسعوديات إلى مناطق مهيأة أكثر، وتوفير مساكان مناسبة لهم خاصة أن السبب الرئيس لبقائهم أنهم من ذوي الدخل المحدود، مشيراً إلى الدولة أهلت بعض الشباب ومن ثم توظيفهم.
ويرى إسحاق، تسليم الحي لجهة استثمارية كبيرة حتى يتم إعادة إنشائه وتوفير كافة الخدمات فيه والاستفادة من موقعه الاستثماري، مطالباً بعدم انتقال السكان لنفس الحي بعد تأهيله حتى لا تبقى معهم نفس العادات التي اكتسبوها في حيهم القديم، مبيناً أن التغيير الحقيقي بحاجة إلى توفر عوامل رئيسية ومبادرات حكومية رسمية، فضلاً عن مشاركة جهات خيرية بتقديم الدعم المالي للسكان السعوديين مع تغير ثقافة ونظرة المجتمع للحي نفسه وهذا ما تؤكده نظريات التغيير العالمية على حد قوله.
حي قتلته سمعته
إلى ذلك، قالت أمل شرف إنها طبقت دراسة اثنوغرافية على حي الفيصلية بالرياض والذي أسمته في دراستها بالحي المظلوم، وذكرت أن الحي الذي قتلته سمعته، يقع جنوب شرقي العاصمة في نطاق جغرافي يقع بين طريق الأمير سلمان شمالا والدائري الجنوبي جنوباً، وطريق النهضة غرباً، والدائري الشرقي شرقاً، ويبلغ عدد سكانه (20) ألف نسمة، وتقطنه نسبة كبيرة جدا من الأجانب وممن لا يحملون هويات ثبوتية أو إقامات.
وأضافت، من صعوبات العيش بالحي السمعة السيئة والتي عرفت عن أهل الحي والتي أساء المجتمع التعامل معها، مما أدى إلى زيادة العزلة وانغلاق الحي على نفسه وهو الأمر الذي ينبغي على الجميع المساعدة في التخفيف منه وليس التأكيد عليه، لأن سوء سمعة الحي سبب أذى للناس الشرفاء من أهله والذين ليست لهم حيلة في الانتقال منه إلى أحياء أخرى على حد قولها.
وتابعت، عزلة هذا الحي عن محيطه، تسببت في الكثير من الأضرار للأهالي، وانتشار الجهل و العوز والفساد، وهذا ما صعب رغبة أهل الحي في إصلاح الأوضاع وبالتالي يصيبها التراجع والاستمرار في الخطأ، مشيراً إلى أن الحكم على هذه المجتمعات حكما عاما دون التحقق أو التعايش مع الأوضاع والأسباب المؤدية له، يعد من أشد الظلم ويؤدي إلى زيادة النفور والتنحي عن تحمل المسؤولية تجاه مثل هذه المجتمعات وبما يتنافى مع قول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يحقره و لا يخذله).
رؤية غير واقعية
إلى ذلك، أوضحت لـ «عكاظ» أمانة الرياض، أنها أزالت مؤخراً مواقع للسكراب والخردوات العشوائية الموجودة بالحي، إلى جانب إغلاق بعض المطاعم المخالفة للاشتراطات الصحية.
وأكد المصدر، أن الرؤية (غير الواقعية) حرمت هذه الأحياء وساكنيها من الاستفادة من الفرص التنموية والحضرية في المجتمع، مطالباً بمراجعة هذه الرؤية والتعامل معها باعتبارها جزءاً من المجتمع ينبغي الاهتمام بها من خلال إعادة تأهيلها وتوفير الخدمات الأساسية لها وخاصة فيما يتعلق بتوفير الخدمات التعليمية والصحية الضرورية للحياة الإنسانية الكريمة لسكانها. كما أن ذلك من شأنه أن يحد من استقطابها للمنحرفين واستغلالها في نشاطات إجرامية تؤثر سلباً على استقرار المجتمع وأمنه.
وعلمت «عكاظ» أن وزارة الشؤون الاجتماعية ستقوم بعقد اجتماع لجهات اجتماعية وبحضور اجتماعيين من كافة القطاعات قريبا لإجراء دراسة موسعة عن حي الفيصلية والبحث عن حلول لإزالة عزلته الاجتماعية.