عندما التهمت النار جسد محمد البوعزيزي في تونس وانطلقت معها ثورة الياسمين معلنة انطلاق ما سمي لاحقا بـ «الربيع العربي»، كانت كثير من الدول التي اجتاحها هذا الربيع فيما بعد ترى أنها بمنأى عنه، وأن الوضع لديها لا يشبه تونس، إلا أن الأيام كانت حبلى بالكثير من المفاجأت.. في مصر كان الحديث ساخنا عن أن الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك يهيئ ابنه جمال ليورثه حكم مصر بعد أن تدرج في السلك السياسي حتى ترأس الحزب الوطني الحاكم.. فما الذي أجهض دولة جمال مبارك؟ وفي أفريقيا وقبل أن يطل الربيع برأسه على دولة معمر القذافي، كان الشارع الليبي يتداول بالهمس وبالعلن أن العقيد يهيئ نجله سيف الإسلام ليخلفه على تركة ليبيا، وذهبت دولة سيف الإسلام كما ذهبت دولة جمال مبارك.. وفي جنوب جزيرة العرب كان الشارع اليمني كأنما يغلي على مرجل، فحديث مشابه لما كان يدور في ليبيا ومصر عن نية الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح توريث ابنه أحمد عرش اليمن، ولم يكن مصير دولة أحمد ببعيد عن دولة جمال وسيف الإسلام.. فهل كانت دولة بشار التي ورثها عن ابيه حافظ الأسد نذير شؤم على هؤلاء الثلاثة فأجهضت دولهم في مهدها قبل أن تقوم؟
ما إن يذكر اسم الصحفي، رئيس التحرير السابق لجريدة الوفد اليومية سيد عبد العاطي، حتى تحيلك الذاكرة إلى مشاكسة ابن الرئيس جمال مبارك في قضايا الفساد.. عبد العاطي الذي تناول بجرأة وللمرة الأولى في الحياة الصحفية المصرية مخالفات جسيمة لابن الرئيس، يروي لـ «عكاظ» قصته مع جمال وسلسلة التحقيقات التي جعلته يبعد والدته خارج مصر حين شعر أنه مستهدف. ويعترف عبد العاطي أن جمال مبارك لم يتجاوز بحقه، ولم يتعرض لأى أذى رغم القضايا والمخالفات التي كان ينشرها عن جمال مبارك، ومن بينها قضية أراضي الطيارين التي أعيد فتحها بعد ثورة 25 يناير.
ممنوع الكتابة عن جمال
والحديث مازال للصحفي عبد العاطي.. «كان من المستحيل في هذا التوقيت أن يكتب أي صحفي عن جمال مبارك، رغم أنه في هذا التوقيت كان يعمل محاسبا في فرع بنك اوف أمريكا بالقاهرة، ثم انتقل للعمل في لندن، وفي هذا التوقيت كنت أعمل صحفي تحقيقات في جريدة الوفد وأنشر صفحات كاملة عن الفساد، وفوجئت بخطابين على مكتبي، الأول كان من مجموعة من الطيارين يشتكون أن علاء وجمال مبارك أخذوا مساحة كبيرة من أراضي الطيارين وهى مخصصة لهم، ويحق فقط لمبارك أن يأخذ فيها لكن هذا ليس من حق جمال أو علاء، وأعتقد أن هذه أول شكوى من نوعها ترسل لصحيفة، وكانت تفاصيل هذه القصة بداية التسعينات من القرن الماضي، ونظرا لأن سياسة الصحيفة في هذا الوقت لم تكن تسمح بنشر مثل هذه التحقيقات عن ابن رئيس الجمهورية قمت بالحفاظ على هذه المستندات في مكان آمن انتظارا للوقت المناسب.
قصر العروبة وعبد الله السلال
المسيرة الصحفية مع جمال مبارك كانت ثرية .. كيف لا وهو ابن الرئيس ورجل الاقتصاد القطاع الأكثر قربا من الفساد.. ويستكمل الكاتب سيد عبد العاطي قصته مع جمال مبارك بقوله «في هذا التوقيت كتبت في الوفد عن أحد القصور في شارع العروبة والذي صادرته الدولة من أحد المواطنين وأقام فيه أول رئيس لليمن عبد الله السلال، وهذا القصر يطلق عليه الآن قصر الضيافة، وبعد أن انتقل عبد الله السلال إلى الرفيق الأعلى كان يقيم فيه الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري، ويتم الآن استقبال الرئيس الفلسطيني محمود عباس فيه، ورغم أن أصحاب هذا القصر حصلوا على أحكام قضائية باستعادته، إلا أن مبارك رفض ذلك، وبينما كنت أنشر تفاصيل عن هذا القصر أرسل لي البعض عن قصر جديد حصل عليه جمال وعلاء مبارك بدون وجه حق، فجمعت كل هذه التفاصيل عن مخالفات جمال وعلاء دون أن أنشر شيئا لأنه لم يكن مسموحا نشر أي شيء عنهما.
فرصة النشر الذهبية
إن هذا الكم والنوع من القضايا المثيرة ضد ابن الرئيس يشكل إغواء للصحفي، يدفعه للمغامرة حتى لو كان الثمن هو السجن.. ويقول عبد العاطي: جاءتنى أول فرصة لنشر كل المعلومات التي جمعتها خلال سنوات عن جمال وعلاء مبارك، واتصلت بي صحافية في العام 1997 وطلبت مني أن أكتب موضوعات عن جمال مبارك وكان هذا الطلب بالنسبة لي فرصة ذهبية، وفي هذا التوقيت كانت القضايا والشائعات عن جمال وعلاء مبارك زادت بقوة، وقمت بتجميع 5 قضايا أبرزها قضية أرض الطيارين وقصر العروبة، بالإضافة لقضايا فساد عن استيراد السكر التفاح، بالإضافة إلى صفقات شراء طائرات البوينج وكان جمال وعلاء يحصلان على مليوني جنيه عن كل طائرة.
المثول أمام النائب العام
بعد نشر هذه الموضوعات ذهب محامي علاء وجمال وقام ببلاغ للنائب العام ضد الجريدة، وطلبت من الزميلة فوزية سلامة عدم نشر اسمي على الموضوع لو تم حذف أو إضافة أي شيء؛ لأنني كتبت الموضوع بطريقة تكشف الفساد بطريقة قانونية للغاية تحميني من أي مساءلة قانونية.
ويضيف سيد عبد العاطي بعد صمت لم يطل كثيرا: اتصل بي المرحوم جمال بدوي رئيس تحرير الوفد في المنزل وقال لي إن النائب العام يريد أن تذهب إليه غدا الساعة 10 صباحا، وعلمت أن الدولة المصرية عرفت بطريقتها أنني من كتب الموضوع للشرق الأوسط، وحقق معي وكيل النيابة عمر مروان، وبعد التحقيق لمدة 4 ساعات قلت إنني لم أكتب هذا الموضوع وليس لي علاقة به، وبعد أسبوع استدعاني مرة أخرى وكيل النيابة حيث أحضر نص الموضوع الذى كتبته على 26 ورقة، فقلت له بالفعل هذا هو موضوعي ومستعد للتحقيق معي فيه.. حينها كنت أعيش بمفردي مع والدتي لذلك اضطررت أن تسافر والدتي عند إخوتي في الخارج، ورفضت بشدة المغادرة.
جمال مبارك لا يمارس أية ضغوط
يشهد عبدالعاطي للتاريخ، ويقول: « لم أتعرض لأي ضغوط، بل كان وكيل النيابة يسمح لي بالتدخين والاستراحة بين الحين والآخر، وأنا رفضت حضور محام معي أو حتى عضو من نقابة الصحفيين، وسألني عمر مروان وكيل النيابة في النهاية سؤال «هل نحن ضغطنا عليك؟ فقلت له لا ... وأخشى أن تكون هناك مصائب تعد لي، فقال لي أنه طلب منا في النيابة أن نتعامل معك مثل أي شخص، وأفرج عنى بكفالة 1000 جنيه، وبعد التحقيق ومن ثم المحاكمة قرر القاضي سجني ستة أشهر، وغرامة 15 ألف جنيه في أول درجة، ثم انتقلت القضية إلى درجة تقاض أخرى، وكنت دائما أفكر بأن النظام وجمال مبارك سوف يتخلصون مني، خاصة أنني فجرت بعدها بفترة قضية ملاعب الجولف المتهم فيها أحد أبرز رجال النظام وهو وزير الإسكان محمد إبراهيم سليمان الذى تخلى طواعية عن القضية بعد 8 شهور.
وبعد جلستين في المحكمة طلب جمال وعلاء مبارك الصلح معي لأنهما كانا يدركان أن القضية بالنسبة لي ليست شخصية، وأنني فقط أبحث وأكشف عن الفساد، ولذلك عندما تزوجت أرسلت لي السيدة سوزان مبارك وردا للتهنئة، كما أرسل لي الدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية الأسبق بعض الحلوى، لأن الجميع يعلم أن كل معلومة كانت صحيحة، وأود أن أقول وبكل أمانة «ما يحسب لجمال مبارك أنه لم يتجاوز، ولم أتعرض لأي أذى بدني أو مهني، أسدل الستار على القضية الأخطر في عز عنفوان جمال مبارك وخرجت منها بلا ثمن إلا أنه تم إغلاق كل مكاتب صحيفة الشرق الأوسط في مصر وتم الاستغناء عن خدمات مديرة تحريرها الزميلة فوزية سلامة.
خلف الستار وحلم التوريث
واندلعت الاحداث يوم 25 يناير 2011.. اختفى الرئيس واسرته وبالطبع جمال مبارك من المشهد، ولم تكن الاجراءات التى اتخذت كافية لتهدئة الغليان فى الشارع بما فى ذلك اعلان استقالة جمال من منصب الأمين العام المساعد وأمين لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم حتى هذا اليوم.. وكانت ثمة أحاديث عن ثمة ادوار لجمال مبارك لا زالت خلف الستار في محاولة لانقاذ الرئيس ومنصبه من البركان الشعبي بعد أن بات مؤمنا باستحالة انقاذ حلم التوريث.. هذا الدور لجمال مبارك يكشف عنه البرلماني السابق والاعلامي والكاتب الصحفي مصطفى بكري بحكم معايشته للأحداث وعلاقته بجميع الفاعلين على الساحة في هذه المرحلة المفصلية في تاريخ مصر. يروي مصطفى ابو بكري عن تفاصيل يوم الاربعاء 9 فبراير 2011 الذى يأتي بعد 15 يوما من بدء الحراك الشعبي في 25 يناير، حيث يغلي الشارع بمظاهرات واعتصامات تزداد حدتها ومساحتها وعمليات الفوضى والبلطجة تهدد الأمنين.
جمال يبقي على البرلمان المزور
ويعود بكري الى واقعة أخرى سبقت بيان نقل الاختصاصات ويروي كيف عطل جمال قرارا اتخذه الرئيس مبارك بحل مجلس الشعب الذى أسفرت عنه الانتخابات المزورة عام 2010.. التفاصيل تعود الى مساء الثلاثاء الأول من فبراير حيث اتصل وزير العدل في ذلك الوقت المستشار ممدوح مرعي بمساعده المستشار حاتم بجاتو وسأله اقصر مدة يمكن ان تجري فيها انتخابات مجلس شعب جديدة فأجابه بجاتو بأنها لا تقل عن 60 يوما.. فطلب منه الوزير ان يعد جدولا بترتيبات لا تتجاوز شهرا ولما سأله مساعده: هل الرئيس سوف يحل مجلس الشعب ويجري انتخابات جديدة.. اجابه: اعتقد ذلك.. لقد طلب مني تقريرا عاجلا بالمدة الزمنية وسيعلن في خطابه اليوم حل مجلس الشعب واجراء انتخابات جديدة في مدة زمنية معقولة.. ولكي يتأكد بجاتو من صحة ما يسمعه عاد ليسأل وزير العدل: هل الرئيس وافق فعلا؟ وأجابه الوزير: انا اقول لك انه اتصل بي بنفسه وكان سخطا على المجلس الحالي وقال ان هذا المجلس هو سبب المشكلات كلها وانه يريد التخلص منه واجراء انتخابات جديدة دون تزوير وبشكل يضمن نزاهتتها.
انتهى حوار الوزير ومساعده.. ويضيف مصطفى بكري : اعد الوزير تقريرا سريعا وأبلغ الرئيس بمضمونه وكان الرئيس متحمسا للغاية وطلب من نجله جمال ومن وزير الاعلام حينذاك أنس الفقي ان يضمنا فقرة الخطاب بحل مجلس الشعب واجراء انتخابات جديدة في مدة لا تزيد على شهر.. وهنا ثار جمال وأبدى غضبا شديدا وقال لوالده إن حل مجلس الشعب معناه الاستجابة لمطالب المتظاهرين.
جمال يخسر الجولة
وتتوالى الوقائع المتعلقة بجمال مبارك.. ويروي بكري انه في اليوم التالي مباشرة (الثالث من فبراير 2011) التقى وزير العدل ومعه النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود الرئيس مبارك في مكتبه بالاتحادية وكانت المناسبة اخطار الرئيس بعزم النائب العام اصدار قرار بالمنع من السفر لكل من أمين التنظيم بالحزب الوطني الحاكم احمد عز ووزير الداخلية حبيب العادلى ووزير السياحة زهير جرانة ووزير الاسكان احمد المغربي وكذلك تجميد أموالهم فى البنوك لحين اجراء التحقيقات معهم حول اتهامات موجهة اليهم بالفساد واهدار المال العام.. وبعد ان ناقش الرئيس الأمر من كافة جوانبه طلب من النائب العام ووزير العدل اصدار القرار لكن دون اعلانه في وسائل الاعلام ودار حوار بين الثلاثة حتى تمكن النائب العام ووزير العدل من اقناع الرئيس بالاعلان عن القرار.. وبالفعل اتجه وزير العدل والنائب العام الى مكتب الدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية لكتابة القرار على جهاز الكمبيوتر وطباعته.. وما ان انتهيا من ذلك حتى فوجئا باتصال الرئيس بالدكتور زكريا عزمي طالبا منه ان يبلغهما بالعودة اليه مرة أخرى.. فسأل وزير العدل عزمي عن من كان مع الرئيس فأجابه بأنه نجله جمال.. وحينها خشي وزير العدل ان يكون الرئيس قد تراجع في موافقته على قرار منع السفر مثلما تراجع عن قراره بحل مجلس الشعب ولذلك استأذن لبعض الوقت مدعيا حاجته لدخول دوره المياه.. وما ان دخل حتى اتصل بمسؤول كبير في قطاع الاخبار بالتلفزيون المصري وأملاه الخبر طالبا منه كتابته فورا على شريط الأخبار ثم عاد ليلحق بالنائب العام في مكتب الرئيس ليجد ما كان يتوقعه حيث بادره الرئيس الذي كان يجلس بجواره نجله مبارك بأنه يقترح تأجيل الاعلان عن قرار منع السفر لانه سيزيد الأوضاع اشتعالا ويدفع الى هروب الكثيرين.. ورد عليه الوزير بأنه ابلغ وسائل الاعلام بأن التلفزيون أذاع الخبر وهو موجود حاليا على شريط الاخبار.
جمال يريد الرصاص الحي
ويبدو أن جمال مبارك كان ملازما لوالده طوال هذه الفترة يحاول التدخل في كل القرارات وتوجيهها كما يريد ويروي البرلماني السابق والكاتب الصحفي مصطفى بكري ان القوات المسلحة أعلنت في بيانها الصادر في الأول من فبراير الانحياز لأهداف الثورة وتفهمها للمطالب المشروعة للمتظاهرين ورفض استخدام القوة.. وفي مساء نفس اليوم طلب الرئيس الاجتماع بنائبه عمر سليمان ورئيس الوزراء حينذاك أحمد شفيق والمشير طنطاوي والفريق سامي عنان ووزير الداخلية محمود وجدي وقائد الحرس الجمهوري اللواء نجيب عبدالسلام.. وبدأ الرئيس اللقاء، حسب رواية بكري، برسالة ارادها ان تصل الى المشير طنطاوي والفريق عنان بقوله: لقد اعلن الجيش عن موقفه وأصدرتم بيانا اليوم.. ألا تدركون أنكم المسؤولون عن حماية الشرعية.. ورد عنان: نحن قلنا إننا لن نتورط في اراقة دماء المتظاهرين وهذا موقف ثابت للقوات المسلحة، ويعلق الرئيس: دماء ايه كفانا الله شر الدماء. واخطر الرئيس الحاضرين بأنه سيعلن بيانا للشعب بعد قليل وأنه سيؤكد أنه ليس له اي مطمع في الاستمرار في الحكم وان مطالب المتظاهرين ستجد استجابة واضحة وان كل ما يخيفه انتشار الفوضى او استيلاء الاخوان المسلمين على البلاد في حال التنحي عن السلطة بشكل فجائي.. وانتهى الاجتماع، وعند خروج المجتمعين من القصر الرئاسي طلب الفريق عنان من قائد الحرس الجمهوري اللواء نجيب عبدالسلام ضرورة اصدار تعليماته بنزع الذخيرة الحية من رجال الحرس الجمهوري داخل وخارج القصر واستبدالها فورا بالذخيرة «الفشنك».. ونفذ اللواء عبدالسلام الأمر دون الرجوع الى الرئيس مبارك او استشارته.
ويروي الفريق عنان ان قائد الحرس الجمهوري حكى له ان الرئيس مبارك استدعاه بعد انتهاء الاجتماع فروى للرئيس حكاية استبدال الذخيرة فقال له الرئيس: التعليمات يجب ان تصدر مني.. وحاول جمال الذي كان موجودا التطاول على اللواء عبدالسلام وقال له «أنتم ستضيعون البلد.. أنتم لا تقومون بدوركم في حماية النظام.. هذه مؤامرة ضد الرئيس لا يجب السماح بها».
جمال يرفض شرم الشيخ
ورفض المتظاهرون التفويض وفي اليوم التالي وقبل صلاة الجمعة كانت طلائعهم قد زحفت نحو القصر الرئاسي.. وخرج اللواء عمر سليمان من القصر الى مقر الحرس الجمهوري حيث ادى الصلاة هناك وكان معه الفريق احمد شفيق واللواء نجيب عبدالسلام والدكتور زكريا عزمي وبعد قليل حضر اليهم علاء مبارك فنصحه اللواء سليمان بان يصطحب والدته وشقيقه جمال وبقية الاسرة ويلحقوا بالرئيس مبارك الذى كان قد غادر قبل قليل بطائرة هيلوكوبتر من القصر الرئاسي الى مطار الماظة العسكري ومنه الى شرم الشيخ واقتنع علاء بالنصيحة وبالفعل اصطحب زوجته ونجله عمر في طائرة خاصة الى شرم الشيخ بينما اصرت السيدة سوزان ونجلها جمال على البقاء في منزل الأسرة المواجه للقصر الرئاسي بالاتحادية.
جمال يرحل أخيرا
وكانت الأجواء في القاهرة والسويس والاسكندرية والعديد من المحافظات عبارة عن حشود جماهيرية كبيرة تطالب الرئيس بالرحيل نهائيا وترفض تفويض نائبه.. واجتمع الأربعة الكبار اللواء عمر سليمان والفريق احمد شفيق والمشير طنطاوي والفريق سامي عنان، وكان القرار في النهاية هو ان يتسلم المجلس العسكري السلطة ويتم الاتفاق مع الرئيس على التنحي عن الحكم.. ويقول مصطفى بكري ان اللواء عمر سليمان اتصل بالرئيس في مكالمة تاريخية طويلة انتهت بان قال الرئيس «شوفوا الصيغة المطلوبة وقل لي وخلي بالك لازم تدرسوها من الناحية القانونية كويس حتى لا تقعوا في حيصه بيصه»، ورد عليه عمر سليمان «احنا هندرس الموقف من الناحية الدستورية وها كلمك».. وقال الرئيس وانا فى الانتظار. وكان الرأي الدستوري الذي أبلغ الى الأربعة يقول: لاخيار سوى تنازل الرئيس للمجلس الأعلى للقوات المسلحة استنادا الى مبدأ الشرعية الثورية.. وكانت الصيغة التي جرى الاتفاق عليها تقول «ايها الإخوة المواطنون.. في هذه الظروف العصيبة التى تمر بها البلاد قرر الرئيس محمد حسني مبارك تنحيه عن منصب رئيس الجمهورية وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بادارة شؤون البلاد والله الموفق والمستعان».. بعدها على الفور اعاد عمر سليمان الاتصال مجددا بالرئيس مبارك الذي علق على الصيغة قائلا «أنا موافق على تكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بادارة شؤون البلاد ولكن أرجو استبدال كلمة تنحيه بكلمة تخليه».. وسأله عمر سليمان عما اذا كانت له طلبات أخرى فرد عليه مبارك «لا اريد شيئا فقط خلوا بالكم من البلد».. وعرض عليه عمر سليمان السفر وعائلته الى الخارج فقال مبارك «أسافر بره ليه.. انا حاقعد في شرم الشيخ ولن اغادر مصر الا للضرورة ولكن لأعود مرة أخرى وليس في جدولي الآن السفر للخارج».. كما عرض سليمان على الرئيس مبارك الحصانة القضائية فرد عليه «حصانة قضائية ليه.. هو انا عملت حاجة ؟ أنا ستين سنة وأنا أخدم مصر.. أنا مش عاوز اي حصانة.. لو كان هناك حاجة غلط عملتها انا مستعد للمحاسبة انا لو قبلت بالحصانة معنى ذلك ان هناك شيء عاوز اتستر عليه»..
وفي السادسة مساء يوم 11 فبراير كان اللواء عمر سليمان يطل من شاشة التلفزيون ليلقي خطاب التنحي او التخلي.. كما أراد مبارك.
ما إن يذكر اسم الصحفي، رئيس التحرير السابق لجريدة الوفد اليومية سيد عبد العاطي، حتى تحيلك الذاكرة إلى مشاكسة ابن الرئيس جمال مبارك في قضايا الفساد.. عبد العاطي الذي تناول بجرأة وللمرة الأولى في الحياة الصحفية المصرية مخالفات جسيمة لابن الرئيس، يروي لـ «عكاظ» قصته مع جمال وسلسلة التحقيقات التي جعلته يبعد والدته خارج مصر حين شعر أنه مستهدف. ويعترف عبد العاطي أن جمال مبارك لم يتجاوز بحقه، ولم يتعرض لأى أذى رغم القضايا والمخالفات التي كان ينشرها عن جمال مبارك، ومن بينها قضية أراضي الطيارين التي أعيد فتحها بعد ثورة 25 يناير.
ممنوع الكتابة عن جمال
والحديث مازال للصحفي عبد العاطي.. «كان من المستحيل في هذا التوقيت أن يكتب أي صحفي عن جمال مبارك، رغم أنه في هذا التوقيت كان يعمل محاسبا في فرع بنك اوف أمريكا بالقاهرة، ثم انتقل للعمل في لندن، وفي هذا التوقيت كنت أعمل صحفي تحقيقات في جريدة الوفد وأنشر صفحات كاملة عن الفساد، وفوجئت بخطابين على مكتبي، الأول كان من مجموعة من الطيارين يشتكون أن علاء وجمال مبارك أخذوا مساحة كبيرة من أراضي الطيارين وهى مخصصة لهم، ويحق فقط لمبارك أن يأخذ فيها لكن هذا ليس من حق جمال أو علاء، وأعتقد أن هذه أول شكوى من نوعها ترسل لصحيفة، وكانت تفاصيل هذه القصة بداية التسعينات من القرن الماضي، ونظرا لأن سياسة الصحيفة في هذا الوقت لم تكن تسمح بنشر مثل هذه التحقيقات عن ابن رئيس الجمهورية قمت بالحفاظ على هذه المستندات في مكان آمن انتظارا للوقت المناسب.
قصر العروبة وعبد الله السلال
المسيرة الصحفية مع جمال مبارك كانت ثرية .. كيف لا وهو ابن الرئيس ورجل الاقتصاد القطاع الأكثر قربا من الفساد.. ويستكمل الكاتب سيد عبد العاطي قصته مع جمال مبارك بقوله «في هذا التوقيت كتبت في الوفد عن أحد القصور في شارع العروبة والذي صادرته الدولة من أحد المواطنين وأقام فيه أول رئيس لليمن عبد الله السلال، وهذا القصر يطلق عليه الآن قصر الضيافة، وبعد أن انتقل عبد الله السلال إلى الرفيق الأعلى كان يقيم فيه الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري، ويتم الآن استقبال الرئيس الفلسطيني محمود عباس فيه، ورغم أن أصحاب هذا القصر حصلوا على أحكام قضائية باستعادته، إلا أن مبارك رفض ذلك، وبينما كنت أنشر تفاصيل عن هذا القصر أرسل لي البعض عن قصر جديد حصل عليه جمال وعلاء مبارك بدون وجه حق، فجمعت كل هذه التفاصيل عن مخالفات جمال وعلاء دون أن أنشر شيئا لأنه لم يكن مسموحا نشر أي شيء عنهما.
فرصة النشر الذهبية
إن هذا الكم والنوع من القضايا المثيرة ضد ابن الرئيس يشكل إغواء للصحفي، يدفعه للمغامرة حتى لو كان الثمن هو السجن.. ويقول عبد العاطي: جاءتنى أول فرصة لنشر كل المعلومات التي جمعتها خلال سنوات عن جمال وعلاء مبارك، واتصلت بي صحافية في العام 1997 وطلبت مني أن أكتب موضوعات عن جمال مبارك وكان هذا الطلب بالنسبة لي فرصة ذهبية، وفي هذا التوقيت كانت القضايا والشائعات عن جمال وعلاء مبارك زادت بقوة، وقمت بتجميع 5 قضايا أبرزها قضية أرض الطيارين وقصر العروبة، بالإضافة لقضايا فساد عن استيراد السكر التفاح، بالإضافة إلى صفقات شراء طائرات البوينج وكان جمال وعلاء يحصلان على مليوني جنيه عن كل طائرة.
المثول أمام النائب العام
بعد نشر هذه الموضوعات ذهب محامي علاء وجمال وقام ببلاغ للنائب العام ضد الجريدة، وطلبت من الزميلة فوزية سلامة عدم نشر اسمي على الموضوع لو تم حذف أو إضافة أي شيء؛ لأنني كتبت الموضوع بطريقة تكشف الفساد بطريقة قانونية للغاية تحميني من أي مساءلة قانونية.
ويضيف سيد عبد العاطي بعد صمت لم يطل كثيرا: اتصل بي المرحوم جمال بدوي رئيس تحرير الوفد في المنزل وقال لي إن النائب العام يريد أن تذهب إليه غدا الساعة 10 صباحا، وعلمت أن الدولة المصرية عرفت بطريقتها أنني من كتب الموضوع للشرق الأوسط، وحقق معي وكيل النيابة عمر مروان، وبعد التحقيق لمدة 4 ساعات قلت إنني لم أكتب هذا الموضوع وليس لي علاقة به، وبعد أسبوع استدعاني مرة أخرى وكيل النيابة حيث أحضر نص الموضوع الذى كتبته على 26 ورقة، فقلت له بالفعل هذا هو موضوعي ومستعد للتحقيق معي فيه.. حينها كنت أعيش بمفردي مع والدتي لذلك اضطررت أن تسافر والدتي عند إخوتي في الخارج، ورفضت بشدة المغادرة.
جمال مبارك لا يمارس أية ضغوط
يشهد عبدالعاطي للتاريخ، ويقول: « لم أتعرض لأي ضغوط، بل كان وكيل النيابة يسمح لي بالتدخين والاستراحة بين الحين والآخر، وأنا رفضت حضور محام معي أو حتى عضو من نقابة الصحفيين، وسألني عمر مروان وكيل النيابة في النهاية سؤال «هل نحن ضغطنا عليك؟ فقلت له لا ... وأخشى أن تكون هناك مصائب تعد لي، فقال لي أنه طلب منا في النيابة أن نتعامل معك مثل أي شخص، وأفرج عنى بكفالة 1000 جنيه، وبعد التحقيق ومن ثم المحاكمة قرر القاضي سجني ستة أشهر، وغرامة 15 ألف جنيه في أول درجة، ثم انتقلت القضية إلى درجة تقاض أخرى، وكنت دائما أفكر بأن النظام وجمال مبارك سوف يتخلصون مني، خاصة أنني فجرت بعدها بفترة قضية ملاعب الجولف المتهم فيها أحد أبرز رجال النظام وهو وزير الإسكان محمد إبراهيم سليمان الذى تخلى طواعية عن القضية بعد 8 شهور.
وبعد جلستين في المحكمة طلب جمال وعلاء مبارك الصلح معي لأنهما كانا يدركان أن القضية بالنسبة لي ليست شخصية، وأنني فقط أبحث وأكشف عن الفساد، ولذلك عندما تزوجت أرسلت لي السيدة سوزان مبارك وردا للتهنئة، كما أرسل لي الدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية الأسبق بعض الحلوى، لأن الجميع يعلم أن كل معلومة كانت صحيحة، وأود أن أقول وبكل أمانة «ما يحسب لجمال مبارك أنه لم يتجاوز، ولم أتعرض لأي أذى بدني أو مهني، أسدل الستار على القضية الأخطر في عز عنفوان جمال مبارك وخرجت منها بلا ثمن إلا أنه تم إغلاق كل مكاتب صحيفة الشرق الأوسط في مصر وتم الاستغناء عن خدمات مديرة تحريرها الزميلة فوزية سلامة.
خلف الستار وحلم التوريث
واندلعت الاحداث يوم 25 يناير 2011.. اختفى الرئيس واسرته وبالطبع جمال مبارك من المشهد، ولم تكن الاجراءات التى اتخذت كافية لتهدئة الغليان فى الشارع بما فى ذلك اعلان استقالة جمال من منصب الأمين العام المساعد وأمين لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم حتى هذا اليوم.. وكانت ثمة أحاديث عن ثمة ادوار لجمال مبارك لا زالت خلف الستار في محاولة لانقاذ الرئيس ومنصبه من البركان الشعبي بعد أن بات مؤمنا باستحالة انقاذ حلم التوريث.. هذا الدور لجمال مبارك يكشف عنه البرلماني السابق والاعلامي والكاتب الصحفي مصطفى بكري بحكم معايشته للأحداث وعلاقته بجميع الفاعلين على الساحة في هذه المرحلة المفصلية في تاريخ مصر. يروي مصطفى ابو بكري عن تفاصيل يوم الاربعاء 9 فبراير 2011 الذى يأتي بعد 15 يوما من بدء الحراك الشعبي في 25 يناير، حيث يغلي الشارع بمظاهرات واعتصامات تزداد حدتها ومساحتها وعمليات الفوضى والبلطجة تهدد الأمنين.
جمال يبقي على البرلمان المزور
ويعود بكري الى واقعة أخرى سبقت بيان نقل الاختصاصات ويروي كيف عطل جمال قرارا اتخذه الرئيس مبارك بحل مجلس الشعب الذى أسفرت عنه الانتخابات المزورة عام 2010.. التفاصيل تعود الى مساء الثلاثاء الأول من فبراير حيث اتصل وزير العدل في ذلك الوقت المستشار ممدوح مرعي بمساعده المستشار حاتم بجاتو وسأله اقصر مدة يمكن ان تجري فيها انتخابات مجلس شعب جديدة فأجابه بجاتو بأنها لا تقل عن 60 يوما.. فطلب منه الوزير ان يعد جدولا بترتيبات لا تتجاوز شهرا ولما سأله مساعده: هل الرئيس سوف يحل مجلس الشعب ويجري انتخابات جديدة.. اجابه: اعتقد ذلك.. لقد طلب مني تقريرا عاجلا بالمدة الزمنية وسيعلن في خطابه اليوم حل مجلس الشعب واجراء انتخابات جديدة في مدة زمنية معقولة.. ولكي يتأكد بجاتو من صحة ما يسمعه عاد ليسأل وزير العدل: هل الرئيس وافق فعلا؟ وأجابه الوزير: انا اقول لك انه اتصل بي بنفسه وكان سخطا على المجلس الحالي وقال ان هذا المجلس هو سبب المشكلات كلها وانه يريد التخلص منه واجراء انتخابات جديدة دون تزوير وبشكل يضمن نزاهتتها.
انتهى حوار الوزير ومساعده.. ويضيف مصطفى بكري : اعد الوزير تقريرا سريعا وأبلغ الرئيس بمضمونه وكان الرئيس متحمسا للغاية وطلب من نجله جمال ومن وزير الاعلام حينذاك أنس الفقي ان يضمنا فقرة الخطاب بحل مجلس الشعب واجراء انتخابات جديدة في مدة لا تزيد على شهر.. وهنا ثار جمال وأبدى غضبا شديدا وقال لوالده إن حل مجلس الشعب معناه الاستجابة لمطالب المتظاهرين.
جمال يخسر الجولة
وتتوالى الوقائع المتعلقة بجمال مبارك.. ويروي بكري انه في اليوم التالي مباشرة (الثالث من فبراير 2011) التقى وزير العدل ومعه النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود الرئيس مبارك في مكتبه بالاتحادية وكانت المناسبة اخطار الرئيس بعزم النائب العام اصدار قرار بالمنع من السفر لكل من أمين التنظيم بالحزب الوطني الحاكم احمد عز ووزير الداخلية حبيب العادلى ووزير السياحة زهير جرانة ووزير الاسكان احمد المغربي وكذلك تجميد أموالهم فى البنوك لحين اجراء التحقيقات معهم حول اتهامات موجهة اليهم بالفساد واهدار المال العام.. وبعد ان ناقش الرئيس الأمر من كافة جوانبه طلب من النائب العام ووزير العدل اصدار القرار لكن دون اعلانه في وسائل الاعلام ودار حوار بين الثلاثة حتى تمكن النائب العام ووزير العدل من اقناع الرئيس بالاعلان عن القرار.. وبالفعل اتجه وزير العدل والنائب العام الى مكتب الدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية لكتابة القرار على جهاز الكمبيوتر وطباعته.. وما ان انتهيا من ذلك حتى فوجئا باتصال الرئيس بالدكتور زكريا عزمي طالبا منه ان يبلغهما بالعودة اليه مرة أخرى.. فسأل وزير العدل عزمي عن من كان مع الرئيس فأجابه بأنه نجله جمال.. وحينها خشي وزير العدل ان يكون الرئيس قد تراجع في موافقته على قرار منع السفر مثلما تراجع عن قراره بحل مجلس الشعب ولذلك استأذن لبعض الوقت مدعيا حاجته لدخول دوره المياه.. وما ان دخل حتى اتصل بمسؤول كبير في قطاع الاخبار بالتلفزيون المصري وأملاه الخبر طالبا منه كتابته فورا على شريط الأخبار ثم عاد ليلحق بالنائب العام في مكتب الرئيس ليجد ما كان يتوقعه حيث بادره الرئيس الذي كان يجلس بجواره نجله مبارك بأنه يقترح تأجيل الاعلان عن قرار منع السفر لانه سيزيد الأوضاع اشتعالا ويدفع الى هروب الكثيرين.. ورد عليه الوزير بأنه ابلغ وسائل الاعلام بأن التلفزيون أذاع الخبر وهو موجود حاليا على شريط الاخبار.
جمال يريد الرصاص الحي
ويبدو أن جمال مبارك كان ملازما لوالده طوال هذه الفترة يحاول التدخل في كل القرارات وتوجيهها كما يريد ويروي البرلماني السابق والكاتب الصحفي مصطفى بكري ان القوات المسلحة أعلنت في بيانها الصادر في الأول من فبراير الانحياز لأهداف الثورة وتفهمها للمطالب المشروعة للمتظاهرين ورفض استخدام القوة.. وفي مساء نفس اليوم طلب الرئيس الاجتماع بنائبه عمر سليمان ورئيس الوزراء حينذاك أحمد شفيق والمشير طنطاوي والفريق سامي عنان ووزير الداخلية محمود وجدي وقائد الحرس الجمهوري اللواء نجيب عبدالسلام.. وبدأ الرئيس اللقاء، حسب رواية بكري، برسالة ارادها ان تصل الى المشير طنطاوي والفريق عنان بقوله: لقد اعلن الجيش عن موقفه وأصدرتم بيانا اليوم.. ألا تدركون أنكم المسؤولون عن حماية الشرعية.. ورد عنان: نحن قلنا إننا لن نتورط في اراقة دماء المتظاهرين وهذا موقف ثابت للقوات المسلحة، ويعلق الرئيس: دماء ايه كفانا الله شر الدماء. واخطر الرئيس الحاضرين بأنه سيعلن بيانا للشعب بعد قليل وأنه سيؤكد أنه ليس له اي مطمع في الاستمرار في الحكم وان مطالب المتظاهرين ستجد استجابة واضحة وان كل ما يخيفه انتشار الفوضى او استيلاء الاخوان المسلمين على البلاد في حال التنحي عن السلطة بشكل فجائي.. وانتهى الاجتماع، وعند خروج المجتمعين من القصر الرئاسي طلب الفريق عنان من قائد الحرس الجمهوري اللواء نجيب عبدالسلام ضرورة اصدار تعليماته بنزع الذخيرة الحية من رجال الحرس الجمهوري داخل وخارج القصر واستبدالها فورا بالذخيرة «الفشنك».. ونفذ اللواء عبدالسلام الأمر دون الرجوع الى الرئيس مبارك او استشارته.
ويروي الفريق عنان ان قائد الحرس الجمهوري حكى له ان الرئيس مبارك استدعاه بعد انتهاء الاجتماع فروى للرئيس حكاية استبدال الذخيرة فقال له الرئيس: التعليمات يجب ان تصدر مني.. وحاول جمال الذي كان موجودا التطاول على اللواء عبدالسلام وقال له «أنتم ستضيعون البلد.. أنتم لا تقومون بدوركم في حماية النظام.. هذه مؤامرة ضد الرئيس لا يجب السماح بها».
جمال يرفض شرم الشيخ
ورفض المتظاهرون التفويض وفي اليوم التالي وقبل صلاة الجمعة كانت طلائعهم قد زحفت نحو القصر الرئاسي.. وخرج اللواء عمر سليمان من القصر الى مقر الحرس الجمهوري حيث ادى الصلاة هناك وكان معه الفريق احمد شفيق واللواء نجيب عبدالسلام والدكتور زكريا عزمي وبعد قليل حضر اليهم علاء مبارك فنصحه اللواء سليمان بان يصطحب والدته وشقيقه جمال وبقية الاسرة ويلحقوا بالرئيس مبارك الذى كان قد غادر قبل قليل بطائرة هيلوكوبتر من القصر الرئاسي الى مطار الماظة العسكري ومنه الى شرم الشيخ واقتنع علاء بالنصيحة وبالفعل اصطحب زوجته ونجله عمر في طائرة خاصة الى شرم الشيخ بينما اصرت السيدة سوزان ونجلها جمال على البقاء في منزل الأسرة المواجه للقصر الرئاسي بالاتحادية.
جمال يرحل أخيرا
وكانت الأجواء في القاهرة والسويس والاسكندرية والعديد من المحافظات عبارة عن حشود جماهيرية كبيرة تطالب الرئيس بالرحيل نهائيا وترفض تفويض نائبه.. واجتمع الأربعة الكبار اللواء عمر سليمان والفريق احمد شفيق والمشير طنطاوي والفريق سامي عنان، وكان القرار في النهاية هو ان يتسلم المجلس العسكري السلطة ويتم الاتفاق مع الرئيس على التنحي عن الحكم.. ويقول مصطفى بكري ان اللواء عمر سليمان اتصل بالرئيس في مكالمة تاريخية طويلة انتهت بان قال الرئيس «شوفوا الصيغة المطلوبة وقل لي وخلي بالك لازم تدرسوها من الناحية القانونية كويس حتى لا تقعوا في حيصه بيصه»، ورد عليه عمر سليمان «احنا هندرس الموقف من الناحية الدستورية وها كلمك».. وقال الرئيس وانا فى الانتظار. وكان الرأي الدستوري الذي أبلغ الى الأربعة يقول: لاخيار سوى تنازل الرئيس للمجلس الأعلى للقوات المسلحة استنادا الى مبدأ الشرعية الثورية.. وكانت الصيغة التي جرى الاتفاق عليها تقول «ايها الإخوة المواطنون.. في هذه الظروف العصيبة التى تمر بها البلاد قرر الرئيس محمد حسني مبارك تنحيه عن منصب رئيس الجمهورية وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بادارة شؤون البلاد والله الموفق والمستعان».. بعدها على الفور اعاد عمر سليمان الاتصال مجددا بالرئيس مبارك الذي علق على الصيغة قائلا «أنا موافق على تكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بادارة شؤون البلاد ولكن أرجو استبدال كلمة تنحيه بكلمة تخليه».. وسأله عمر سليمان عما اذا كانت له طلبات أخرى فرد عليه مبارك «لا اريد شيئا فقط خلوا بالكم من البلد».. وعرض عليه عمر سليمان السفر وعائلته الى الخارج فقال مبارك «أسافر بره ليه.. انا حاقعد في شرم الشيخ ولن اغادر مصر الا للضرورة ولكن لأعود مرة أخرى وليس في جدولي الآن السفر للخارج».. كما عرض سليمان على الرئيس مبارك الحصانة القضائية فرد عليه «حصانة قضائية ليه.. هو انا عملت حاجة ؟ أنا ستين سنة وأنا أخدم مصر.. أنا مش عاوز اي حصانة.. لو كان هناك حاجة غلط عملتها انا مستعد للمحاسبة انا لو قبلت بالحصانة معنى ذلك ان هناك شيء عاوز اتستر عليه»..
وفي السادسة مساء يوم 11 فبراير كان اللواء عمر سليمان يطل من شاشة التلفزيون ليلقي خطاب التنحي او التخلي.. كما أراد مبارك.