-A +A
أميرة كشغري
تشير دراسات علم نفس النمو أن التدليل مبدأ مضاد للنمو السليم. لذلك يحذر علماء التربية من تدليل الطفل بشكل مبالغ فيه لما للتدليل من عواقب وخيمة على نموه وسلوكه. فالطفل المدلل لا ينمو بطريقة تسمح له بتكوين شخصية ناضجة قادرة على تحمل المسؤولية والتعامل مع تحديات وضغوط الحياة المختلفة باتزان وحكمة. كما تسيطر على الطفل المدلل الأنانية وحب السيطرة على إخوته والعنف في تصرفاته معهم لإحساسه بالتميز عنهم. وخلاصة الأبحاث في علم «التدليل» تشير إلى أن التدليل الزائد يفسد المرء أكثر مما يصلحه.
أسوق هذه المقدمة لأقول إن التدليل أيا كان مصدره، وأيا كان سببه، هو فعل مضر للمدلل والمتدلل. فالمتدلل ينمو ليصبح عاجزا عن اتخاذ القرار ضعيف الشخصية، بينما المدلل يظل طوال حياته يدفع ثمن عجز ونزوات هذه الشخصية المدللة التي ساهم هو في صنعها.
ولنا أن نلاحظ أن هذه الدراسات أجريت على ظاهرة تدليل الصغار والأطفال. لكن يبدو أن فكرة التدليل المبنية على الجنس لا تبتعد كثيرا عن هذه الأسس. يقول لسان حال بعض النساء ما معناه إن وضع المرأة في مجتمعنا هو نوع من التدليل لها، وما تناله من دلالٍ لا تناله بسبب كونها إنسانا، بل لكونها امرأة. هذه العلامات تقول: إن التدليل الذي «ترفل» فيه المرأة هو مؤشر ليس له ارتباط بكونها إنسانا، بل لمجرد كونها امرأة. لذا فإن هذا التدليل هو أمر مرتبط بجنس الشخص المدلل وليس بإنسانيتة.
تبرز بعض مظاهر هذا التدليل في تبرير حرمان المرأة من بعض حقوقها الأساسية، مثل: حقها في الأوراق الثبوتية أو في التصرف أو في التنقل والسفر وسياقة السيارة لقاء توفير احتياجاتها المعيشية الأساسية. وفي هذا المفهوم للتدليل، فإن المرأة في مجتمعنا ومجتمعات الخليج بشكل عام تعتبر من أكثر نساء العالم تدليلا. وهذه حقيقة تحدث في عدد لا بأس به من الأسر التي أنعم الله عليها بالمال والثروة التي تمول هذا التدليل بالماركات العالمية وبجيش من الخدم والخادمات وأسطول من السيارات والسائقين، لكنه بالطبع ليس متاحا للأسر البسيطة التي ليس لها ذات الإمكانيات المالية القادرة على توفير مصادر هذا «التدليل» المادي.
إن هذا «التدليل» المفترض للمرأة لا يعدو كونه عنصرا مبطنا لممارسة الوصاية والتسيد عليها مهما كانت مؤشراته، ومهما بلغت المبالغ المهدرة عليه. ولا يخفى على ذي لب أن السبب الرئيسي لتحمل المرأة لقب المدللة هو الوفرة المالية التي تستطيع تحمل تبعات هذا التدليل المفترض والموهوم. ولا يخفى أن التدليل لا يؤدي إلى نهاية سعيدة أو إلى حياة رغيدة لأي من الطرفين، بل قد يجر إلى ما هو غير مرغوب فيه أساسا. المرأة هي إنسان كامل الأهلية وقادر على تحمل المسؤولية قبل أن تكون أنثى. فلنحذر جميعا مما هو ضد الفطرة أو يضر في محصلته بمصلحة المجتمع.


akashgary@gmail.com