-A +A
فهمي محمد صبحه *
منذ البدايات الأولى لجولات المفاوضات العلنية والسرية منها بين إيران من جهة ودول( 5+1) والهدف الأمريكي هو في التوصل إلى تسوية سلمية يجنبها الخيار العسكري، وارتفاع تكاليف أي عمل عسكري ضد إيران، سياسيا وعسكريا واقتصاديا .
فعلى الجانب السياسي، سيترتب على الضربة المحتملة ضد إيران عواقب مدمرة ولن تنهي الطموحات النووية الإيرانية، بل ستؤخرها، وفي المقابل ستوحد الإيرانيين خلف قيادتهم، وستحشد بعض العرب أو معظمهم خلف طهران، بعد أن تراجع التأييد لها بسبب دورها في دعم النظام السوري، وعلى الصعيد الاقتصادي تؤدي إلى رفع أسعار النفط بشكل كبير إلى 300 دولار للبرميل الواحد، مما يؤثر بالسلب على الاقتصاد العالمي، وحدوث كساد كبير في العديد من الدول، ولاسيما الولايات المتحدة.
وكنظرة استراتيجية لمعطيات الاتفاق الأمريكي فإن المسار التطبيقي المحتمل للاتفاق يتمثل في حوافز سياسية واقتصادية لطهران للتخلي عن برنامجها النووي، جنبا إلى جنب، مع استمرار سياسة العقوبات ضدها وتشديدها تدريجيا، بهدف تضييق الخناق عليها حتى لا تتمكن من إنفاق عوائد النفط على امتلاك أسلحة نووية وإنتاجها .
الموقف الأمريكي ــ الروسي ــ الأوروبي لا يعني الانصياع لإيران بأي حال من الأحوال، بل هو اتفاق مرحلي قابل للنقض بأي وقت تبعا للنتائج السياسية المتوقعة من جنيف 2 بما يخص المشهد السوري ،
آفاق الاتفاق الموقع بين إيران( ودول 5+1)، أو توجيه ضربة عسكرية ضدها، النتيجة المحصلة لن تكون في صالح دول مجلس التعاون؛ لأن أي اتفاق سيتم بعيدا عنها سيكون على حسابها انطلاقا من أن إيران لن تتخلى بأي حال عن مشروعها الإقليمي الهادف إلى الهيمنة على المنطقة، وبالتالي كانت النتيجة رفض المملكة العربية السعودية لهذا الاتفاق على الرغم من التطمينات الأمريكية وفي حالة توجيه ضربة عسكرية ضد طهران فإن دول المجلس ستكون مسرحا لهذا الصراع العسكري الذي قد يدمر إنجازاتها ومكتسباتها التي حققتها على مدار العقود السابقة.
من المتوقع أن يمتد الأثر السلبى لنتائج الاتفاق على دول مجلس التعاون الخليجي ، مما يسهم في تحجيم دور النفط الذي تتمتع به دول الخليج كأداة سياسية، بعد أن كان البترول حاضرا في اللعبة السياسية بقوة في المنطقة.
وعليه فإن أسعار النفط العالمية تعتمد على عدة عوامل تتحكم في الأسعار ومنها الاحتياطيات العالمية مما يعني تزايد الطلب على النفط قائما خلال الفترة المقبلة. دول أوبك التي تتحكم بكمية الإنتاج اليومية للنفط بناء على معطيات المؤشرات الاقتصادية لدول أوبك، وتقديرات العجز في ميزانها التجاري وتلجأ الدول أحيانا لتخفيض كمية الإنتاج لتتحكم بثبات الأسعار والحيلولة دون انخفاضها .
كذلك تلعب أسعار صرف الدولار دورا محوريا في (دول أوبك ) المنتجة حيث تعتمد في تقييم إيراداتها النفطية بسعر الدولار وهو مؤثر جدا مما يفتح شهية المستثمرين كلما انخفض الدولار للشراء بعملات غير الدولار مثل اليورو .والتوقعات تشير إلى تعرض الدولار مستقبلا إلى مزيد من التدهور الحاد أمام العملات الرئيسية مما يؤدي إلى ارتفاع جميع السلع والنفط والذهب، ويلعب الاستهلاك كعنصر مهم يتحكم في العرض والطلب كلما زاد الاستهلاك زاد الطلب على النفط مما يعني انتعاش النمو الاقتصادي وكلما قل العرض ساد الكساد .فما هي الآثار المتوقعة للاتفاق الإيراني مع (دول 5+1) على أسعار النفط العالمية ؟
مما لاشك فيه بأن العوامل الطارئة تؤثر سلبا على النفط مما يؤدي إلى رفع أسعاره لأن هذه العوامل تكون طارئة ويمكن لدول أوبك السيطرة عليها وستشهد أسعار النفط ارتفاعات تدريجية قد تصل ما فوق 150$ وسيبلغ ذروته في حال خرق هذه الاتفاقية وهو وارد في ظل ردود الفعل الدولية الرافضة لهذا الاتفاق .
تبقى الأجواء ساخنة ومتوترة في المنطقة حتى ظهور نتائج جنيف 2 واشتداد حدة الصراع في المشهد السوري وا حتمالية التوصل إلى تسوية كأمر واقع في سورية كما تريد دول الخمس 5+1.

* باحث وخبير اقتصادي ــ الرئيس التنفيذي الاتجاه المبدع للاستشارات