-A +A
وليد عرب هاشم
لا أعتقد أن أحدا قدر الحجم الحقيقي لمشكلة العمالة غير النظامية لدينا. فالملايين التي ظهرت فاقت التوقعات وفاقت أيضا حجم وقدرة الأجهزة الحكومية التي تعاملت معها، ولذلك كان لا بد من تمديد المهلة الزمنية التي تم تحديدها لتصحيح الأوضاع، كما كان لا بد أن تظهر مشاكل في التعامل مع عملية التصحيح، ولكن في النهاية وبالرغم من هذه التحديات استمرت عملية التصحيح، ويبدو أنها عالجت جزءا كبيرا من أوضاع العمالة غير النظامية، فيقال إنه تم تصحيح أوضاع مئات الألوف من العمالة، وبالإضافة لها خرجت أعداد قد تصل إلى المليون عامل، وهؤلاء كانوا لدينا بشكل غير نظامي وإما أنهم لم يستطيعوا أو أنهم لم يرغبوا في تعديل أوضاعهم واختاروا الرحيل.
ومع كل التقدير للأهداف والأبعاد الأمنية والاجتماعية لحملة التصحيح هذه، فلا يقبل أحد أن يكون في وسط بلده مئات الألوف أو الملايين من البشر المتواجدين بطريقة غير نظامية، وبالتالي فإنهم متواجدون في تجمعات خارجة عن القانون ولا تتمتع بحماية أنظمة وتشريعات البلد، كما أنها لا تتقيد بها أو تتبعها، وهكذا فإنها تصبح أوكارا لا تهدد سلامة الوطن والمواطن فحسب، وإنما أيضا تعرض من ينتمي لها من عمالة غير نظامية لأي أنواع من الابتزاز والأذى، فهذه العمالة لا تستطيع أن تلجأ إلى أي قانون أو نظام يحميها ويحمي حقوقها لو تعرضت لأي اعتداء، وهكذا كان لا بد من معالجة هذه الظاهرة الخطيرة التي نمت وتفاقمت في مجتمعنا.

ولكن، ومع تقديرنا لأهمية، بل لضرورة معالجة مشكلة العمالة غير النظامية ومواجهة أخطارها الأمنية والاجتماعية، إلا أن اقتصادنا كان معتمدا إلى حد كبير على هذه العمالة، والتي تغلغلت في كافة القطاعات والأنشطة الاقتصادية، وبالتالي فإن الاستغناء عنها وخروجها بهذه السرعة سيكون له انعكاسات، فلقد اعتدنا على استخدام هذه الملايين من العمالة الوافدة والاعتماد عليها لعشرات السنين، ومن الصعب جدا أن يتم تغيير أسلوب العمل أو الحياة التي اعتدناها لعقود من الزمان في خلال عدة أشهر أو حتى سنة. ولكن بما أن القرار تم اتخاذه وخرجت فعلا أعداد كبيرة من العمالة من اقتصادنا، فعلينا البحث سريعا عن البديل؛ لكي لا تتوقف الأعمال وتتعطل المصالح، ومن الطبيعي أن تكون الأولوية للاستعانة بالعمالة الوطنية وإحلالها في الوظائف التي شغرت بخروج العمالة الوافدة، وإحلال العمالة الوطنية مكان العمالة الوافدة له مزايا عديدة يكفي أن نذكر منها أنه يحافظ على جزء كبير من رواتب وأجور هذه العمالة داخل اقتصادنا، بدلا من أن يتسرب إلى خارجه في شكل تحويلات خارجية وصلت إلى ما يوازي مئة مليار ريال سنويا.
ولكن عندما لا تكون العمالة الوطنية مؤهلة أو متوفرة لبعض الوظائف، فلا بد من تيسير الحصول على العمالة المطلوبة ولو من الخارج، وإلا فسيتعطل الإنتاج ويتضرر الاقتصاد، وأيضا ستتضرر أهداف السعودة ومحاربة البطالة، فالاقتصاد وبالتحديد القطاع الخاص في الاقتصاد هو المستهدف لاستيعاب الأعداد الكبيرة من العمالة الوطنية الحالية أو القادمة مستقبلا ــ بإذن الله، إذ أن القطاع العام أو القطاع الحكومي قد يكون متخما بالموظفين، أو على الأقل لا يوجد لديه إمكانية كبيرة للتوسع والتوظيف، وبالتالي فإن الركيزة هي على القطاع الخاص، وهذا القطاع الخاص لا يستطيع أن ينمو بدون العمالة المناسبة، وبالتالي فإن كنا في الماضي حاربنا عمليات الاستقدام وضيقنا عليها لعلمنا أنه في كثير من الأحيان كانت لصالح جهات أو شركات وهمية وليس لها أي نشاطي أو توظيف فعلي، وإنما كانت تستقدم هذه العمالة لتعمل لدى غيرها أو تنشرها في الطرقات وتبتزها، وكان ذلك أحد أهم أسباب نمو مشكلة العمالة غير النظامية، إلا أن الآن وبعد مواجهة هذه المشكلة وتوقيف وتجريم الأنشطة والعمالة غير النظامية وكل من يتعامل معها، الآن الوضع اختلف، وبالتالي عندما نجد هناك شركات وأنشطة وطنية تحتاج للعمالة لكي تنمو، ونجد أن هذه الشركات والأنشطة ملتزمة بالأنظمة، وعلى رأسها نسب السعودة وتأهيل العمالة الوطنية، فإنه يجب علينا أن نشجعها وندعم نموها، وإن كان هذا النمو يتطلب استقدام عمالة وافدة، فعلينا التيسير لها لاستقدام ما تريد، ففي نمو هذه المؤسسات الوطنية مصلحة لها وللاقتصاد ولتوظيف العمالة الوطنية، ومن المهم أن نعلم أن عمليات التصحيح لأوضاع العمالة غير النظامية كانت وما زالت خطوة هامة وضرورية، ولكنها وبالرغم من أهميتها فإنها تظل خطوة، ولا بد أن يصاحبها ويكملها خطوات أخرى في تعويض اقتصادنا ما فقده من عمالة، وذلك بإعطاء الأولوية أولا لتأهيل وتوظيف العمالة الوطنية، ولكن ثانيا بالحرص على أن لا تتضرر الأنشطة والمؤسسات الوطنية عندما لا تتوفر العمالة الوطنية وبدعم وتيسير أعمال هذه المؤسسات الوطنية، فهي المكان الأساسي إن لم يكن الوحيد المؤهل لاستيعاب الأعداد المتزايدة من العمالة الوطنية، وبالتالي من المهم الحرص على هذه المؤسسات وعدم عرقلة نموها وتيسير أعمالها.