-A +A
حاوره : بدر الغانمي (جدة)تصوير: عبدالسلام السلمي
على مدى أكثر من أربعين عاما ظل معالي الشيخ منصور بن محمد الخريجي الذي دخل الديوان الملكي مترجما للملك فيصل يرحمه الله الى ان انتهى به المقام نائبا لرئيس المراسم الملكية قبل تقاعده، الرجل الثاني الذي يعمل في الظل ولايظهر الا في لحظات سد الفراغ. الخريجي الذي يملأ وقته اليوم بقراءة ما لذ وطاب من الكتب ويجد من الوقت مايمنحه للأولاد والأحفاد يشعر بشيء من المرارة والألم لما حدث لكنه يعترف بأن التغيير سنة الحياة وأن مسيرته قد توقفت هنا وبدأت في مسار جديد. وصف علاقته بالملك فهد يرحمه الله بأنها كانت متميزة وحميمية وذات خصوصية.. ورفض أن يتحدث عن تفاصيل مراحله الاربع مع الملوك فيصل وخالد وفهد يرحمها الله وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله لأن طبيعة عمل المراسم تفترض الخصوصية والسرية.. واعترف الخريجي باتخاذه قرارات خاطئة عندما كان مسئولا بالمراسم وانتقد بشدة علاقات العمل التي انتهت مع كثير من اصحابها بمجرد خروجه من المراسم لكنه أوضح ان اصدقاءه من خارج العمل يشعرونه دائما ان الدنيا بخير.
الخريجي الذي اعترف بوجوده في الظل تحت مسمى نائب رئيس المراسم الملكية كشف لأول مرة عن مشاعر الغيرة والخوف التي تحدث بين العاملين في قطاع واحد وقال صراحة:

لقد كنت ألاحظها دائما على وجوه من حولي.
الحمل ثقيل
سألته بداية.. معالي الشيخ كيف كانت مشاعرك بعد قرار الإعفاء الذي جاء بناء على طلبك؟ وهل كنت مقتنعا بمبررات الابتعاد؟
- كنت مهيأ نفسيا للخروج ولكنني وصلت لمرحلة لم أجد لدي شيئا جديدا أقدمه على الرغم من التجديد الذي تم لي لأربع سنوات والحقيقة انني وجدت بأنه لم يعد لي دور في العمل فقررت ان أقدم خطاب الاستقالة لمقام خادم الحرمين الشريفين حفظه الله.. ولاتستطيع ان تقول أنني اتخذت قرارا بسبب وضع معين ولكن حمل وأعباء الوظيفة لا أحد ينكره فهو حمل ثقيل وتجنيد كامل مرتبط بمسئوليات هذه الوظيفة ولا أخفيك أنني كنت سعيدا مع صباح أول يوم لي خارج الوظيفة فلا صحيان مبكراً ولا مسئوليات لضيف قادم أو إعداد لمؤتمر قمة ووجدت نفسي مثل الطلاب الذين يفرحون بالإجازة المدرسية الطويلة ويبقى الانسان فينا صغيرا الى ان يموت وأتذكر أنني عندما كنت طالبا بالولايات المتحدة لتحضير الدكتوراة كنت أفرح كثيرا لغياب البروفيسور عن المحاضرات لأضمن لنفسي يوما بعيدا عن الضغوط.
طيب لدرجة السذاجة
كيف وجدت علاقتك مع العاملين في المراسم بعد تركك الوظيفة وهل هناك تواصل دائم؟
- أنا أكثر واحد ساذج في المملكة ولدي دائما حسن ظن في الاشخاص الذين أتعامل معهم وكم من مرة إنضحك علي وهذه مشكلتي ان اي علاقة أبنيها تكون بملء قلبي وعلاقتي مع عدد كبير من الاخوة سواء في الديوان والمراسم أو من الخارج لم أكن أتصور أن تشهد هذا الانقطاع الذي تشهده حاليا لدرجة رفع سماعة التلفون وهذا أمر لا أتحدث عنه من باب الزعل والعتب ولكن من باب أن رؤيتي للناس كلهم أنهم طيبون حتى يثبت العكس وهذا من طبيعة البشر وأنا من ناحيتي لازلت أتحدث ومتواصل مع الإخوة الذين كانوا يعملون عندي في المراسم وقد أطلب من أحدهم فزعة فلا يقصر.. ولكن الحقيقة أنني بدأت أشعر بالفارق في التعامل بين ما كنت فيه وما أنا فيه الآن.. فهناك من كان يقابلني ويقول لي ياشيخ منصور والله اننا نحبك في الله وبعد خروجي من الديوان تغير كل هذا الحب.
ولكنك صرحت أكثر من مرة بأنك لاتعترف بصداقة العمل كصداقة أبدية؟
- بدون شك فهناك مجموعة من الاصدقاء لم تربطني بهم في يوم من الايام مصلحة عمل وهؤلاء لازالوا اصدقائي وأجتمع معهم واحبهم ويحبونني وهذه من الامور التي تريحني تجعلني اشعر دائما ان الدنيا بخير.
هل تتواصل في علاقاتك بصورة فردية أم أنك تميل الى التواصل بشكل عائلي وحميمي مع اصدقاء من داخل وخارج العمل؟
- الامر ليس قراري وانما طبيعة الحياة وظروف العمل هي التي تحكم علاقاتك سواء مع رجال المراسم أو خارجها.. أما في الخارج فصلتي الشخصية مع بعض رجال المراسم تكون محكومة بظروف اللحظة وليست مبرمجة سلفا.
خصوصية وسرية
لكن يلاحظ معالي الشيخ أنك لاتتحدث عن الجوانب العملية علاقة حقيقية مثل علاقاتك ومواقفك مع الوزراء والمسئولين طيلة فترة ليست بالقصيرة بدأت منذ عهد الملك فيصل وانتهت مع عهد الملك عبدالله.. لماذا..؟
- جزء كبير من طبيعة عملي في المراسم الملكية يفضل أن لايتحدث عنه الشخص لخصوصيته ودواعي السرية فيه وعندنا قاعدة ذهبية أن ليس كل ما يعلم يقال، فهناك أسرار للعمل وهذا ليس مقتصرا علينا فقط، وأعطيك مثالا بما يصدر عن الإدارة الأمريكية من تصريحات فكل هذا هو المسموح به فقط لكن ما يدور داخل الادارة الامريكية من وجهات نظر واعتراضات ومواقف متفقة ومتعارضة لايعلن عنها وعليها تابوه لايمكن السماح بالكشف عنه فنحن لسنا الوحيدين الذين نسكت على أمور ولا نعلنها لسريتها لان هذه طبيعة الامور وانا أذكر في كتابي الاخير ان اجمل الامور واكثرها إثارة هي التي نسكت عنها سواء في الحياة الخاصة أو الوظيفية ولو أستطيع ان أكتب عن هذه «المسكوت عنها» لكتبت كتابا كل يوم ولكن يجب ان يعرف ان طبيعة العلاقة الوثيقة بين القيادة والمواطن لاتجعل من مثل هذه الامور إلا طبيعية وواضحة.
الملك فهد
الى أي مدى توطدت علاقتك بالملك فهد يرحمه الله الذي قضيت معه قرابة ربع قرن؟
- كنت في فترة من الفترات اقرب الناس للملك فهد يرحمه الله وفي جلسات انفرادية بعيدا عن الجانب العملي لان الارتباط بالنواحي العملية يظل متسارعا وايقاعا يوميا منهكا من استقبال وتوديع وعمل برامج زيارات وبرامج للملك وترتيب للعشاء والمحادثات.. اما جلساتي الخاصة معه فكانت للحديث عن هموم الناس ومشاكلهم، نتناول أسعار السلع ومرتبات الناس.. كان يرحمه الله يتصل بي بالهاتف وأنا بالمنزل ونتحدث بالساعات في أمور عائلية وحياتية واستمع لآرائه يرحمه الله في الناس وكثير من الأمور اليومية.
كم كان يأخذ عمل المراسم من وقتك اليومي؟
- المراسم الملكية منظمة بشكل كبير وفيها من القدرات من لهم خبرة ودراية بمثل هذه الامور، وليس لدينا ما يفعله اليابانيون مثلا عندما يكون لأحد مسئوليهم زيارة فيتصلون قبل ستة أشهر لتحديد موعد وترتيب أمور الزيارة إذ أن طبيعة عملنا اليومية أكسبتنا خبرة تنظيم مثل هذه الامور في لقاء واحد قبل الزيارة بأيام بحضور ممثلين عن وزارة الخارجية والمراسم والبروتوكول ونجمع كل المتخصصين بهذه الزيارة بكافة اهتماماتها التجارية أو خلافه وننهي التنظيم في جلسة واحدة.. ولكن يبقى اليوم طويلاً بشكل عام.
هل هناك دوام ثابت؟
- هذه الامور تختلف فأيام الملك فيصل يرحمه الله كنت أذهب ومن معي في المراسم دوامين (صباحي ومسائي) فيما كان للملك فيصل ثلاثة دوامات باليوم الواحد فقد كان يحضر صباحا ويغادر ظهرا للغداء والاستراحة ثم يعود بعد العصر ويغادر قبل المغرب ويعود بعد العشاء ولم نكن كموظفي مراسم نحضر فترة بعد العشاء إلا اذا كان هناك زائر أو ضيف. أما في عهد الملك خالد يرحمه الله فقد كنا نعمل لدوام واحد من الصباح حيث يبدأ الملك دوامه العاشرة صباحا الى الثالثة عصرا وبشكل عام لم يكن لدينا نحن كموظفي مراسم حدود معينة كمواعيد العمل في حرب 73 وما بعدها مثلا زادت الزيارات على المملكة أيام الملك فيصل وكنا مجندين للعمل 24 ساعة بدون راحة.
نادم ولكن
هل هناك قرار ما ندمت على فعله أثناء فترة عملك الطويلة بالمراسم الملكية؟
- هناك قرارات كثيرة خاطئة أبكي عليها وكنت أتمنى ان لا أتخذها بسبب العاطفة وندمت عليها ولكنني لا أستطيع ذكرها لانها تتعلق بالعمل لا بأشخاص.
سيطرة المركزية
هل كنت تشارك في اقتراح أسماء معينة لمناصب في الدولة أو حتى تستشار في ذلك؟
- نعم حدث هذا في أحيان قليلة.