السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هو موقع ودور الخطاب الثقافي والمسألة الثقافية بمكوناتها وعناصرها ومسارها ضمن النسق الاجتماعي العربي العام؟ ولماذا لم يستطع الخطاب النهضوي العربي منذ نشأته (أواسط القرن التاسع عشر وحتى الثلاثينيات من القرن العشرين) في تجاوز الجمود وخلخلة المفاهيم والتصورات والمسلمات الشائخة على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها رجالات النهضة بتياريهم الرئيسين، تيار الإصلاح والتجديد الديني (الطهطاوي، الأفغاني، محمد عبده، حسن عبدالرزاق، الكواكبي، خير الدين التونسي) ويندرج ضمن هذا التيار حركة محمد بن عبد الوهاب (الجزيرة العربية) والسنوسية (شمال المغرب)، وهناك التيار العلماني الليبرالي (شبلي شميل، شكيب أرسلان، فرح أنطوان، قاسم أمين، أحمد لطفي السيد، سلامة موسى، طه حسين...) واللافت أن التباينات والاختلافات والانتقادات المتبادلة بين ممثلي التيارين الرئيسين لعصر النهضة لم تؤد إلى تكفير وتخوين واستئصال أحدهما للآخر بل كانت العلاقة بينهما قائمة على الاحترام المتبادل وعلى القبول بالاختلافات والحوار كأسلوب حضاري راق، كما كانت مساحة الاتفاق والقواسم المشتركة بينهما واسعة وعديدة خصوصا ما يتعلق منها برفض الجمود والانغلاق الديني والفكري والثقافي وإحياء الجوانب المشرقة في الحضارة والعقيدة الإسلامية، وبأنه لا تناقض بين الدين والأخذ بمستلزمات المدنية الحديثة في كافة الجوانب والمجالات النافعة. غير أن الفشل والطريق المسدود الذي واجهه المشروع النهضوي التحديثي يعود في بعض مسبباته إلى غياب الحامل الاجتماعي (الطبقات الحديثة) وانتكاسة المشروع الليبرالي واندلاع الثورات والانقلابات العسكرية. هذه العوامل وغيرها أجهضت التطور الموضوعي والطبيعي للمنطقة العربية. لذا لا بد من امتلاك نظرة نقدية/ تاريخية، علمية وموضوعية، لمجمل تراثنا الثقافي والفكري والحضاري.
فليس الماضي مقدسا ومنزها بكليته، وليس الحاضر كافرا وموبوءا برمته، باستثناء العقيدة والأصول والشريعة الإسلامية. ليس هناك شيء من أفكار البشر مقدس ومتعال وأبدي وخالد وهو ما يتطلب التفريق بين أصول وجوهر الدين (السماوي) وبين الفكر الديني (الأرضي)، الذي هو اجتهاد بشري قابل للصواب والخطأ والتجاوز، وهو ما أجمع عليه العديد من كبار العلماء والفقهاء والمسلمين القدماء منهم والمعاصرين على حد سواء، ويفسر رحابة الإسلام وانفتاحه في عصوره الزاهية، من خلال تعدد القراءات والاجتهادات وتنوع المذاهب والتفسيرات والفتاوى الفقهية ، ولم يستنكف العلماء المسلمون الأوائل من التفاعل مع ثقافات وحضارات وعلوم عصرهم والعصور التي سبقتهم، من خلال النقل والترجمة ثم عبر الإضافة والتجديد والابتكار والتجاوز. هذا التفاعل والتلاقح الثقافي/ الحضاري نحتاجه اليوم كما الأمس ولكن ليس من منطلق التبعية والإلحاق الثقافي/ الحضاري للآخر بل على أساس الندية واحترام الخصوصية والهوية الثقافية للجميع، واعتماد الحوار الحضاري كبديل عن مفهوم الصراع الذي يروج له الغرب.
فليس الماضي مقدسا ومنزها بكليته، وليس الحاضر كافرا وموبوءا برمته، باستثناء العقيدة والأصول والشريعة الإسلامية. ليس هناك شيء من أفكار البشر مقدس ومتعال وأبدي وخالد وهو ما يتطلب التفريق بين أصول وجوهر الدين (السماوي) وبين الفكر الديني (الأرضي)، الذي هو اجتهاد بشري قابل للصواب والخطأ والتجاوز، وهو ما أجمع عليه العديد من كبار العلماء والفقهاء والمسلمين القدماء منهم والمعاصرين على حد سواء، ويفسر رحابة الإسلام وانفتاحه في عصوره الزاهية، من خلال تعدد القراءات والاجتهادات وتنوع المذاهب والتفسيرات والفتاوى الفقهية ، ولم يستنكف العلماء المسلمون الأوائل من التفاعل مع ثقافات وحضارات وعلوم عصرهم والعصور التي سبقتهم، من خلال النقل والترجمة ثم عبر الإضافة والتجديد والابتكار والتجاوز. هذا التفاعل والتلاقح الثقافي/ الحضاري نحتاجه اليوم كما الأمس ولكن ليس من منطلق التبعية والإلحاق الثقافي/ الحضاري للآخر بل على أساس الندية واحترام الخصوصية والهوية الثقافية للجميع، واعتماد الحوار الحضاري كبديل عن مفهوم الصراع الذي يروج له الغرب.