-A +A
رؤى صبري
اليوم أصبح العالم كله ينادي بحقوق الإنسان المهضومة من قبل أخيه الإنسان، ولو تأملنا في تلك الحقوق الضائعة نجد أن من انتهكها هو المجتمع بكل أفراده وشرائحه، من خلال عدة أساليب، منها توجيه أصابع الاتهام نحو من ارتكب زلة أو خطأ بحق الغير، ولعل أكثر فئة معرضة لهذه المأساة هم السجناء الذين أطلق سراحهم.
والواقع أنه حين يسجن فرد من عائلة ما يحكم على كل أفرادها بالسجن أيضا، ويظلون حديث الساعة لفترة لا بأس بها، ولا يذكرون إلا أنهم عائلة السجين، وبالطبع يزداد الوضع سوءاً حين يعود للمجتمع مره أخرى، حيث يبدأ الناس بتهويل كل أفعاله وتحذير أبنائهم وجيرانهم الجدد من هذا الوحش الطليق الذي جاء من أجل القضاء عليهم دون أن يعوا الأسباب والمسببات وراء الجريمة فهناك المخدرات ومشاكلها المتعددة وهناك أناس سذج يذهبون ضحية للديون وآخرون يكونوا ضحايا لرفقاء السوء، ومن هنا يجب أن تبدأ إعادة تأهيل السجين من أول يوم في سجنه وذلك على مرحلتين «مهنية ونفسية»، فكثير من السجناء يفقدون وظائفهم بعد السجن مما يستوجب عليهم إتقان مهنة أخرى يستطيعون من خلالها كسب معيشتهم، ومن المفترض أن يكون هناك تقييم لما يمكن أن يبرع فيه الشخص، إما من خلال خبرات سابقة أو من خلال الرغبات الشخصية المبنية على رغبته في التعلم.

وحين ننظر للتأهيل النفسي نجد أن السجين يحتاج لكثير من الوقت لكي يعرف ماهية الأسباب الحقيقية التي جعلته ينتهي في السجن، فكلما عرفت الأسباب زاد الوعي الذي يساعده على تجنبها في المستقبل، فالحقيقة أن قراراً خاطئاً في لحظه ما تغير المستقبل، ولذلك يجب أن يكون الإنسان بصيرا على نفسه وواعيا بما يمكن أن تودي به أفعاله، ولعل أهم ما يجب أن يلقن به ساعة خروجه من السجن هو كيفيه مواجهة المجتمع فيما بعد، وكيف يثبت للآخرين سوء ظنونهم، فهناك كثير من الناس ضعاف الشخصية الذين يتأثرون بكلام الآخرين ونظراتهم مما يؤدي بهم للعودة إلى طريق الجريمة.
هذه المعضلة موجودة أيضاً في الدول الأوروبية لأن الجريمة مشكلة عالمية، إلا أن واحدا من الحلول المبتكرة لديهم هو ما يسمونه منزل منتصف الطريقHalf way house والغرض منه هو إعطاؤهم فرصة لكي يندمجوا بالمجتمع مع وجود الدعم الكافي لكي لا يعودوا للطريق ذاته مرة أخرى، والحقيقة أننا في مجتمعاتنا العربية نعتبر أكثر حظاً لأن العائلة تدعم الفرد بصورة كبيرة وأفضل بكثير من المجتمعات الغربية التي تعاني التفكك الأسري.
وما لا يفهمه كثيرون أن السجن عبارة عن مدرسة كبيرة يدخلها من فشل في مدرسة الحياة، وما يعيشه الفرد من حرمان للحرية يلقنه درساً في أهمية اتباع النظم كما يسمح للتأمل والتفكر فيما يمكن أن يفعله ليصلح من شأن نفسه عبر إعادة التأهيل التي قد تشمل التعليم المهني وغير المهني كما أنه يعتبر خطوة نحو الحد من الجريمة التي تؤثر على المجتمع بأكمله.