-A +A
محمد الأحمد
من أنت أيها الماشي على قدمين من صنع الله.
من أنت أيها الباطش بيدين تكبرا وتجبرا وتناسيت قدرة الله.

من أنت أيها الظالم لنفسك قبل ظلمك لخلق الله.
أيها المخلوق الترابي هل تعلم كيف أتيت وإلى أين مردك؟
هل تعلم يا من تناسيت قدرة الله عز وجل.. أن أصغر جند من جنود الله سبحانه وتعالى والذي لا يرى إلا بمجهر مكبر مليون مرة لو سلطه الله على خلية من خلايا عقلك لأصبحت عالة على أقرب الناس إليك ولو سلطه على لسانك لحرمك لذة الشتم والقذف والغيبة والنميمة والتفاخر بالمعاصي والجرأة على الله عز وجل.
قال الله تعالى:(تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) (القصص:83) وقال تعالى: (ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا) (الإسراء:37) .وقال تعالى: (ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور) (لقمان:18). ومعنى (تصعر خدك للناس) أي: تميله وتعرض به عن الناس تكبرا عليهم «والمرح»: التبختر.
وقال تعالى: (إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين).
قال المؤلف النووي رحمه الله في كتاب رياض الصالحين: فيما جاء في الكبر والإعجاب:
والكبر: هو الترفع واعتقاد الإنسان نفسه أنه كبير، وأنه فوق الناس، وأن له فضلا عليهم.
والإعجاب: أن يرى الإنسان عمل نفسه فيعجب به، ويستعظمه ويستكثره.
فالإعجاب يكون في العمل، والكبر يكون في النفس، وكلاهما خلق مذموم الكبر والإعجاب.
والكبر نوعان: كبر على الحق، وكبر على الخلق، وقد بينهما النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «الكبر بطر الحق وغمط الناس» فبطر الحق يعني رده والإعراض عنه، وعدم قبوله، وغمط الناس يعني احتقارهم وازدراءهم وألا يرى الناس شيئا، ويرى أنه فوقهم.
وقوله تعالى: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) الآخرة هي آخر دور بني آدم؛ لأن ابن آدم له أربعة دور كلها تنتهي بالآخرة.
الدار الأولى: في بطن أمه.
الدار الثانية: إذا خرج من بطن أمه إلى دار الدنيا.
الدار الثالثة: البرزخ؛ ما بين موته وقيام الساعة.
والدار الرابعة: الدار الآخرة. وهي النهاية، وهي القرار، هذه الدار قال الله تعالى عنها: (نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا) (القصص:83)، لا يريدون التعالي على الحق، ولا التعالي على الخلق، وإنما هم متواضعون.
هؤلاء هم أهل النار، أما أهل الجنة فهم الضعفاء المساكين الذين ليس عندهم ما يستكبرون به؛ بل هم دائما متواضعون ليس عندهم كبرياء ولا غلظة؛ لأن المال أحيانا يفسد صاحبه، ويحمله على أن يستكبر على الخلق ويرد الحق، كما قال تعالى: (كلا إن الإنسان ليطغى) (أن رآه استغنى) (العلق).
إن الكبر غالبا ما ينشأ من الترف؛ فإذا أترف الإنسان؛ انتكس تفكيره وسمى الباطل حقا والحق باطلا، ومن ثم يحتقر من لم يكن مثله في عيشه وماله ودنياه؛ إلا من رحم الله.
وشر الكبر من تكبر على العباد بعلمه وتعاظم في نفسه بفضيلته؛ فإن هذا لم ينفعه علمه؛ فإن من طلب العلم للآخرة كسره علمه، وخشع قلبه، واستكانت نفسه، وكان على نفسه بالمرصاد، فلم يفتر عنها. ومن طلب العلم للفخر والرياسة، ونظر إلى المسلمين شزرا مزرا؛ فهذا من أكبر الكبر، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وقد ينشأ الكبر من منصب يتولاه الإنسان، فيرى نفسه أعلى من الناس طبقة، فيكشر في وجوه فقراء الناس، وربما رأى أن الواجب ألا يتصلوا إليه مباشرة، بل لابد من الوساطة بينه وبينهم ويحمله الكبر على أن يحب في نفسه أن يقوم الناس له تعظيما: ففيما روى الإمام الترمذي في جامعه الصحيح برقم ( 2755 ) فقال: عن أبي مجلز قال خرج معاوية فقام عبدالله بن الزبير وابن صفوان حين رأوه فقال اجلسا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سره أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار وفي الباب عن أبي أمامة قال أبو عيسى هذا حديث حسن.
أحبابي ما أجملها من ابتسامة تجبر بها خاطر مكسور، وتقضي بها حاجة ملهوف، وتسر بها قلب مكروب، وتفرح بها نفس محزون. أين أنت من هذه الصدقة التي لا تحتاج إلا لعضلتين فقط في الوجة لتنال بها هذا البر العظيم.
أسأل الله أن يجعلني وإياكم من المبشرين والمستبشرين في الدنيا والآخرة.