في إحدى رحلات الخطوط السعودية رفض أحد كبار السن أن تجلس في المقعد المجاور له امرأة، وأصر على نقلها لمقعد آخر. انحاز المضيفون للأسف لصوت الرجل المسن وطلبوا من السيدة أن تنتقل إلى مقعد آخر. وقد قاموا بهذا الإجراء ظنا منهم أن المشكلة ستنتهي عند هذا الحد. لكن السيدة رفضت تغيير مقعدها لأنها كما ذكرت قد اختارت المقعد بنفسها، وإذا كان هناك من شخص يود أن يغير مقعده فهو الرجل المسن، وهذا من حقه، لكن ليس من حقه أن يفرض رأيه على غيره. كان صوت السيدة هادئا وعقلانيا وواثقا. انتهت المشكلة بانتصار المرأة بقوتها وثباتها، لا بعون المضيفين. هنا انتقل الرجل المسن لمقعد آخر تبرع به أحد المسافرين مع اعتقاده بعدم ارتياحه للجلوس بجانب امرأة حتى في الظروف الاستثنائية، وليست الاختيارية مثل الجلوس في الطائرة.
ما كادت هذه المشكلة أن تنتهي حتى علق من كان بجانبي، وهو شاب في الثلاثينيات من عمره، قائلا، (الشايب معه حق، كيف يجلس بجانب امرأة أعزكم الله). هنا تداخلت بغضب، لا على مسألة القناعات الخاصة، فكل إنسان له قناعاته، لكن على مسألة إهانة المرأة بقوله أعزكم الله، التي مازال البعض يرددها باعتقاد راسخ أن المرأة أدنى من الرجل، بل أدنى لدرجة النجاسة، فهي في نظرهم كائن يجب اجتنابه، لا على سبيل الخوف من الفتنة، فهذا سياق آخر له منظوره، لكن على سبيل الترفع والنظر بدونية متأصلة في وجدانهم. مثل هؤلاء عرفوا من الدين طقوسه دون مضمونه الإنساني والأخلاقي، عرفوا من الدين ما يمكن أن يباهوا به في مجالسهم دون أن يتمثلوه في حياتهم. فالجدل معهم من أن هناك من بين النساء أمك وأخواتك وعماتك، وخالاتك، وبناتك، وقبلهن وأشرف منهن أمهات المؤمنين ونساء الصحابة، والفاضلات على مر الزمن، جدل مفعوله قصير، فبالنسبة لنسائهم.. فهن كما يعتقدون في ملكيتهم، وليس هناك من إهانة أبلغ من ذلك، أما الجدل بكرامة أمهات المؤمنين ونساء الصحابة فهو جدل قصير المفعول ذلك أنهن رضوان الله عليهن أصبحن في ذمة التاريخ، ولم يعدن حاضرات بالمعنى اليومي بالنسبة لهؤلاء الرجال.
كيف تتحكم العادات في الإنسان؟ كيف ينشأ أسيرا لمقولات ومفاهيم مغلوطة عن نفسه وعمن حوله، عن قيمة المرأة في مجتمعها؟ ينشأ الفرد في بعض مكونات مجتمعنا على أفضليته على أخته في البيت، على أفضليته على كل النساء. تعطى للرجل منزلة تفوق حجمها الشرعي إلى ما هو أبعد مما أقره الدين من فروق بيولوجية طبيعية لا اجتماعية بين الرجل والمرأة. الصورة النمطية الغالبة أن هذه المفاهيم والعادات تباعد بينه وبين مبادئ الإسلام السمحة، وتصبح مبادئ الإسلام مجرد مظهر خارجي للوازم المظهر الديني لكنها غير مؤثرة في نمط السلوك اللفظي أو العملي. فهذا الرجل لو كان له من الأمر شيء لتدخل بيده نصرة للرجل المسن على حساب المرأة، لكنه مارس ما هو أبشع وهو التحقير والإهانة على مرأى ومسمع من الجميع، ورغم أنه بدا منكسرا بعد مفاجأته بعكس ما يعتقد، إلا أنه لم يعتذر وكيف له أن يعتذر وقد تربى على هذه الطبقية البغيضة، وهذه العنصرية المقيتة، وهذا التفاضل الزائف، متناسيا هو وغيره من ذوي المفاهيم المغلوطة، قول الله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، نعم أتقاكم، وليس أفضلكم نسبا وجاها ومالا، أتقاكم وليس كونك رجلا. كل هذا لا يغني عن التقوى شيئا. فالفرد ضحية ثقافة، لكنه مطالب بعد أن يكبر أن يكبر وعيه بأهمية وجود المرأة في حياته.
وللأسف تتحمل بعض مناهج التعليم وخاصة مواد مثل مادة المطالعة التي تقدم فيها قطع للقراءة تعكس ثقافة كاتبها دون مراعاة لملاءمتها لثقافة التسامح جزءا من المشكلة. تدور بعض هذه القطع القرائية حول إظهار الأدوار المختلفة للرجل عن المرأة. فهناك قطع تكرس مسألة خدمة المرأة للرجل في جو يبدو فيه علو الرجل ودونية المرأة، فالمرأة تطبخ وتكنس وتخيط، بينما الرجل يعمل ويكسب وينفق. مثل هذه القطع القرائية لا حاجة للطالب بها لأن ضررها أكثر من فائدتها. ضررها من حيث تكرس سلبية العلاقة بين الرجل والمرأة، فكونها مطروحة في مناهج التعليم يبدو مسوغا ومؤكدا لثقافة الاستعلاء، استعلاء الرجل على المرأة.
halnemi@gmail.com
للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 738303 زين تبدأ بالرمز 109 مسافة ثم الرسالة
ما كادت هذه المشكلة أن تنتهي حتى علق من كان بجانبي، وهو شاب في الثلاثينيات من عمره، قائلا، (الشايب معه حق، كيف يجلس بجانب امرأة أعزكم الله). هنا تداخلت بغضب، لا على مسألة القناعات الخاصة، فكل إنسان له قناعاته، لكن على مسألة إهانة المرأة بقوله أعزكم الله، التي مازال البعض يرددها باعتقاد راسخ أن المرأة أدنى من الرجل، بل أدنى لدرجة النجاسة، فهي في نظرهم كائن يجب اجتنابه، لا على سبيل الخوف من الفتنة، فهذا سياق آخر له منظوره، لكن على سبيل الترفع والنظر بدونية متأصلة في وجدانهم. مثل هؤلاء عرفوا من الدين طقوسه دون مضمونه الإنساني والأخلاقي، عرفوا من الدين ما يمكن أن يباهوا به في مجالسهم دون أن يتمثلوه في حياتهم. فالجدل معهم من أن هناك من بين النساء أمك وأخواتك وعماتك، وخالاتك، وبناتك، وقبلهن وأشرف منهن أمهات المؤمنين ونساء الصحابة، والفاضلات على مر الزمن، جدل مفعوله قصير، فبالنسبة لنسائهم.. فهن كما يعتقدون في ملكيتهم، وليس هناك من إهانة أبلغ من ذلك، أما الجدل بكرامة أمهات المؤمنين ونساء الصحابة فهو جدل قصير المفعول ذلك أنهن رضوان الله عليهن أصبحن في ذمة التاريخ، ولم يعدن حاضرات بالمعنى اليومي بالنسبة لهؤلاء الرجال.
كيف تتحكم العادات في الإنسان؟ كيف ينشأ أسيرا لمقولات ومفاهيم مغلوطة عن نفسه وعمن حوله، عن قيمة المرأة في مجتمعها؟ ينشأ الفرد في بعض مكونات مجتمعنا على أفضليته على أخته في البيت، على أفضليته على كل النساء. تعطى للرجل منزلة تفوق حجمها الشرعي إلى ما هو أبعد مما أقره الدين من فروق بيولوجية طبيعية لا اجتماعية بين الرجل والمرأة. الصورة النمطية الغالبة أن هذه المفاهيم والعادات تباعد بينه وبين مبادئ الإسلام السمحة، وتصبح مبادئ الإسلام مجرد مظهر خارجي للوازم المظهر الديني لكنها غير مؤثرة في نمط السلوك اللفظي أو العملي. فهذا الرجل لو كان له من الأمر شيء لتدخل بيده نصرة للرجل المسن على حساب المرأة، لكنه مارس ما هو أبشع وهو التحقير والإهانة على مرأى ومسمع من الجميع، ورغم أنه بدا منكسرا بعد مفاجأته بعكس ما يعتقد، إلا أنه لم يعتذر وكيف له أن يعتذر وقد تربى على هذه الطبقية البغيضة، وهذه العنصرية المقيتة، وهذا التفاضل الزائف، متناسيا هو وغيره من ذوي المفاهيم المغلوطة، قول الله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، نعم أتقاكم، وليس أفضلكم نسبا وجاها ومالا، أتقاكم وليس كونك رجلا. كل هذا لا يغني عن التقوى شيئا. فالفرد ضحية ثقافة، لكنه مطالب بعد أن يكبر أن يكبر وعيه بأهمية وجود المرأة في حياته.
وللأسف تتحمل بعض مناهج التعليم وخاصة مواد مثل مادة المطالعة التي تقدم فيها قطع للقراءة تعكس ثقافة كاتبها دون مراعاة لملاءمتها لثقافة التسامح جزءا من المشكلة. تدور بعض هذه القطع القرائية حول إظهار الأدوار المختلفة للرجل عن المرأة. فهناك قطع تكرس مسألة خدمة المرأة للرجل في جو يبدو فيه علو الرجل ودونية المرأة، فالمرأة تطبخ وتكنس وتخيط، بينما الرجل يعمل ويكسب وينفق. مثل هذه القطع القرائية لا حاجة للطالب بها لأن ضررها أكثر من فائدتها. ضررها من حيث تكرس سلبية العلاقة بين الرجل والمرأة، فكونها مطروحة في مناهج التعليم يبدو مسوغا ومؤكدا لثقافة الاستعلاء، استعلاء الرجل على المرأة.
halnemi@gmail.com
للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 738303 زين تبدأ بالرمز 109 مسافة ثم الرسالة