الفساد له عبقرية خاصة وهناك فساد عارض قد يحدث بدون قصد، وحتى لا أتهم فالكلام جاء على لسان محمد بن عبدالله الشريف رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد المعروفة اختصاراً بـ «نزاهة» وأشكال الفساد العارض أو غير المقصود تناولها الشريف ونشرتها الصحافة المحلية، وكان من بينها التقصير في متابعة الخدمات والمشاريع ومراقبتها والرشوة وإساءة استخدام السلطة، وقد اعتبرها إهمالا مع اعترافه بأنها فساد، وقال الشريف إن الفساد لم يؤثر فعلياً في الاقتصاد والتنمية وتنفيذ المشاريع.
هذه التصريحات لرئيس هيئة مكافحــة الفساد، كانت في ندوة عقدها معهد الإدارة العامة في الرياض الأسبوع الماضي، أظهر فيها الشريف عدم رضاه عن ترتيب المملكة في التقرير الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية أخيراً، رغم تقدمها ثلاثة مراكز مقارنة بالتقرير السابق لنفس المنظمة، وحصولها على المركز الخامس عربيا وهو جيد نسنياً بالنظر لمجموع الدول العربية، وتقييم معظم دول العــــالم في مؤشر الفساد لا يصل إلى نسبة 50 في المئة، ما يعنى أنه مشكلة تتجاوز الحدود والهويات، وبعض الفساد العارض قد يدخل في تأخر دولة خلف دولة في المؤشر.
سياسات المواجهة بالتأكيد ليست سهلة، ولا يمكن أن تقوم بها «نزاهة» لوحدها، ولا بد من مشاركة المجتمع وكل الجهات المعنية في القطاعين العام والخاص، ولا يمكن الاستمرار في حالة التسامح أمام تصرفات فاسدة اعتاد عليها المجتمع وإن وصفت بالخفيفة ومحدودة التأثير، لأن الحل يبدأ منها قبل غيرها، والشريف يحاول نقل صورة حقيقية لعرضها على طاولة المنظمات المهتمة ولا يستطيع، والسبب أن هيئته تطلب تقارير ومعلومات ولا يتم التعامل مع طلباتها كما يجب، ولا اعتقــــد أن دفــاعه سيجد قبولا بدون أدلة مقتعة وموثقة، خصوصا وأن مؤشر الشفافية الدولية لا يخرج من فراغ، ويحكمه تعاون المهتمين وأصحاب المصلحة في مختلف الدول، ويزيد المسألة تعقيداً أن الدراسات الاستقصائية لظاهرة الفساد في المملكة نادرة وقديمة، ما يعني أن "نزاهة» تواجه مشكلة لا تعرف حجمها وليس في إمكانها رسم تصور كامل لواقعها.
ثم إن الثقافة تلعب دوراً كبيراً في غياب الفساد وحضوره، وعلى سبيل المثال، لا يجرؤ كثيرون على ارتكاب المحرمات الأخلاقية، بمفهومها الشرعي، لأن القانون الضابط مطبق ومراقب ولا يجامل أو يتجمل، فرجال الحسبة الرسمية يقومون بمهام مقدرة ومشكورة لضبط فساد الأخلاق في المجتمع إن حدث، ويعمل ديوان المراقبة العامة وبقية مؤسسات المحاسبة في الدولة، على التأكد من سلامة سلوك الموظفين الحكوميين ومساءلة المتجاوزين، كلما أمكن، ولكنه مهما فعل لن يتمكن من ضبط المرتشين في وضع تلبس دائماً، لأن الرشوة جريمة معقدة وإثباتها صعب، إلا بالمراقبة الطويلة أو إذا تطوع شخص من داخل المؤسسة وأبلغ عنها، ولحماية هؤلاء وغيرهم وتشجيعهم على الإبلاغ عن جرائم الفساد في مؤسساتهم، نحتاج لإقرار ضمانات تحميهم وعائلاتهم من سطوة المتنفذين، وبطريقه تشبه المعمول به في برنامج حماية الشهود الأمريكي.
موعد نشر المقالة يصادف التاسع من ديسمبر، أو توقيت الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الفساد، وقد قرأت كتابات منشورة تعرضت لقضية الفساد المحلي، وحملته مسؤولية تعطيل خطط التنمية وتواضع مستوى الخدمات والمشاريع الحكومية والتلاعب بالعقود وترسيتها، بجانب البطالة وارتفاع معدلات الإحباط بين الكفاءات في الأجهزة الحكومية وتركها لوظائفها، وانتشار الرشوة والمحسوبية، ووجود أزمة ثقة بين الناس ومؤسسات الدولة، ولا أنحاز إلى هذه القتامة والسوداوية في الحكم على الأمور رغم أنها صادقة في خطوطها العريضة، وفي رأيي، الفساد يلزمه تجهيز مشابه لحرب المجتمع الدولي على الإرهاب، وبأدوات حازمة ومنصفة، فالفاسد قاتل محتمل للأحلام والجهود المخلصة، وهو أخطر على مجتمعه من ألف إرهابي.
هذه التصريحات لرئيس هيئة مكافحــة الفساد، كانت في ندوة عقدها معهد الإدارة العامة في الرياض الأسبوع الماضي، أظهر فيها الشريف عدم رضاه عن ترتيب المملكة في التقرير الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية أخيراً، رغم تقدمها ثلاثة مراكز مقارنة بالتقرير السابق لنفس المنظمة، وحصولها على المركز الخامس عربيا وهو جيد نسنياً بالنظر لمجموع الدول العربية، وتقييم معظم دول العــــالم في مؤشر الفساد لا يصل إلى نسبة 50 في المئة، ما يعنى أنه مشكلة تتجاوز الحدود والهويات، وبعض الفساد العارض قد يدخل في تأخر دولة خلف دولة في المؤشر.
سياسات المواجهة بالتأكيد ليست سهلة، ولا يمكن أن تقوم بها «نزاهة» لوحدها، ولا بد من مشاركة المجتمع وكل الجهات المعنية في القطاعين العام والخاص، ولا يمكن الاستمرار في حالة التسامح أمام تصرفات فاسدة اعتاد عليها المجتمع وإن وصفت بالخفيفة ومحدودة التأثير، لأن الحل يبدأ منها قبل غيرها، والشريف يحاول نقل صورة حقيقية لعرضها على طاولة المنظمات المهتمة ولا يستطيع، والسبب أن هيئته تطلب تقارير ومعلومات ولا يتم التعامل مع طلباتها كما يجب، ولا اعتقــــد أن دفــاعه سيجد قبولا بدون أدلة مقتعة وموثقة، خصوصا وأن مؤشر الشفافية الدولية لا يخرج من فراغ، ويحكمه تعاون المهتمين وأصحاب المصلحة في مختلف الدول، ويزيد المسألة تعقيداً أن الدراسات الاستقصائية لظاهرة الفساد في المملكة نادرة وقديمة، ما يعني أن "نزاهة» تواجه مشكلة لا تعرف حجمها وليس في إمكانها رسم تصور كامل لواقعها.
ثم إن الثقافة تلعب دوراً كبيراً في غياب الفساد وحضوره، وعلى سبيل المثال، لا يجرؤ كثيرون على ارتكاب المحرمات الأخلاقية، بمفهومها الشرعي، لأن القانون الضابط مطبق ومراقب ولا يجامل أو يتجمل، فرجال الحسبة الرسمية يقومون بمهام مقدرة ومشكورة لضبط فساد الأخلاق في المجتمع إن حدث، ويعمل ديوان المراقبة العامة وبقية مؤسسات المحاسبة في الدولة، على التأكد من سلامة سلوك الموظفين الحكوميين ومساءلة المتجاوزين، كلما أمكن، ولكنه مهما فعل لن يتمكن من ضبط المرتشين في وضع تلبس دائماً، لأن الرشوة جريمة معقدة وإثباتها صعب، إلا بالمراقبة الطويلة أو إذا تطوع شخص من داخل المؤسسة وأبلغ عنها، ولحماية هؤلاء وغيرهم وتشجيعهم على الإبلاغ عن جرائم الفساد في مؤسساتهم، نحتاج لإقرار ضمانات تحميهم وعائلاتهم من سطوة المتنفذين، وبطريقه تشبه المعمول به في برنامج حماية الشهود الأمريكي.
موعد نشر المقالة يصادف التاسع من ديسمبر، أو توقيت الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الفساد، وقد قرأت كتابات منشورة تعرضت لقضية الفساد المحلي، وحملته مسؤولية تعطيل خطط التنمية وتواضع مستوى الخدمات والمشاريع الحكومية والتلاعب بالعقود وترسيتها، بجانب البطالة وارتفاع معدلات الإحباط بين الكفاءات في الأجهزة الحكومية وتركها لوظائفها، وانتشار الرشوة والمحسوبية، ووجود أزمة ثقة بين الناس ومؤسسات الدولة، ولا أنحاز إلى هذه القتامة والسوداوية في الحكم على الأمور رغم أنها صادقة في خطوطها العريضة، وفي رأيي، الفساد يلزمه تجهيز مشابه لحرب المجتمع الدولي على الإرهاب، وبأدوات حازمة ومنصفة، فالفاسد قاتل محتمل للأحلام والجهود المخلصة، وهو أخطر على مجتمعه من ألف إرهابي.