-A +A
مكارم صبحي بترجي
بكل الحسرة والألم تجمع الجيران أمام العمارة المجاورة التي سرعان ما وجدوها مزروعة وسط حيهم دون أن تزعجهم بأعمالها.. لينطلقوا بين أركانها باحثين عن مسكن مناسب وهناك عبر الأدوار المتصاعدة والدهاليز الممتدة كجحور الثعابين والجدران الهشة والأسلاك المترهلة قبل أن يدخلها التيار.. أيقنوا أنهم أمام مسرح استعراضي مؤقت ما يلبث إلا وسيظهـر عراؤه عاجلا فالمبنى كما يسمونه ــ تجاري ــ رغم الظلم الطائل للمعنى، وأيضا لقيمة الإيجار فلقد بالغ المالك كثيرا في تقديره لتلك الهناقـر، عفوا المساكن.
رجع جميعهـم أمام عماراتهم القديمة صامتين، تدور في أذهان جميعهم بحور من الأفكار الغارقة في هموم طرق جمع دفعات الإيجار، وخاصة بعد أن تكالب عليهم أصحاب تلك العمائر ــ المؤجرون ــ فبعد أن كانوا عشرة عمـر، وقيمة إيجارهم بالمعقول والزيـادة أيضا في حدود الظروف وبشكل مقبول.. إلا أنهم اليوم نزعوا عنهم الرحمة وغابت معاني التقديـر، فقط وضعوا هدفا واحدا أمام أعينهـم وهو رفـع الإيـجار بمقدار الثلث أو 35% على المبلغ السابق دون مبرر أو ميزة جديدة في تلك العمائر القديم أغلبها، ولكن هو الجشع بعينه ليس إلا.. وراح هؤلاء الشاكون الباكون يندبون حظهم في مساكنهم مكبلين بقيود إيجارهم.

فرغم صدور أنظمة التمويل والرهن العقاري وتوزيـع المنح البلدية وتسليم مخططات وأراضٍ حكومية معدة للسكن لوزارة الإسكان لتخطيطها وتنفيذ البنى التحتية لها وإعطاء المواطنين أراضي سكنية مطورة وقروضا للبناء عليها.. إلا أن هناك من لا يعنيه الأمر بـرمته وهو ماضٍ في تعجرفه.
أقول انتظروا مشروع شبكة إيجار مطلع العام الميلادي المقبل لتنظيم وتطوير قطاع إيـجار المساكن في المملكة بما يضمن حقوق المستأجر والمالك من خلال منصة إلكترونية تشمل مجموعة من الخدمات كتوثيق العقد والسداد الإلكتروني.. إلا أن هناك من حذر الاصطدام بأوضاع المكاتب العقارية والحد الأقصى لرفع الإيجارات سنويا فضلا عن نسبة العمولة على التأجير.
لكن على ما يبدو أن هؤلاء المؤجرين اتجهوا بشكل سريـع لرفع إيـجاراتهم مبكرا قبل أن يحل عليهم العقد الموحد في نظام «إيـجار» المرهون بالدرجة الأولى، بتحديد نسبة الزيـادة في الإيـجار سواء سنويا أو كل عامين.. مما فاقم معاناة أغلب المستأجرين حاليا النابعة من الرفع المفاجئ للإيـجارات.
السؤال هنا: من المسؤول عن وقف هذا النزيـف ؟!.. أم أن الأمر أصبح حسب الأهواء وكل يتصرف في ماله وعقاره، ولا يعنينا هؤلاء في الطرف الآخر رغم أنهـم النسبة الأكبر سواء كانوا مواطنين أم وافدين يؤدون أشغالا وأعمالا تعود في المقام الأول على بلدنا.. فلقد أصبح الأمر يا سادة في غاية الأسى وحال الكثيرين محزن، فمن أيـن تسدد تلك المبالغ المبالغ فيها فضلا عن المتطلبات الحياتية الأخرى وكلنا يعرفها.. فهل سنترك تلك البشاعة تنهش في أجساد الكثيرين دون تدخل من مسؤول؟!!.