ربما كان المشروع الإصلاحي لسيف الإسلام القذافي للانتقال من «ليبيا الثورة» إلى «ليبيا الدولة» أكثر الجوانب غموضا في مشوار «سيف» من باب العزيزية إلى سجن الزنتان.. والتبس الأمر على الكثيرين في الداخل والخارج: هل هو محاولة شاب لإصلاح ما أفسده أبوه أم حلقة من فساد الأب عهد بها إلى ابنه الذي جهز منذ البداية لأداء هذا الدور؟ وفي الحلقة الماضية حاولت «عكاظ الأسبوعية» إجلاء الحقيقة والوهم في مشروع سيف الإسلام الإصلاحي.. ولم تكن المحصلة مفاجئة، كانت فقط مرجحة لأحد الاحتمالين.. حيث أكد أحد رموز المعارضة الليبية التي استهدفها المشروع الإصلاحي أنه كان فقط «لزوم التوريث» ومحاولة لإطالة عمر نظام القذافي الذي ظل جاثما على صدر الشعب الليبي أكثر من 40 عاما.. وقال السيد حسن الأمين عضو المؤتمر الوطني الليبي المستقيل إن إخراج المعتقلين من السجون كان مجرد صفقة بين سيف الإسلام والإخوان المسلمين تمكن بمقتضاها سيف الإسلام من إحداث شرخ في صفوف المعارضة وضمن بها الإخوان تأمين مستقبلهم.. وأكد الأمين: أن سيف لم يكن مختلفا عن والده معمر القذافي إلا بأنه قرأ (أي درس) في أوروبا وليس كل من يدرس في أوروبا يمكن أن يكون مصلحا.. وقال أيضا إن ما سمي بالمشروع الإصلاحي لم يكن سوى أكاذيب روجها النظام دون عمق أو رغبة حقيقية في التغيير، وباختصار كان مشروعا للتوريث وليس للإصلاح.
وعن كذبة مشروع «إعادة المبعوثين الليبيين في الخارج» قال الأمين إن سيف الإسلام استهدف الشريحة غير المسيسة وقدم لهم بعض المغريات والتسهيلات حتى يقال إنه أقنع المعارضة في الخارج بالعودة إلى الوطن، رغم أن هؤلاء لم يكونوا يوما معارضين وكانوا يذهبون إلى ليبيا بشكل دوري.. ويبقى سؤال آخر عن الصفقات التي عقدها سيف الإسلام ولصالح من؟.. وهو ما تسعى «عكاظ الأسبوعية» في هذه الحلقة إلى الإجابة عليه.
صفقات واتفاقيات
شكلت الاتفاقيات والصفقات التي شارك فيها سيف الإسلام القذافي في بلورة وضع مميز على الساحة العالمية، وجعلت منه عاملا فعالا في رسم السياسة الخارجية لبلاده خاصة أن تلك الصفقات والاتفاقيات كان غالبيتها يتعلق بالخارج، مثل إنهاء أزمات تفجير الملهى الليلي في ألمانيا، إنهاء أزمة لوكيربي، قضايا تتعلق بالتخلص من الأسلحة الكيمائية والبرنامج النووي الليبي، وبينما يرى البعض أن هذه الصفقات ساهمت في رفع الحصار الظالم عن ليبيا، ومهدت لعودتها مرة أخرى للعلاقات الدولية، ومحت صورة النظام بصفته داعما للإرهاب على المستوى الدولي، يؤكد الكثيرون أن كل الصفقات التي قام بها سيف الإسلام كانت أخطاء أساسية وقع فيها النظام، وأن سيف من خلال تلك التسويات سعى لتسويق نفسه كوريث للحكم بعد أبيه.
صفقة اليورانيوم
قالت برقية أمريكية سربها موقع ويكيليكس إن سيف الإسلام القذافي أخبر السفير الأمريكي في ليبيا في 27 نوفمبر 2009 بأن بلاده أوقفت الإفراج عن شحنة اليورانيوم العالي التخصيب الأخيرة لأنها ضاقت ذرعا ببطء تطور العلاقات الثنائية بين ليبيا والولايات المتحدة، وتلكؤ تنفيذ الوعود التي تلقتها ليبيا لقاء تخليها عن برامج أسلحتها للدمار الشامل.
وتقول البرقية إن سيف الإسلام قال إن ليبيا لم تمنح التعويضات التي وعدت بها لقاء تخليها عن برامج أسلحة الدمار الشامل ومن ضمنها التعاون العسكري والأمني والتكنولوجيا النووية للاستخدام السلمي والدعم الاقتصادي المتمثل بإلغاء الازدواج الضريبي وأمور اقتصادية أخرى. وأوضح أن بلاده الغنية ولكن الصغيرة سكانا محاطة بجيران أفقر منها ولكنهم أكبر وأقدر، ورغم أنها البلد الوحيد في المنطقة الموقع على اتفاقية التحكم في التقنيات الصاروخية، فإنها لم تحصل على معدات عسكرية من الولايات المتحدة تعويضا عن برامج الصواريخ التي تخلت عنها، وضرب مثلا بمصر وهي بلد كبير مجاور يحصل على مساعدات أمريكية ضخمة ودعم عسكري، ولكنها ليست مطالبة بما تطالب به ليبيا.
مدرعات «تايجر»
وتنقل البرقية عن سيف الإسلام «حتى الآن بعد سبع سنوات من تخلي ليبيا عن برامج أسلحة الدمار الشامل لا يزال هناك حظر عليها، وضرب مثلا بمدرعات «تايجر» التي لا تستطيع بلاده شراءها لتحفظات أمريكية. وطالبت ليبيا حسب البرقية، بضمانات رفيعة المستوى لتأكيد عزم الولايات المتحدة على تطوير العلاقات الثنائية وأن ذلك يجب أن يكون على شكل رسائل إلى الزعيم الليبي معمر القذافي نفسه لكي يتم الإفراج عن شحنة اليورانيوم العالي التخصيب المزمع إرسالها إلى روسيا». وتنسب البرقية إلى سيف الإسلام ادعاءه أنه عاد لتسلم الملف الأمريكي وأن والده لا يريد العودة إلى المربع الأول في العلاقة مع الولايات المتحدة، ويريد تطوير علاقة إيجابية مع الجانب الأمريكي. كما أوضح سيف الإسلام للسفير الأمريكي أن قرار ليبيا التخلي عن أسلحة الدمار الشامل كان مقرونا بعدة مكافآت ويجب أن تلبى.
الطريق الخطأ
وأوضح السفير الأمريكي بدوره لسيف الإسلام خطورة الموقف، وأشار إلى أن الحكومة الليبية قد اختارت الطريق الخطأ في الإعراب عن استيائها، وتكمل البرقية بالنقل عن السفير الأمريكي أن العراقيل التي انتابت العلاقة الليبية الأمريكية كانت بسبب الخطوات السياسية الخاطئة والبيروقراطية العقيمة. وقال السفير الأمريكي في ليبيا لسيف الإسلام إنه سيحاول أن يطلب من حكومة بلاده تلبية طلب القذافي، ولكنه شدد على أن شحنة اليورانيوم يجب أن لا تكون بأي شكل من الأشكال رهينة انتظار وصول الضمانات التي يطالب بها الزعيم الليبي.
السفير أوضح لسيف الإسلام أن استمرار حجز شحنة اليورانيوم يأتي في وقت حرج يقوم فيه المجتمع الدولي بجهود نزع السلاح مع إيران، وندد بطريقة تعامل المسؤولين الليبيين مع نظرائهم الأمريكيين، حيث قال إنهم يتعمدون عدم التواصل مع أحد عندما تكون هناك مشكلة بحاجة إلى حل، وإن ذلك ليس السبيل نحو التوصل إلى علاقة طيبة مع الولايات المتحدة.
صفقات مع إسرائيل
تحدث سيف الإسلام بنفسه عن صفقة مع إسرائيل لإطلاق سراح سجناء فلسطينيين مقابل إسرائيلي أفرج عنه بعد أن أمضى خمسة أشهر سجينا في ليبيا، وقال سيف الإسلام «من الأفضل اطلاق سراح مساجين من بين إخوتنا وأخواتنا في فلسطين من ترك إسرائيلي في سجوننا»، وكان رفائيل حداد، الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية والتونسية اعتقل بعد التقاطه صورا لمبانٍ يهودية قديمة في ليبيا لحساب جمعية تاريخية يهودية مقرها في إسرائيل وأفرج عن حداد، الذي اتهمته وسائل إعلام ليبية بالتجسس، وسمح له بمغادرة ليبيا لكن سيف الإسلام وفي سبيل تحسين صورته للغرب قال إن «حداد لم يكن جاسوسا. الإسرائيليون لا يرسلون جاسوسا إسرائيليا وخاصة باسم يهودي على جوازه»، وقال إنه كان في مهمة ثقافية، لكن سيف الإسلام قال إن بلاده استفادت من إطلاق سراح الإسرائيلي مقابل عدد من الفلسطينيين. وقد أشاد وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان الذي عرف بسلاطة لسانه وبذاءة هجومه بموقف ليبيا في المفاوضات التي أسفرت عن إطلاق سراح حداد، وقال «إن الليبيين تصرفوا بطريقة مسؤولة جدا. مطالبهم كانت معقولة جدا ومنطقية»، وقال ليبرمان إن الإفراج عنه كان ثمرة مفاوضات معقدة وسرية واستنادا إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن هذه المفاوضات جرت عبر رجل الأعمال النمساوي مارتن شلاف المعروف بأنه صديق لسيف الإسلام أثناء دراسة سيف الإسلام في النمسا.
صفقه سفينة الأمل
قال سيف الإسلام القذافي عام 2009 إن مؤسسته أبرمت صفقة تاريخية ناجحة، مقابل توجيه سفينة الأمل للمساعدات إلى ميناء العريش بمصر بدلا من التوجه إلى قطاع غزة وذلك أثناء الحصار الإسرائيلي لغزة والذي أعقب حرب 2008 - 2009. وأضاف أن الصفقة التي تمت عبر مسؤولين في الحكومتين المصرية والإسرائيلية، تقضي بالسماح لمؤسسة القذافي التي يترأسها بالبدء في مشروع طموح لإعادة الإعمار في قطاع غزة، يتم بموجبه إدخال مواد البناء التي كانت إسرائيل تعترض بشدة على دخولها القطاع.
كما سافرت سفينة الأمل التي سيرتها مؤسسة القذافي رحلتها إلى ميناء العريش المصري بدلا من الوصول مباشرة إلى غزة في إطار الصفقة. وقال سيف الإسلام: «حصلنا على العنب.. فلماذا نقتل الناطور؟»، في إشارة إلى أن هدفه قد تحقق دون أن يكون هناك ضحايا. وأوضح أنه تلقى ترحيبا من الإدارة الأمريكية بهذا الاتفاق، لكنه أبدى في المقابل استياء واضحا من حركتي فتح وحماس وقال إن الطرفين حاولا مع الأسف استخدام سفينة المساعدات الليبية لتحقيق أهداف سياسية خاصة بهما على حساب الشعب الفلسطيني.
زيارة خاطفة
كتبت الكثير من الصحف العربية والدولية نقلا عن مصادر دبلوماسية وثيقة الاطلاع على الجانب الحكومي الليبي أن سيف الإسلام، قام في بداية شهر مارس 2011 بزيارة خاطفة إلى إسرائيل لطلب المساعدة لإنقاذ النظام وحسب تلك المصادر فإن العلاقة بين سيف الإسلام وإسرائيل تطورت كثيرا خلال ثورة 17 فبراير وسط أنباء عن تولي شركات أمنية إسرائيلية نشطة في تشاد تجنيد مرتزقة وإرسالهم إلى ليبيا محققة مكاسب بمليارات الدولارات لمساعدة نظام القذافي قبل السقوط. وطلب سيف الإسلام حسب بعض وسائل الإعلام من قيادات أمنية إسرائيلية رفيعة مساعدات عسكرية في مجالات الذخائر وأجهزة المراقبة الليلية فضلا عن صور بالأقمار الصناعية.
صفقة لوكيربي
في خطاب شهير لسيف الإسلام القذافي قال فيه إنه يهنئ الشعب الليبى بعودة عبدالباسط المقرحي من بريطانيا بعد أن كان يقضي عقوبة هناك بعد أن أدانته المحكمة بالوقوف وراء إسقاط طائرة بها 288 راكبا فوق قرية لوكيربي بإسكتلندا، وكان هذا الخطاب نهاية مفاوضات شاقة دفعت فيها ليبيا ما يقرب من ثلاثة مليارات دولار لضحايا الحادث، وقال سيف الإسلام، إن ليبيا مارست ضغوطا على الحكومة البريطانية لتضمين عبدالباسط المقرحي، المدان بتفجير طائرة «بان آم» الأمريكية في بلدة لوكيربي الأسكتلندية في 1988، مقابل اتفاقات تجارية بين البلدين عام 2007، وأن رفض الأخيرة للطلب أغضب الحكومة الليبية.
وقد أدت هذه الصفقة لجدل كبير في الأوساط الغربية والعربية على السواء، لأن هناك من قال إن الصفقة جاءت بعد تعهدات ليبية بتسهيلات في النفط للحكومة والشركات البريطانية من أجل إطلاق سراح عبدالباسط المقرحي.
وأشار سيف الإسلام إلى أن التفاوض بشأن المقرحي دام سبعة أعوام، ورغم عدم الإشارة له ضمنيا إلا أنه كان جانبا من مفاوضات نظامية بين البلدين تناولت قضايا أمنية والنفط، ورغم أن ما قيل عن أسباب إنسانية وليس صفقات تجارية وراء إطلاق المقرحي، وقال سيف الإسلام وقتها «الأمر واضح، الرجل مريض ومصاب بالسرطان ولذلك اتخذوا هذا القرار وأعتقد أنه قرار صائب»، وقد اعترف وزير العدل البريطاني في ذلك الوقت جاك سترو، بأن الإفراج عن المدان في قضية لوكيربي مرتبط بالنفط.
ونقلت صحيفة «ديلي تلغراف» عنه قوله إنه غير نادم على إدراج المقرحي في الاتفاق مع الليبيين، في تناقض مع تمسك رئيس الوزراء البريطاني، جوردون براون آنذاك بأن عقود النفط لم تكن عاملا في إطلاق سراحه.
على الجانب الآخر يبرر من عملوا مع سيف الإسلام هذه الصفقات، وقالوا إن الدولة كانت المستفيد الأول من إنهاء الأزمات الخارجية لليبيا.
صفقة الممرضات
كشفت برقية سرية للمخابرات الأمريكية سربها موقع «ويكيليكس»، النقاب عن تفاصيل صفقة سرية جرت بين سيف الإسلام والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، انتهت بالإفراج عن الممرضات البلغاريات الخمس. وتضمنت الوثيقة السرية حديثا جرى بين مسؤول أمريكي وآخر فرنسي كان يشغل منصب مستشار لدى ساركوزي وأوضحت البرقية التي حملت تاريخ 10 سبتمبر 2007، أن بوريس بويون، وهو المستشار السابق لدى ساركوزي، والذي يشغل حاليا منصب سفير باريس في تونس، أخبر مسؤولا أمريكيا بشأن خلفيات وأسرار ما عرف بصفقة الممرضات البلغاريات الخمس المحتجزات لسنوات في ليبيا بتهمة حقن أطفال ليبيين بدماء ملوثة بالسيدا (الإيدز)، حيث أوضح بويون الذي أشرف على عملية إطلاق سراح الممرضات، أن صفقات أسلحة كبيرة وقعتها فرنسا وليبيا، مقابل إطلاق السلطات الليبية سراح الممرضات البلغاريات، لدرجة أن تلك الصفقات كانت مذهلة حتى بالنسبة لساركوزي الذي كان في قمة سعادته حينذاك، وجاء في البرقية ما مفاده أن الحكومة الفرنسية لم تكن على علم بتفاصيل صفقة التسليح، وهو ما يعني أن ساركوزي انفرد باتخاذ القرار، رفقة المجمع الأوروبي لصناعة الأسلحة «ايدز»، قبل أن تنطلق سلسلة تحريات قامت بها لجنة تحقيق من البرلمان الفرنسي، انتهت إلى طريق مسدود، ليضيف بويون -حسب نفس البرقية- أنه كان مستعدا للإدلاء بشهادته حول الموضوع أمام لجنة التحقيق، لكنه لم يتم استدعاؤه لأسباب يجهلها هو شخصيا، وتطرقت البرقية إلى الدور الذي لعبته الزوجة السابقة لساركوزي سيسليا، قبل طلاقهما، مضيفا أنه قام برفقتها بزيارة ليبيا ومرافقة الممرضات الخمس نحو العاصمة البلغارية صوفيا، مشيرا إلى أن ساركوزي ظهر في الأخير بمظهر البطل في كامل أنحاء فرنسا وفي أوروبا بشكل عام، بعد نجاحه في إنهاء قضية إنسانية دامت سنوات، وأضافت البرقية أن المستشار السابق بالرئاسة الفرنسية اعترف بأن الكثير من الأسرار بين ليبيا وساركوزي ما تزال قيد الكتمان، كون الكثير من نقاط الظل في قضية الإفراج عن الممرضات وصفقة التسليح ما تزال خافية على العيان، لتشير البرقية إلى وجود رائحة فساد في القضية.
وعن كذبة مشروع «إعادة المبعوثين الليبيين في الخارج» قال الأمين إن سيف الإسلام استهدف الشريحة غير المسيسة وقدم لهم بعض المغريات والتسهيلات حتى يقال إنه أقنع المعارضة في الخارج بالعودة إلى الوطن، رغم أن هؤلاء لم يكونوا يوما معارضين وكانوا يذهبون إلى ليبيا بشكل دوري.. ويبقى سؤال آخر عن الصفقات التي عقدها سيف الإسلام ولصالح من؟.. وهو ما تسعى «عكاظ الأسبوعية» في هذه الحلقة إلى الإجابة عليه.
صفقات واتفاقيات
شكلت الاتفاقيات والصفقات التي شارك فيها سيف الإسلام القذافي في بلورة وضع مميز على الساحة العالمية، وجعلت منه عاملا فعالا في رسم السياسة الخارجية لبلاده خاصة أن تلك الصفقات والاتفاقيات كان غالبيتها يتعلق بالخارج، مثل إنهاء أزمات تفجير الملهى الليلي في ألمانيا، إنهاء أزمة لوكيربي، قضايا تتعلق بالتخلص من الأسلحة الكيمائية والبرنامج النووي الليبي، وبينما يرى البعض أن هذه الصفقات ساهمت في رفع الحصار الظالم عن ليبيا، ومهدت لعودتها مرة أخرى للعلاقات الدولية، ومحت صورة النظام بصفته داعما للإرهاب على المستوى الدولي، يؤكد الكثيرون أن كل الصفقات التي قام بها سيف الإسلام كانت أخطاء أساسية وقع فيها النظام، وأن سيف من خلال تلك التسويات سعى لتسويق نفسه كوريث للحكم بعد أبيه.
صفقة اليورانيوم
قالت برقية أمريكية سربها موقع ويكيليكس إن سيف الإسلام القذافي أخبر السفير الأمريكي في ليبيا في 27 نوفمبر 2009 بأن بلاده أوقفت الإفراج عن شحنة اليورانيوم العالي التخصيب الأخيرة لأنها ضاقت ذرعا ببطء تطور العلاقات الثنائية بين ليبيا والولايات المتحدة، وتلكؤ تنفيذ الوعود التي تلقتها ليبيا لقاء تخليها عن برامج أسلحتها للدمار الشامل.
وتقول البرقية إن سيف الإسلام قال إن ليبيا لم تمنح التعويضات التي وعدت بها لقاء تخليها عن برامج أسلحة الدمار الشامل ومن ضمنها التعاون العسكري والأمني والتكنولوجيا النووية للاستخدام السلمي والدعم الاقتصادي المتمثل بإلغاء الازدواج الضريبي وأمور اقتصادية أخرى. وأوضح أن بلاده الغنية ولكن الصغيرة سكانا محاطة بجيران أفقر منها ولكنهم أكبر وأقدر، ورغم أنها البلد الوحيد في المنطقة الموقع على اتفاقية التحكم في التقنيات الصاروخية، فإنها لم تحصل على معدات عسكرية من الولايات المتحدة تعويضا عن برامج الصواريخ التي تخلت عنها، وضرب مثلا بمصر وهي بلد كبير مجاور يحصل على مساعدات أمريكية ضخمة ودعم عسكري، ولكنها ليست مطالبة بما تطالب به ليبيا.
مدرعات «تايجر»
وتنقل البرقية عن سيف الإسلام «حتى الآن بعد سبع سنوات من تخلي ليبيا عن برامج أسلحة الدمار الشامل لا يزال هناك حظر عليها، وضرب مثلا بمدرعات «تايجر» التي لا تستطيع بلاده شراءها لتحفظات أمريكية. وطالبت ليبيا حسب البرقية، بضمانات رفيعة المستوى لتأكيد عزم الولايات المتحدة على تطوير العلاقات الثنائية وأن ذلك يجب أن يكون على شكل رسائل إلى الزعيم الليبي معمر القذافي نفسه لكي يتم الإفراج عن شحنة اليورانيوم العالي التخصيب المزمع إرسالها إلى روسيا». وتنسب البرقية إلى سيف الإسلام ادعاءه أنه عاد لتسلم الملف الأمريكي وأن والده لا يريد العودة إلى المربع الأول في العلاقة مع الولايات المتحدة، ويريد تطوير علاقة إيجابية مع الجانب الأمريكي. كما أوضح سيف الإسلام للسفير الأمريكي أن قرار ليبيا التخلي عن أسلحة الدمار الشامل كان مقرونا بعدة مكافآت ويجب أن تلبى.
الطريق الخطأ
وأوضح السفير الأمريكي بدوره لسيف الإسلام خطورة الموقف، وأشار إلى أن الحكومة الليبية قد اختارت الطريق الخطأ في الإعراب عن استيائها، وتكمل البرقية بالنقل عن السفير الأمريكي أن العراقيل التي انتابت العلاقة الليبية الأمريكية كانت بسبب الخطوات السياسية الخاطئة والبيروقراطية العقيمة. وقال السفير الأمريكي في ليبيا لسيف الإسلام إنه سيحاول أن يطلب من حكومة بلاده تلبية طلب القذافي، ولكنه شدد على أن شحنة اليورانيوم يجب أن لا تكون بأي شكل من الأشكال رهينة انتظار وصول الضمانات التي يطالب بها الزعيم الليبي.
السفير أوضح لسيف الإسلام أن استمرار حجز شحنة اليورانيوم يأتي في وقت حرج يقوم فيه المجتمع الدولي بجهود نزع السلاح مع إيران، وندد بطريقة تعامل المسؤولين الليبيين مع نظرائهم الأمريكيين، حيث قال إنهم يتعمدون عدم التواصل مع أحد عندما تكون هناك مشكلة بحاجة إلى حل، وإن ذلك ليس السبيل نحو التوصل إلى علاقة طيبة مع الولايات المتحدة.
صفقات مع إسرائيل
تحدث سيف الإسلام بنفسه عن صفقة مع إسرائيل لإطلاق سراح سجناء فلسطينيين مقابل إسرائيلي أفرج عنه بعد أن أمضى خمسة أشهر سجينا في ليبيا، وقال سيف الإسلام «من الأفضل اطلاق سراح مساجين من بين إخوتنا وأخواتنا في فلسطين من ترك إسرائيلي في سجوننا»، وكان رفائيل حداد، الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية والتونسية اعتقل بعد التقاطه صورا لمبانٍ يهودية قديمة في ليبيا لحساب جمعية تاريخية يهودية مقرها في إسرائيل وأفرج عن حداد، الذي اتهمته وسائل إعلام ليبية بالتجسس، وسمح له بمغادرة ليبيا لكن سيف الإسلام وفي سبيل تحسين صورته للغرب قال إن «حداد لم يكن جاسوسا. الإسرائيليون لا يرسلون جاسوسا إسرائيليا وخاصة باسم يهودي على جوازه»، وقال إنه كان في مهمة ثقافية، لكن سيف الإسلام قال إن بلاده استفادت من إطلاق سراح الإسرائيلي مقابل عدد من الفلسطينيين. وقد أشاد وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان الذي عرف بسلاطة لسانه وبذاءة هجومه بموقف ليبيا في المفاوضات التي أسفرت عن إطلاق سراح حداد، وقال «إن الليبيين تصرفوا بطريقة مسؤولة جدا. مطالبهم كانت معقولة جدا ومنطقية»، وقال ليبرمان إن الإفراج عنه كان ثمرة مفاوضات معقدة وسرية واستنادا إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن هذه المفاوضات جرت عبر رجل الأعمال النمساوي مارتن شلاف المعروف بأنه صديق لسيف الإسلام أثناء دراسة سيف الإسلام في النمسا.
صفقه سفينة الأمل
قال سيف الإسلام القذافي عام 2009 إن مؤسسته أبرمت صفقة تاريخية ناجحة، مقابل توجيه سفينة الأمل للمساعدات إلى ميناء العريش بمصر بدلا من التوجه إلى قطاع غزة وذلك أثناء الحصار الإسرائيلي لغزة والذي أعقب حرب 2008 - 2009. وأضاف أن الصفقة التي تمت عبر مسؤولين في الحكومتين المصرية والإسرائيلية، تقضي بالسماح لمؤسسة القذافي التي يترأسها بالبدء في مشروع طموح لإعادة الإعمار في قطاع غزة، يتم بموجبه إدخال مواد البناء التي كانت إسرائيل تعترض بشدة على دخولها القطاع.
كما سافرت سفينة الأمل التي سيرتها مؤسسة القذافي رحلتها إلى ميناء العريش المصري بدلا من الوصول مباشرة إلى غزة في إطار الصفقة. وقال سيف الإسلام: «حصلنا على العنب.. فلماذا نقتل الناطور؟»، في إشارة إلى أن هدفه قد تحقق دون أن يكون هناك ضحايا. وأوضح أنه تلقى ترحيبا من الإدارة الأمريكية بهذا الاتفاق، لكنه أبدى في المقابل استياء واضحا من حركتي فتح وحماس وقال إن الطرفين حاولا مع الأسف استخدام سفينة المساعدات الليبية لتحقيق أهداف سياسية خاصة بهما على حساب الشعب الفلسطيني.
زيارة خاطفة
كتبت الكثير من الصحف العربية والدولية نقلا عن مصادر دبلوماسية وثيقة الاطلاع على الجانب الحكومي الليبي أن سيف الإسلام، قام في بداية شهر مارس 2011 بزيارة خاطفة إلى إسرائيل لطلب المساعدة لإنقاذ النظام وحسب تلك المصادر فإن العلاقة بين سيف الإسلام وإسرائيل تطورت كثيرا خلال ثورة 17 فبراير وسط أنباء عن تولي شركات أمنية إسرائيلية نشطة في تشاد تجنيد مرتزقة وإرسالهم إلى ليبيا محققة مكاسب بمليارات الدولارات لمساعدة نظام القذافي قبل السقوط. وطلب سيف الإسلام حسب بعض وسائل الإعلام من قيادات أمنية إسرائيلية رفيعة مساعدات عسكرية في مجالات الذخائر وأجهزة المراقبة الليلية فضلا عن صور بالأقمار الصناعية.
صفقة لوكيربي
في خطاب شهير لسيف الإسلام القذافي قال فيه إنه يهنئ الشعب الليبى بعودة عبدالباسط المقرحي من بريطانيا بعد أن كان يقضي عقوبة هناك بعد أن أدانته المحكمة بالوقوف وراء إسقاط طائرة بها 288 راكبا فوق قرية لوكيربي بإسكتلندا، وكان هذا الخطاب نهاية مفاوضات شاقة دفعت فيها ليبيا ما يقرب من ثلاثة مليارات دولار لضحايا الحادث، وقال سيف الإسلام، إن ليبيا مارست ضغوطا على الحكومة البريطانية لتضمين عبدالباسط المقرحي، المدان بتفجير طائرة «بان آم» الأمريكية في بلدة لوكيربي الأسكتلندية في 1988، مقابل اتفاقات تجارية بين البلدين عام 2007، وأن رفض الأخيرة للطلب أغضب الحكومة الليبية.
وقد أدت هذه الصفقة لجدل كبير في الأوساط الغربية والعربية على السواء، لأن هناك من قال إن الصفقة جاءت بعد تعهدات ليبية بتسهيلات في النفط للحكومة والشركات البريطانية من أجل إطلاق سراح عبدالباسط المقرحي.
وأشار سيف الإسلام إلى أن التفاوض بشأن المقرحي دام سبعة أعوام، ورغم عدم الإشارة له ضمنيا إلا أنه كان جانبا من مفاوضات نظامية بين البلدين تناولت قضايا أمنية والنفط، ورغم أن ما قيل عن أسباب إنسانية وليس صفقات تجارية وراء إطلاق المقرحي، وقال سيف الإسلام وقتها «الأمر واضح، الرجل مريض ومصاب بالسرطان ولذلك اتخذوا هذا القرار وأعتقد أنه قرار صائب»، وقد اعترف وزير العدل البريطاني في ذلك الوقت جاك سترو، بأن الإفراج عن المدان في قضية لوكيربي مرتبط بالنفط.
ونقلت صحيفة «ديلي تلغراف» عنه قوله إنه غير نادم على إدراج المقرحي في الاتفاق مع الليبيين، في تناقض مع تمسك رئيس الوزراء البريطاني، جوردون براون آنذاك بأن عقود النفط لم تكن عاملا في إطلاق سراحه.
على الجانب الآخر يبرر من عملوا مع سيف الإسلام هذه الصفقات، وقالوا إن الدولة كانت المستفيد الأول من إنهاء الأزمات الخارجية لليبيا.
صفقة الممرضات
كشفت برقية سرية للمخابرات الأمريكية سربها موقع «ويكيليكس»، النقاب عن تفاصيل صفقة سرية جرت بين سيف الإسلام والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، انتهت بالإفراج عن الممرضات البلغاريات الخمس. وتضمنت الوثيقة السرية حديثا جرى بين مسؤول أمريكي وآخر فرنسي كان يشغل منصب مستشار لدى ساركوزي وأوضحت البرقية التي حملت تاريخ 10 سبتمبر 2007، أن بوريس بويون، وهو المستشار السابق لدى ساركوزي، والذي يشغل حاليا منصب سفير باريس في تونس، أخبر مسؤولا أمريكيا بشأن خلفيات وأسرار ما عرف بصفقة الممرضات البلغاريات الخمس المحتجزات لسنوات في ليبيا بتهمة حقن أطفال ليبيين بدماء ملوثة بالسيدا (الإيدز)، حيث أوضح بويون الذي أشرف على عملية إطلاق سراح الممرضات، أن صفقات أسلحة كبيرة وقعتها فرنسا وليبيا، مقابل إطلاق السلطات الليبية سراح الممرضات البلغاريات، لدرجة أن تلك الصفقات كانت مذهلة حتى بالنسبة لساركوزي الذي كان في قمة سعادته حينذاك، وجاء في البرقية ما مفاده أن الحكومة الفرنسية لم تكن على علم بتفاصيل صفقة التسليح، وهو ما يعني أن ساركوزي انفرد باتخاذ القرار، رفقة المجمع الأوروبي لصناعة الأسلحة «ايدز»، قبل أن تنطلق سلسلة تحريات قامت بها لجنة تحقيق من البرلمان الفرنسي، انتهت إلى طريق مسدود، ليضيف بويون -حسب نفس البرقية- أنه كان مستعدا للإدلاء بشهادته حول الموضوع أمام لجنة التحقيق، لكنه لم يتم استدعاؤه لأسباب يجهلها هو شخصيا، وتطرقت البرقية إلى الدور الذي لعبته الزوجة السابقة لساركوزي سيسليا، قبل طلاقهما، مضيفا أنه قام برفقتها بزيارة ليبيا ومرافقة الممرضات الخمس نحو العاصمة البلغارية صوفيا، مشيرا إلى أن ساركوزي ظهر في الأخير بمظهر البطل في كامل أنحاء فرنسا وفي أوروبا بشكل عام، بعد نجاحه في إنهاء قضية إنسانية دامت سنوات، وأضافت البرقية أن المستشار السابق بالرئاسة الفرنسية اعترف بأن الكثير من الأسرار بين ليبيا وساركوزي ما تزال قيد الكتمان، كون الكثير من نقاط الظل في قضية الإفراج عن الممرضات وصفقة التسليح ما تزال خافية على العيان، لتشير البرقية إلى وجود رائحة فساد في القضية.