أثبتت العديد من الدراسات أن العنف الأسري يعتبر من أخطر أنواع العنف، وهو نمط من أنماط السلوك العدواني الذي يظهر فيه القوي سلطته وقوته على الضعيف باستخدام مختلف وسائل العنف سواء كان الاعتداء جسديا لفظيا أو معنويا وليس بالضرورة أن يكون الممارس للعنف في الأسرة هو أحد الزوجين وإنما الأقوى في الأسرة، وليس بالغريب أن يكون أحد الوالدين هو ضحية العنف خاصة العجزة وكبار السن والأشخاص من ذوي الإعاقة، وفي الغالب تكون المرأة هي الضحية الأولى ويتبعها الأطفال باعتبارهم الفئة الأضعف ما يترتب على تراكم هذه الممارسات أضرار بدنية ونفسية وصحية واجتماعية.
ويؤثر العنف الأسري على روابط الأسرة حيث يفككها وتنعدم الثقة بين أفرادها ويتلاشى الإحساس بالأمان وقد تنهار الأسرة بالطلاق لتتوسع هذه الآثار وتنعكس بتهديد الكيان المجتمعي بأسره.
أكد الخبير النفسي وعضو لجنة العنف الأسري والإيذاء بمستشفى عسير المركزي سلطان الثوبان لـ«عكاظ» أن العنف هو ممارسة القوة والإكراه بطريقة متعمدة من قبل فرد أو أكثر من أفراد الأسرة ضد فرد أو أكثر ويكون المجني عليه واقعا تحت سيطرة الجاني مما يلحق به الهلاك والضرر والأذى.
وأضاف: أسباب العنف الأسري تعود للجهل والبطالة والتسلط وإدمان المخدرات وأكثره في عسير ضد المرأة والطفل حيث يتعرض الطرفان للعنف الجسدي ويشمل الضرب والتشويه وإحداث إصابات في الجسم، كما أنها تتعرض للعنف الجنسي كالتحرش بالمحارم لاضطراب الهوية الجنسية في الطفولة واضطرابات الإيثار (التفضيل الجنسي) ويسمى الارتواء الجنسي، وأيضا الاعتداء النفسي كإرهاب المرأة والتحقير والإقصاء، إضافة للهيمنة على التصرف والاستيلاء على الأموال، وأيضا ضرب العزلة كحرمان المرأة من زيارة الأهل والأقارب، إضافة إلى تعنيف المرأة ضد الأطفال وبالمجمل العنف ضد المرأة يصدر من شخص يسمى في علم النفس «السادي المازوكي» أي التلذذ بالقسوة والإهانة، ويتخذ الجاني مراحل ضد الضحية التوتر والإيذاء ثم التراضي.
دراسات للوقاية
وقد كشفت دراسة حديثة عن ظاهرة العنف الأسري أعدها رئيس الجمعية الخيرية لرعاية الأسر السعودية بالخارج (أواصر) الدكتور توفيق السويلم، أن الوقاية منه تستلزم تطبيق استراتيجيتين، أولاهما ضبط السلوك من خلال السيطرة على الغضب لكلا طرفي العلاقة وتوجيه التفكير صوب كيفية إصلاح الشأن والتغيير من انفعاله والإقناع بالحسنى واختيار الهدوء واتخاذ الإجراء المناسب البعيد تماما عن العنف والاحترام المتبادل من خلال تفهم القضايا التي تثير الحساسية والمشكلات، والثانية التزام أفراد الأسرة بمبدأ الحق والواجب من خلال المحافظة على الحقوق والواجبات المشتركة بين الزوجين كالعشرة والمعروف وتلبية الحاجة الفطرية والاحترام المتبادل وكذلك تفهم موقف الطرف الآخر، ومن حقوق الزوج على زوجته الطاعة والقيام بواجباتها الزوجية والأسرية.
وأكدت الدراسة أنه يجب مواجهة العنف الأسري من خلال تفهم الحوار السليم وضبط السلوك وهذه العمليات تحتاج إلى تدريب ومهارة من قبل الشخص الممارس للعنف، وبطبيعة الحال، يقول السويلم «نحن لا نتحدث عن الشخصية المرضية، وإنما عن الحالات التي يحدث العنف فيها نتيجة الغضب وعدم القدرة على ضبط السلوك بحيث يشعر الشخص المعنف بالذنب بعد أن يقدم على سلوكه».
وأشارت الدراسة إلى أن العنف له أسباب عديدة اقتصادية، اجتماعية، نفسية، ثقافية، دينية، مذهبية، والانحراف في التربية والسلوك الاجتماعي والمخدرات، مضيفة أن التمسك بالشرع وتنفيذ النظام لهما الأثر الفاعل في وقف العنف عامة والحد من الضرر.
وأكدت الدراسة إن الفئات الاكثر عرضة للعنف الأسري هي الاطفال والنساء والمسنون والعجزة والمعوقون لعدم قدرتهم على الدفاع عن النفس، مشيرة إلى أن الانفتاح الإعلامي والتطور التكنولوجي يؤدي إلى التعرف على ثقافات جديدة قد تساهم في تنامي المشاكل العائلية التي تزيد ظاهرة العنف الأسري.
أنواع العنف
وتشمل أنواع العنف على الأطفال الإساءة الجنسية والإساءة الجسدية وإساءة المعاملة وإهمال الطفل، ومن الأمثلة طفل معنف يبلغ من العمر أربع سنوات، تم إحضاره إلى مستشفى عسير، كان يقول لوالده لا تضربني يا أبي فالتفاهم أفضل، فيما طفل آخر كان يطالب والده بعد تعنيفه بأنه يرغب في زيارة والدته «المطلقة» ويقول لماذا لا أزور والدتي.
والآثار النفسية التي تعود على الطفل المعنف: ضعف القدرات العقلية والجمود أثناء الجلوس أو المشي والعزلة الاجتماعية والاكتئاب والقلق والتبول اللا إرادي والأحلام المزعجة والانحراف في سن الطفولة أو المراهقة والخجل أو التعلق غير الناضج بالأشخاص وتعاطي الكحول والمخدرات في عمر مبكر ومشاكل اضطراب النطق، والخوف، إضافة للعصبية الدائمة وضعف الثقة في النفس وقلة التركيز، الرغبة في الهروب من المنزل أو البقاء لفترات طويلة عند الأقارب وعودة الذكريات، وتفادي الحديث عن الحادثة مما يؤثر على أداء الطفل لحياته اليومية.
أما آثار الاعتداء الجنسي فينتج عنها الحساسية الزائدة والنظرة الدونية للذات والجسد والإسراف في ممارسة العادة السرية، إضافة للسعي للحصول على رضى الآخرين والشعور بالذنب والمسؤولية عما حدث (عقدة أوديب)، وفقدان الرغبة الجنسية، ومن آثارها أيضا أعراض نفسية جسدية مثل التوتر والصداع.
ويشرح الخبير النفسي وعضو لجنة العنف الأسري والإيذاء بمستشفى عسير المركزي سلطان الثوبان العنف ضد الطفل ومن أسبابه عوامل فردية منها المرتبطة بالطفل كالأطفال ذوي المشاكل السلوكية والأطفال الخدج والطفل غير المرغوب به من قبل الأسرة والطفل المصاب بالأمراض المزمنة والإعاقات، وأما عوامل المعتدي على الأطفال فشخص سريع الغضب أو وجود سجل إجرامي وضعف الوازع الديني والمشاكل النفسية حيث تعرض الجاني لإساءات في الطفولة كتعاطي الخمور والمخدرات أو تعرضه لعنف في الصغر.
وأشار إلى أن الإساءة للطفل تؤدي إلى سلوك تدميري للنفس يقوم به المعتدي على الطفل ويشمل الرفض والعزل والرهيب والتجاهل وتؤدي بدورها إلى اعتلالات نفسية وعاطفية وسلوكية.
وحدات الحماية
وكشف الدكتور عبدالحميد الحبيب مدير عام الصحة النفسية والاجتماعية بوزارة الصحة، عن دراسة لإنشاء مركز وطني للصحة النفسية يتولى تنفيذ الأبحاث والإحصائيات والدراسات وقال: صدرت الموافقة على إنشاء وحدة للحماية من الإيذاء في وزارة الصحة لمتابعة حالات العنف الأسري التي ترد للمستشفيات وتتابع أداء وعمل لجان الحماية التي أنشئت في المستشفيات، موضحا أن الوزارة لديها آلية حديثة للحماية من العنف والإيذاء ولديها فرق تتعامل مع كافة الحالات المعنفة.
وأضاف: تم اعتماد مراكز حماية الطفل من العنف والإيذاء ويبلغ عددها (23) مركزا تقوم بالمساهمة في استقبال حالات العنف ضد الأطفال والتعامل معها ورصدها. وبين الدكتور الحبيب أن آخر إحصائية تم تسجيلها في المستشفيات من حالات العنف سواء للأطفال أو النساء أو الخادمات بلغت (1600) حالة، مشيرا إلى أن النسب تختلف بين عام وآخر إما بالزيادة أو النقصان.
ولفتت الدكتورة مها المنيف رئيس برنامج الأمان الأسري بالمملكة، عن وجود 41 فريقا في جميع مناطق المملكة تسجل حالات العنف ضد الأطفال في سجل وطني للحالات التي ترد إلى المستشفيات فقط، وطالبت الدكتورة المنيف بسرعة إيجاد نظام لحماية المستضعفين من الأسر مشيرة إلى نظامين لحماية الطفل والحد من الإيذاء، والنظامان ما زالت تتم دراستهما.
وأشارت الدكتورة المنيف إلى أنه تم إنشاء خط هاتف مجاني لمساندة الطفل ويرد على الاتصالات أخصائيات اجتماعيات وأخصائيات نفسيات مدربات لافتة إلى أنه تم استقبال 6000 مكالمة خلال العام الماضي على الرغم من أنه لم يتم الإعلان عن الخط بشكل رسمي.
دورات تربوية
ويرى الدكتور وجدي شفيق أستاذ الاجتماع والخبير في القضايا الأسرية ضرورة العناية بالإعداد الملائم للحياة الزوجية وتنظيم دورات تثقيفية تفيد في حل المشاكل الأسرية مع ايجاد دورات تربوية وبرامج إعلامية وتعليمية متخصصة في البناء الأسري وكيفية علاجها وأساليب وسبل الحد من انتشارها وطالب بتنفيذ ورش عمل وشراكات بين الجهات المختلفة سواء الاجتماعية أو التعليمة أو الصحية أو الحقوقية لتطوير قيم التسامح وتطوير قيم التعامل وإكساب المجتمع مهارات وثقافة التعامل بالمودة والرحمة تطبيقا لقوله تعالى (وجعلنا بينكم مودة ورحمة).
وكشف الدكتور وجدي في دراسة حديثة له عن قضايا العنف الأسري وكيفية علاجها وأساليب وسبل الحد من انتشارها في المجتمع السعودي عن قائمة بأبرز الخلافات بين الأسرة منها الظروف الاقتصادية والديون ونقص المال، القروض، الشيكات بدون رصيد، من أهم أسباب توتر العلاقات الأسرية وانعكاسها إضافة إلى أسباب أخرى مثل سوء تنظيم الوقت، والعمل وطبيعته ومكانه ووقته وتأخر الراتب، أوقات المرح والترفيه (اختلاف الأوقات)، العطف والمودة والاحتضان (فقدها)، تربية الأطفال، مشاكل المراهقين، الأهل، جو المنزل، الظروف المحيطة، ترتيب وهدوء البيت، وصيانة المنزل، صنع واتخاذ القرار، الأصدقاء، المعتقدات الدينية، القيم، الإدمان (الكحول، مخدرات، نت)، اضطرابات نفسية، أمراض باطنية أو عضوية، بطالة.
دوافع العنف
وبين الدكتور وجدي في دراسته أن أهم دوافع العنف الأسري: اما انها تكون دوافع ذاتية، او دوافع اقتصادية او دوافع اجتماعية، واوضحت دراسة استطلاعية حديثة بمدينة الرياض اعدتها الدكتورة منيرة بنت عبدالرحمن آل سعود بعنوان (ايذاء الاطفال.. اسبابه وخصائص المتعرضين له) ان المستشفيات تقوم بتبليغ الشرطة عن حالات الاساءة الى الطفل حيث يحضر الاهل الاطفال على انهم مصابون بحادث او اي مبرر آخر فيكتشف الفريق الطبي ان الطفل تعرض للايذاء ويبدأ بالتحري ومتابعة الحالة للوصول الى الحقيقة وتؤكد د. منيرة ان الاطفال لا يتعرضون للايذاء فقط من الام او الاب، بل من الخدم والمربيات اوالاقارب والجيران.
وتبين نتائج الدراسة ان اكثر انواع ايذاء الاطفال التي تعامل معها الممارسون هي حالات الايذاء البدني بنسبة تصل الى 91.5% ويليها حالات الاطفال المتعرضين للإهمال بنسبة 87.3% ثم حالات الايذاء النفسي، ويليها الايذاء الجنسي، ثم من يتعرضون لاكثر من نوع من الاذى من هذه الحالات التي تعامل معها الممارسون في المستشفيات.
وأكدت المستشارة الاجتماعية نورة آل الشيخ في ورقة عمل لها بعنوان عن العنف الأسري، أنه لا توجد إحصائيات يعتد بها عن هذه الظاهرة، ولكن يوجد إحساس عام على مستوى المجتمع، وعلى مستوى مراكز الخدمات الطبية يشير إلى تنامي هذه المشكلة مع مرور السنين، حتى أصبحت موضوعا مهما للعديد من المؤتمرات الطبية وأوضحت أن الدراسات الميدانية كشفت أن العنف الأسري بكل أنواعه ضد النساء والأطفال والخادمات وكبار السن في تزايد، وأن غالبية الحالات المسجلة تصل من طريق الشرطة، ما يتطلب وضع برامج احترافية لمواجهة ظاهرة تزايد العنف الأسري في المجتمع السعودي.