-A +A
علي حسن التواتي
سأقرأ في هذه المقالة الميزانية العامة السعودية الجديدة 1434/1435هـ من غير أرقام ــ قدر المستطاع ــ بغرض التبسيط، فالأرقام يمكن العودة إليها من مصادرها.
فهي ميزانية قياسية لم يشهد لها تاريخ البلاد مثيلا في تقديرات إيراداتها ونفقاتها. وفيها عودة للتوازن بين الإيرادات والمصروفات، بمعنى أنها ليست انكماشية ولا توسعية كما هو الحال في الميزانيات السابقة منذ 2004، ربما تحسبا للمتغيرات المستقبلية المتوقعة للعام القادم، والتي قد تؤثر على إيرادات المملكة النفطية سلبا أو إيجابا. وباستبعاد المتغيرات السياسية على المستويين الإقليمي والعالمي، نجد من المتغيرات الاقتصادية السلبية الأخرى التي قد تؤثر على دور المملكة كمنتج مرجح وداعم للسوق العالمية عند الحاجة، تزايد اكتفاء الولايات المتحدة الأمريكية من الزيت والغاز الصخري واحتمال عودة إيران لاستعادة كامل حصتها التصديرية في حال نجاح مفاوضاتها بشأن ملفها النووي مع الدول الكبرى، وكذلك الأمر بالنسبة لاحتمال تزايد الصادرات العراقية والليبية والنيجيرية، إضافة إلى تزايد استهلاك النفط السعودي محليا بنسب متصاعدة ما لم يتم الترشيد واستكمال شبكات المواصلات الموعودة وتنويع مصادر الطاقة المحلية من مصادر غير أحفورية.

أما المتغيرات الإيجابية، فتتمثل في إمكانية تزايد الطلب العالمي على النفط ومشتقاته بسبب الانتعاش الاقتصادي الذي تشهده الاقتصادات الكبرى، وفي مقدمتها الأمريكي، إضافة إلى إمكانية نجاح دول الأوبيك في التراضي على حصص إنتاجية جديدة يمكن أن تحمي السوق العالمية من الإغراق وتحافظ على تماسك الأسعار في حدود مقبولة، إضافة إلى إمكانية نجاح المملكة في سياساتها لتنويع مصادر الطاقة بتطبيقات جدية لاستخدامات الطاقة الشمسية والحرارية وطاقة الرياح.
وعلى كل حال، فإن ميزانية العام القادم وربما أعوام قادمة مدعومة باحتياطي متراكم منذ 2004 زاد على (ترليوني) ريال، ويمكن الاعتماد عليه ــ بإذن الله ــ في توفير الاستقرار اللازم لنفقات الميزانية وتجنيبها الهزات التي قد تعاني منها اقتصادات دول أخرى كثيرة.
وفي الميزانية، ما زالت التوقعات تشير إلى أن النسبة الكبرى من إيرادات الدولة تأتي من العائدات النفطية، وهذا ما يجب العمل على تلافيه مستقبلا من خلال خارطة طريق واضحة المعالم لتنويع مصادر الدخل من نشاطات منتجة أخرى بعيدة عن النفط وخامات المعادن وباقي منتجات القطاع الأولي، بتوقيتات وجداول زمنية واضحة.
أما على المستوى القطاعي، فما زالت التوقعات تشير إلى أن قطاعي التعليم والصحة سيستحوذان ــ على التوالي ــ على أكبر النسب من الإنفاق المدني في الميزانية.
وما زال التركيز مستمرا في الميزانية الجديدة على المشاريع التنموية طويلة الأجل في التعليم والتدريب والصحة والخدمات الاجتماعية والبلدية والتجهيزات الأساسية والنقل والزراعة والصناعة. فقد شهدت كل هذه المجالات مشاريع جديدة أو استكمالا لمشاريع قائمة.
أما الدين العام فقد انخفض بشكل كبير ولم يعد يشكل نسبة تذكر من الناتج المحلي مقارنة بأي دولة أخرى، خصوصا في مجموعة العشرين، ولكنه لم يتلاش تماما، ربما لصعوبة إغلاق بعض الحسابات الدائنة المحلية والدولية المرتبطة بعقود آجلة.
أما توقعات النمو الاقتصادي، فقد ارتفعت للعام القادم عن الحالي رغم انخفاض الناتج الوطني لهذا العام بشكل طفيف، ويؤيد هذا التوقع صندوق النقد الدولي الذي عدل تقديرات سابقة تعديلا إيجابيا. أما التضخم فيبدو من (بيانات الميزانية) أنه تمت السيطرة عليه بعد أن وصل ذروة ارتفاعه في أبريل الماضي، ليعود لحدود مقبولة رغم الاختناقات في توفر الوحدات السكنية وفي عدد من القطاعات الأخرى.
ويبقى أن نرجو من الله البركة في الرزق والتوفيق للقائمين على مصارف الميزانية الجديدة لتشمل بخيرها المواطنين جميعا، وبالله التوفيق.