-A +A
فؤاد محمد عمر توفيق
كثيراً ما تفتك الجراثيم بصحة الإنسان وتدمر قوته وتعصف بوظائف جسده وتهدد حياته. فالجرثومة أياً كانت لها بؤر تتوالد وتنتقل لتهاجم البدن الطيب. والواقع أن هناك جراثيم من أنواع أخرى تداهم ميادين كثيرة في الحياة والمجتمع.. ومنها - أيضاً - جراثيم تخريبية للفكر السليم.. وجراثيم عقائدية تقود للهلاك.. وجراثيم تسير ضد التطور.. إلى آخر ما هنالك من عقبات تعطل مسيرة البناء والتنمية.
إن من أهم تلك العقبات ما أسميه هنا «بجرثومة المركزية»، ولا يختلف اثنان على أن المركزية سبب رئيسي في قصور العديد من مشاريع التنمية. ولا أتوقف هنا عند مشاريع البناء.. وإنما في تنمية الإنسان في التعليم.. في الجامعات.. في المستشفيات.. في المعاملات الإجرائية.. في تراخيص البناء.. في تصاريح المصانع.. إلى آخر سلم متطلبات الحياة.

وإذا ما كان الحديث عن المشاريع التنموية.. فالأنظمة القائمة تناقض ذاتها.. بيد أنه عند الرغبة في إنشاء مشاريع عاجلة أو هامة.. يتجه القرار للتداول فيها من خلال مخارج تنفيذية خارج نطاق النظام المالي والإداري المعمول به.. وسواء للتعاقد المباشر مع شركات معينة.. أو أرامكو.. أو غيرها.. وتحت غطاء هيئة أو ما شابه ذلك للخروج من بوابة التعقيد.. ومادام الأمر كذلك.. والواقع يعترف بقصور الإجراءات المعتادة والتي تتحكم فيها مركزية القرار.. بيد أن الحل بات واضحاً وبيِّناً.. فلماذا لا يتم فض المركزية؟.. لينطلق الإبداع وتظهر الكفاءات.. وتنمو العقول.
وإذا ما أتينا بنفس المسؤول أو الفني أو المهندس ونقلناه من عمله تحت المركزية إلى عمل في المشاريع المستثناة تحت أنظمة لا مركزية.. لوجدناه مبدعاً ومنتجاً ومتفوقاً.. بما يعني أن «جرثومة المركزية» تدمر الكفاءات وتجمد إبداعها. ومن هنا لا يجب وضع اللوم في كافة حالات قصور مشاريع يجري تنفيذها تحت المركزية.. على أشخاص بعينهم.. بقدر ما يجب أن نبحث عن الأسباب ومعالجتها بحلول حضارية تؤدي للأهداف المنشودة.
ما سبق لا يعني أن كافة الإنجازات لم تصل لأهدافها.. وإنما كثير منها يتأخر.. أو حتى يتجمد.. وبعض منها قد يكون وصل لهدفه.. وربما لجرأة مسؤول أو آخر.. قد يأتيه فيما بعد لوم عوضاً عن تقدير.
والدعوة إلى اللا مركزية لا تتطلب أن تجري الأمور دون مراقبة أو تدقيق.. وإنما هي لمنح الفرصة للإبداع تحت ظروف مرنة تخضع للرقابة والمساءلة. وعلى نفس المنوال فالمركزية في الإجراءات الإدارية لكثير من الخدمات تستوجب الفرصة لتطويرها بهدف إبداع المهندس.. الطبيب.. والمعلم.. والجندي.. والتاجر.. والصانع.. والمفكر.. والمخترع.. و.. و..
حقاً.. فإن «جرثومة المركزية» مدمرة لخلايا الإبداع والتطوير وتنمية الوطن.. والإنسان..
والله ولي الأمر والتدبير..