-A +A
محمد الحربي
جميلة هي البرامج التي نسمع بها وتطالعنا بها الوزارات كل يوم، أسماء وعناوين رنانة تخال وأنت تقرأ عنها أنها كفيلة بالقضاء على كل مشاكل البلد، ويخال من يسجل فيها أنه يفرك مصباح علاء الدين، وأن المارد سيخرج عليه بمجرد ضغط زر التسجيل ليقول له: «شبيك لبيك الوظيفة بين ايديك»، إلا أن الواقع يقول: «كأنك يا ابو زيد ما غزيت»، ويتبخر الحلم كالفقاعة التي تنفجر بمجرد استيقاظ النائم في أفلام الكارتون.
بعض هذه البرامج، لمس البعض أثرها، مثل «حافز»، وبقي البعض الآخر يعاني الحسومات الشهرية والإلغاء؛ نتيجة عدم التحديث الأسبوعي، وكذلك البرامج الأخرى، لم يكن المسجلون فيها أوفر حظا، سواء «هدف» أو غيره.

لكن يبقى «جدارة» متفردا لوحده، هو عالم خاص من العجائب، قد تحصل فيه خريجة لم يمض على تخرجها من الجامعة أياما على وظيفة مناسبة جدا، وفي موقع لو أن مارد المصباح اختاره لها لما حصل لها على أحسن من هذا!!
فيما خريجة جامعية، وفي نفس التخصص، مضى على تخرجها أكثر من 15 عاما، وبلغت شهادتها سن اليأس، ما زالت تنتظر على رصيف البطالة منذ ذلك الحين وحتى اليوم.
ليس هذا وحسب، بل إنها مطالبة بالصرف على برنامج «جدارة» من حسابها الخاص، من خلال مطالبتها الدائمة بالاشتراك في خدمة الإنترنت وعدم الانقطاع عنها أبدا؛ لأنها لا تدري متى يباغتها طلب تحديث بياناتها في «جدارة»، والذي لا يفوته طبعا أن يهدد ويرعد ويزبد في أنه سيلقي بها خارج كل حسابته، ولن يكلف نفسه عناء الالتفات إليها من جديد، ما لم تحدث بيانتها «حتى لو لم يطرأ عليها أي تغيير منذ دخول الإنترنت إلى المملكة وحتى اليوم»، فإنه سيلقي بها خارج أسوار الحلم والأمل وكل الكلام الجميل الذي يمكن أن يقال لباحث عن الحياة فقط.
ومصيبة «جدارة» هذا، ليست في أنك إن لم تحدثي بيانتك سيتجاهل وجودك في الحياة وحسب، بل في أنه عندما يحدث هو شخصيا بياناته وشروطه قد يلقي بك خارج حساباته، دون أن يكلف نفسه عناء إخبارك أنه لم يعد لك وجود أصلا!!.
المطالبات التي كنا نتبناها ونسود بها صفحات الصحف منذ عقود خلت، بتفعيل الحكومة الإلكترونية، ما زلنا نتبناها ونطالب بتطوير البوابات الإلكترونية للوزارات وللجهات الخدمية، وخاصة تلك التي تمس قوت الناس وتشكل عصب حياتهم في شؤون التوظيف والسكن والصحة والمأكل والمشرب والنواحي الخدمية الأساسية، ونطالب بإنشاء مثل هذه البرامج وتفعيلها وتعاون كافة الوزارات لإنجاح أهدافها، وخاصة وزارة المالية في توفير كل ما يلزم لإنجاحها، وتفعيل دور وزارة التخطيط في فرض احتياج الوطن في كل الجوانب على كل الوزارات وإلزام وزارة المالية في توفير مخصصاتها، ومن ثم تفعيل دور الجهات الرقابية ومكافحة الفساد في مراقبتها وتقييم أدائها، هي سلسلة إجراءات من السهل تنفيذها في بلد له مثل إمكانات بلادنا.
ومن أبرز مشاكل الحكومة الإلكترونية، أنها تغيب دون عمد «ولكن لخلل في التخطيط» فئات لا تعرف كيف تتعامل مع الإنترنت، وفئات في بعض المناطق النائية والجبلية، ربما لم تسمع بالفاكس حتى الآن، ناهيك عن أن تكون قد سمعت بالإنترنت، فتحرم من امتيازات هذه البرامج والخدمات التي وفرتها الدولة لينعم بها الجميع بدون الشروط التعجيزية أحيانا التي يضعها بعض المسؤولين كبهارات صغيرة، إلا أنها تفسد طبخات كبيرة للأسف الشديد.
«الوظيفة» هاجس كل إنسان، وتوفير لقمة العيش، أبسط الأحلام وأعقدها على الإطلاق، وتقليص نسب البطالة هاجس كل حكومات الدنيا؛ لأن في ذلك تحقيقا للأمن وللتنمية معا، و«جدارة» في بلادنا هو البرنامج الحكومي المعني بهذا، ولا بد من إعادة النظر في آلية عمله بالكامل، ولا بد من ترتيب أولويات التوظيف من خلاله بشكل أكثر عدالة ومنطقية.