-A +A
حسن النعمي
شاع في ثقافتنا الاجتماعية مصطلح الدخل المحدود، وهو مصطلح يعكس طبقية اقتصادية تفصل بين من يصنف بقلة الدخل ومن يصنف بفائض الدخل. السؤال من جعل هذا محدود الدخل، وذاك فائضه. ثم ما مفهوم الدخل المحدود أصلا؟!
أن تكون محدود الدخل، فهذا نتيجة لاعتبارات مختلفة بعضها ذاتي، ومنها ما هو اجتماعي أو اقتصادي، وفي الغالب لا دخل للفرد فيها. فالذاتي يشمل المهارات التعليمية والمواهب التي يمتلكها الفرد لتطوير ذاته، أما مسألة عمله وترقيه الوظيفي وزيادة دخله، فهي فرص يقدمها النظام المالي والاقتصادي في مجتمعه.
ما أن يكون الفرد فائض الدخل، فذلك يأتي من مصادر تجارية أو هبات أو عمولات. ولا يقاس الاقتصاد على هذه الشريحة؛ لأن وسائل دخلها في الغالب طفيلية ولا يمكن قياسها اقتصاديا.
هناك طريقة تقليدية لحساب دخل الفرد في أي دولة، وهي حساب دخل الفرد وفقا للدخل القومي لبلاده. وهي حسبة افتراضية لا تنبئ عن حقيقة المستوى الاقتصادي للأفراد. فيمكن أن يشيع الفقر في أغنى دولة وتتركز ثروة البلاد في أيد قليلة.
أما الطريقة الثانية، وهي الأكيدة في الوصول إلى فهم الطبيعة الاقتصادية، فهي مقارنة نسبة الفقراء للأغنياء من خلال تحديد مستوى خط الفقر في البلاد. من هنا تبدأ مقارنة الدخول المالية وفقا لطبيعة المعيشة التي تهم الأفراد أكثر من الاقتصاديين الذين يقيسون اقتصاديات البلاد لأغراض الاستثمار وما شابهه من أنشطة اقتصادية.
مسألة الغنى والفقر مسألة نسبية، لكن الأكيد أن الفقر منتشر في العالم أكثر من الغنى، ومجتمعنا ليس مختلفا عن أي مجتمع آخر، لكن أسباب الغنى ليست طفرات مفاجئة، بل هي نتيجة عوامل مختلفة، منها ما هو شريف، ومنها ما هو عكس ذلك، ومن ناحية أخرى، فالفقر قد يكون مشكلة ذاتية، وقد يكون بسبب سوء الإدارة الاقتصادية.
مفهوم الدخل المحدود ظهر مع بداية الطفرة الاقتصادية في الثمانيات الميلادية عندما أثرى البعض من التجارة أو من التعويضات، أو من الهبات والمعونات الاقتصادية، أو عن طريق الفساد الذي استغلته النفوس الضعيفة لتبني أمجادها التي لم تضف لاقتصاد البلاد ما يمكن أن يكون رافدا في تشغيل العمالة الوطنية بأجور مجزية تحقق وسائل كسب معقولة. ونتيجة لهذه العوامل وغيرها تحملت الدولة تشغيل عدد قليل مقارنة بعدد السكان في وظائف حكومية بعضها يمثل ضمانا اجتماعيا مقنعا شكل عبئا على الإنتاجية الاقتصادية للبلاد، دون أن يحقق مستوى معيشيا معقولا للأفراد.
في السياق نفسه، اتجهت شريحة من الأفراد للأعمال الخاصة والمشاريع الصغيرة، لكنهم وجدوا الكثير من العوائق الإدارية والبيروقراطية الاقتصادية. حدثني أحد المهتمين بتشغيل المناحل، كيف أن تصريح إنشاء منحل يأخذ أكثر من ستة أشهر، ومطلوب منه إنشاء المنحل ثم البدء في إجراءات الحصول على الرخصة دون مراعاة أن النحل يحتاج رعاية حتى لا يموت. والسؤال الذي طرحه عليهم: كيف أرعى النحل حتى يتم استخراج الترخيص. ردوا عليه هذه مشكلتك؟ اقترح أن تكون هناك رخصة ابتدائية محددة الزمن تؤصل أو تسحب حسب وضع المنشأة، وعليه تحل المشكلة. لم يجد من يتعاون معه، فإما أن يصرف النظر أو يخالف الأنظمة التي وضعت للتنظيم، فإذا بها تعقد نمو الأفراد اقتصاديا.
مثل هذا المواطن الذي لم يجد فرصة وظيفية في القطاع الحكومي، ولم يجد دعما لمشروعه، لم يستطع أن يقاوم دخله المحدود بسبب العوائق الإدارية، والتنظيمات التي تتجاهل واقع الميدان.
الدخل المحدود تصنعه الأنظمة الوظيفية والإدارية، ولا سبيل للتخلص من هذه الإجراءات غير الاقتصادية إلا بسن أنظمة من الميدان لا من الأبراج العليا التي لا تعرف واقع الناس ولا معاناتهم. لقد وصل الأمر بصاحب المنحل أن تمنى أن يصل لوزير الزراعة ليشرح له عدم ملاءمة الإجراءات التي تقوم بها وزارته في هذا الشأن وغيره. والأمر يتعدى وزارة الزراعة إلى وزارات خدمية أخرى يعيش معها المواطنون معاناة لا توصف من الروتين الإداري الذي يريد أن يحمي فيضر مصالح المواطنين.
الدخل المحدود نسبي يتفاوت فيه الأفراد، لكن الحقيقة أن كل دخل مرتبط بمرتب في آخر الشهر مهما علا فهو دخل محدود مقيد بالاحتياجات الاجتماعية للأفراد، أما من ليس لديه دخل، فهو في خانة معدومي الدخل الذين ينتظرون رحمة رب السماء، لا رحمة أنظمة لا تفهم معنى أن يحتاج أبناؤك سكنا يؤويهم، أو لقمة تسد جوعهم، أو ثوبا يستر بؤسهم.

halnemi@gmail.com


للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 738303 زين تبدأ بالرمز 109 مسافة ثم الرسالة