-A +A
نجيب الخنيزي
التجربة التاريخية للغرب والعالم ومن بينها العالم العربي، تبين أن الإصلاح والتنوير والحداثة هي مراحل متداخلة ومتشابكة وأن أية محاولة لفصم وفصل أحد مكوناتها ستؤدي إلى فشل وإحباط العملية برمتها. لذا من المهم معرفة الأسباب التي حالت وتحول دون الوصول بالإصلاح بشقيه الديني والليبرالي إلى اختراق حقيقي، يستند إلى قاعدة شعبية أو حامل اجتماعي يمتلك القدرة على التأثير العميق والشامل من خلال تبني موقف نقدي/ تاريخي إزاء التراث والفكر الديني (بما أنه نتاج بشري) باعتباره ينتمي إلى فضاء وحيز اجتماعي/ تاريخي واقعي، بخلاف النص الأول المقدس (القرآن والسنة) الذي هو وحي وتنزيل رباني. الحديث عن التنوير يتطلب ويستدعي إثارة قضايا ومسائل مفصلية في غاية الأهمية مثل العقلانية والعقل والعلم، إزاء النقل أو العلوم الدينية (علم الكلام وما يتصل به من مفاهيم مثل الاستنارة و الاجتهاد). على صعيد الحداثة فإن مسائل وقضايا حيوية ما تزال تراوح مكانها ولم تحسم بعد. كالحداثة الاقتصادية التي تتمثل في تطوير قوى الإنتاج (تعليم، مهارات، تدريب) والعلاقات الاجتماعية وتوسيع وتنويع القاعدة الاقتصادية من خلال الصناعة والزراعة والخدمات والتكنولوجيا. والحداثة الاجتماعية التي تتضمن انطلاقة المجتمع المدني بمؤسساته وتشكيلاته وتكويناته المستقلة كافة، وهو ما يستدعي ويتطلب نبذ وإنهاء الممارسات والإجراءات التمييزية كافة التي منطلقها ولاءات وانتماءات قبلية وعشائرية ومناطقية وطائفية باعتبارها مظاهر متخلفة، تتناقض مع جوهر ومحتوى مفهوم الدولة المدنية الحديثة.
والحداثة السياسية التي تتطلب إقامة دولة القانون والمؤسسات وترسيخ مفاهيم حقوق الإنسان. وتمكين المرأة من ممارستها لحقوقها الإنسانية كافة هو أحد المؤشرات الحاسمة لقياس مستوى التقدم الاجتماعي والحضاري لأي شعب. أما الحداثة الثقافية فهي تشمل القضاء على الأمية وتطوير المناهج التعليمية والعملية التربوية وضمان حرية الفكر والبحث العلمي والأكاديمي وتحديث وتجديد الخطاب الإعلامي والديني من خلال إضفاء مزيد من الشفافية والانفتاح والتسامح وضمان انسياب وتدفق المعلومة واحترام التنوع المعرفي والثقافي والحضاري. إننا بحاجة إلى مراجعة مسؤولة وشاملة تشترك فيها الجهات الرسمية والتيارات والجماعات والنخب كافة على اختلاف منحدراتها الفكرية والثقافية. نحن (كما أشار الأمير خالد الفيصل ذات مرة) جميعا في سفينة واحدة، فإن غرقت سيغرق الجميع، ولن ينبري أحد للتطوع لمساعدتنا. من هنا ضرورة البحث عن المشتركات الوطنية والاجتماعية بين مختلف المشروعات والرؤى والمكونات السياسية والفكرية.