-A +A
دانيال فيرنيه
قبل أقل من سنتين من موعد رحيله عن البيت الأبيض، ما دوافع ومحفزات الرئيس جورج دبليو بوش؟ بعض الدبلوماسيين الأجانب، يقولون: إن «إرثه السياسي» هو الذي يحدّد تصرفاته، ويؤكد الكاتب الأمريكي «إيروين ستيلزر» في مجلة «ويكلي ستاندرد» أن حافز الرئيس هو «علاقته بالله تعالى»، ويقول: يظهر على الرئيس هدوء رجل يعتقد أنه في النهاية ليس ملزماً بتقديم أي حسابات إلا لله تعالى. وهو مقتنع بأنه يخوض «حرباً بين الشر المطلق والمبادئ الخيّرة». أما المتعاونون مع جورج بوش فلديهم بالتأكيد تصور أقل التزاماً، عن مهماتهم، وهم ليسوا أقل اهتماماً بمستقبلهم، وقد داعب «خافيير سولانا» منسق الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، «كوندوليزا رايس» وزيرة خارجية أمريكا، بقوله: إن هذه الإدارة ستزول بكاملها قريباً، والوسيلة الوحيدة لإنقاذ أنفسكم من الغرق، هي عبر النجاح في إعادة إطلاق المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية وقد حاولت الوزيرة رايس فعل ذلك فلم تنجح كثيراً فيه، لكنها فتحت جبهة دبلوماسية أخرى لم يكن أحد يتوقعها من جانب الولايات المتحدة، وهي أن واشنطن قد قبلت المشاركة في العاشر من مارس الجاري، في مؤتمر انعقد في بغداد، ويضم سفراء الدول المجاورة للعراق، بالإضافة إلى سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. وهناك توقعات بانعقاد اجتماع ثان على مستوى وزراء خارجية هذه الدول، قد يتمخض عن تشكيل «مجموعة اتصال» لتحقيق الاستقرار في العراق، وهكذا، فإن مسؤولا أمريكياً سوف يجلس حول الطاولة الواحدة، مع ممثلين إيرانيين وسوريين، أي من «دولتين عضوتين في محور الشر».
وهنا ينبغي أن نذكر بأن السيد بوش سبق له أن قبل بالتوصل إلى حل وسط مع كوريا الشمالية، كما لو أن أفعال الشيطان تتحول فجأة إلى أشياء مقبولة. وفي الظاهر نرى أن الرئيس الأمريكي، يطبق جزئياً، ما ورد في تقرير لجنة «بيكر- هاملتون» الذي كان رفضه بكامله فور صدوره ونشره، فهل هذا تغيير جذري في السياسة، أم أنه الجانب الثاني من الاستراتيجية التي تقضي بمحاولة العمل لإعادة الأمن إلى العاصمة العراقية، عبر تدعيم القوات الأمريكية مع تكليفها بالعمل على شل قدرة الزعيم الشيعي، مقتدى الصدر وجيش المهدي التابع له؟ إن جورج بوش يسعى وراء ثلاثة أهداف يتكامل بعضها مع البعض الآخر، فهو يرمي أولاً إلى تهدئة الكونغرس ذي الأغلبية الديموقراطية، التي كانت رحبت بتوصيات لجنة «بيكر- هاملتون» وخاصة على صعيد الانفتاح للتفاوض مع إيران وسوريا، باعتباره «العلاج العجائبي» للخروج من الورطة العراقية. ثم إنه ثانياً لا يريد المجازفة كثيراً في تعريض جميع مبادراته الأخرى لخطر الفشل، وأخيراً، فإنه في حال لم تُسفر جميع هذه الاجتماعات عن أية نتائج، يستطيع القول إنه لم يُهمل أية إمكانية للتفاوض، الأمر الذي، يُشرعن لجوءه الممكن لاستخدام القوة. وبما أن الرئيس الأمريكي لم ينتقل فجأة لاعتماد سياسة التهدئة، التي يفضلها الأوروبيون، فإن الولايات المتحدة تعمد، بموازاة قبولها بالمشاركة في اجتماع بغداد، إلى تدعيم قواتها وتواجدها العسكري في منطقة الخليج، بالإضافة إلى زيادة الضغوط بالتعاون مع مجلس الأمن الدولي، على طهران، بشأن ملفها النووي، وقد بدأت تداعيات ونتائج العقوبات الاقتصادية تظهر على الاقتصاد الإيراني بالفعل.

أما الخطر، اليوم، فهو أن تكون لدى القادة الإيرانيين تقييمات خاطئة وسيئة للموقف الدولي، وسوء تقدير لتصميم واشنطن على الانتهاء -بالقوة إذا دعت الحاجة- من برنامجهم النووي العسكري، على غرار ما فعل «ميلوسيفيتش» عام 1999، قبيل الحرب في كوسوفو.
* كاتب فرنسي في «لوموند»
ترجمة: جوزيف حرب