-A +A
نجيب الخنيزي
في 21 من شهـر ينايـر الجاري افتـتحت في منتجع مونترو بسويسرا المباحثات الدولية من أجل حل الصراع في سوريـا والمعروفة بــ «جنـيـف 2 » وقد حضرها وفدا الحكومة السوريـة والمعارضة، والأمين العام للأمـم المتحدة بان كي مون ووزيـرا خارجية روسيا والولايات المتحدة إلى جانب مشاركة وزراء حوالى 40 دولة .. الجلسة الافتـتاحية للمؤتمر شهدت توتـرا شديدا تخللتها مشادات وتبادل عبارات حادة. كلمة وزيـر خارجية النظام السوري اتسمت بالتحدي والنبرة العالية الذي طال المعارضة السورية التي اتهمها بممارسة الإرهاب كما تضمنت انتقادات حادة للولايات المتحدة والعديد من الدول العربـية والإقليمية والغربية، معتبرا أن القضية المركزية في سوريـا تـتمثـل في محاربة ما سماه بالإرهاب القادم من وراء الحدود، كما رد بحدة على دعوات المعارضة السوريـة ووزيـر الخارجية الأمريكية كيري وآخرين المطالبة بـتـنحي الأسد من المشاركة في الحكومة الانتـقالية باعتـباره شرطا لنجاح المفاوضات، كما تجاهـل الوزيـر السوري محاولات بان كي مون التدخل من أجل تقيـيد كلمته بالدقائق العشر المتـفـق عليها لكل كلمة. وفي المقابل شدد رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض أحمد الجربا في كلمته أمام مؤتمر «جنـيـف 2» في سويسرا على أنه لا يمكن الحديث عن بقاء بشار الأسد في الحكم متهما قوات النظام بدعم تنظيم القاعدة داخل سوريـا ومؤكدا أن المعارضة لم تخـتر حمل السلاح «بل كان ذلك خيارا أجبرها عليه النظام السوري» . وعرض الجربا صورة استقاها من تقريـر أعده ثلاثـة من المحقـقين المختصين في جرائـم الحرب قال إنها تثبت تعرض المعتقلين في سوريـا لتعذيب ممنهج وإعدامات عشوائية. ودعا الجربا الحكومة السوريـة إلى التوقيـع فورا على وثيقة جنيف ونقل السلطة إلى حكومة انتقالية. وقال: «بالنسبة للسوريين، أصبح الوقت يعني المزيد من الدماء» .. لم يكن مستغربا حرب العلاقات العامة والتشبث بالمواقف المتصلبة لدى طرفي الصراع في جلسة الافتـتاح، إذ علينا الانتظار لمعرفة نتائج المباحثات المضنية والطويلة كما هو متوقع والتي يقودها المبعوث الأممي الخاص حول سوريـا الأخضر الإبراهيمي والتي ستجري من وراء الكواليس، حيث سيتـم بالضرورة تدويـر الزوايا الحادة وتخفيـف المواقف المتصلبة لدى التطرق لمناقشة قضايا عملية في غاية الأهمية مثل الوقف الجزئي لإطلاق النار في بعض الأماكن وتسهيـل وصول المعونات الإنسانية للمناطق المحاصرة، ووقف أعمال القتـل والمجازر على الهوية، وإطلاق سراح المعتـقلـين السياسيـين وصولا إلى المرحلة الأصعب وهي الاتفاق على تركيبة الحكومة الانتقالية. قرابة ثـلاث سنوات مضت على اندلاع الانتفاضة السورية التي بدأت سلمية ثم تعسكرت في أعقاب المجازر وأعمال القتـل التي اقترفتها قوات النظام السوري بحق المدنيـين السوريـين العزل . تلك المواجهات والمجازر البشعة والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والتي ارتكبها كل من قوات النظام وبعض الفصائل وخصوصا الجماعات المسلحة المتطرفة المرتبطة بتنظيم القاعدة مثـل داعش وجبهة النصر أدت إلى سقوط أكثر من 130 ألف قتـيل غالبيتـهـم الساحقة من المدنيـين، كما بلـغ عـدد المهجرين و المشردين في داخل سوريـا وخارجها أكثر من (9) ملايـين سوري يعانون أوضاعا بائسة ويفتك بهم الجوع والمرض وغياب المأوى، إلى جانب التدمير الهائل الذي طال مئات المدن والبلدات والقرى. من الواضح أنه في ظل توازن القوى على الأرض بين النظام وحلفائه الإقليميـين والدوليـين من جهة وبين المعارضة على اختلاف مكوناتها وتحالفاتها الإقليمية والدولية من جهة أخرى، هناك استحالة لحسم الصراع عسكريا، كما أن استمـرار الصراع، و دوامة القتـل العبثية من شأنها إطالة عذابات ومآسي الشعب السوري، ويهـدد بتفكك الدولة السورية ومؤسساتها وتفسخ النسيج الوطني / المجتمعي المشترك، وتصدر الهويات الطائفية والمذهبية والاثنية، ناهيك عن مخاطر امتداد وارتداد ما يجري في داخل سوريـا وخصوصا الاستقطاب الطائفي المقيت وخطر الإرهاب، ليشمل دول الجوار وعموم المنطقة والعالم، وما يجري في لبنان والعراق أمثلـة دالة.. إن المشكلة الرئيسية التي تعانيها المعارضة السورية ككل هي تشرذمها وتجاذباتها الإقليمية والدولية وصراعاتها المستفحلة بين الداخل والخارج، وبين القوى السياسية والمجـمـوعات العسكرية وبين القوى المدنية والقوى الجهادية المتطرفة، وهذا يفسر عدم اتفاقها على مبدأ المشاركة في جنـيـف أو تشكيل وفد موحد..
السؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل ستـنجح المعارضة السوريـة في توحيد صفوفها وصياغة برنامج وطني موحد للتغير السياسي السلمي في سوريـا، يمهد لقيام دولة مدنية ديمقراطية تعدديـة، تكفـل الحريـة والعدالة والمواطنة المتساويـة لجميـع السوريـين ؟.