-A +A
علي بن غرسان (مكة المكرمة)

حمل عصاه التي يتوكأ عليها، وحقيبة مثخنة بالمستندات، وهتف بصوت جهوري «أريد حقوقي الضائعة.. أريد أن أشم رائحة أبنائي وأحضن أمي.. ساعدوني أرجوكم».. هكذا قضى الكفيف صالح بن سعيد بن عبود الشريف نصف قرن وهو ينقب عن «تذكرة العربان» التي تسببت في شتات أسرته وغربته عن مسقط رأسه قرية «عويرة» في نجران عقب تلقيه تهديدات بالقتل على خلفية مطالبته بنصيبه من الإرث والمقدر بنحو 300 مليون ريال - على حد قوله.

أشبه بالخيال

قصة هي أشبه بالخيال.. لكنها واقع مرير يعيشه هذا الكفيف الذي استقر به الحال في جوار بيت الله العتيق ينتظر بصيص أمل يجمعه بـ11 ابنا له وشقيقين رحلا قسرا لليمن لعدم حملهما ما يثبت أنهما سعوديان، فيما لم تعترف اليمن بهما فظلا يعيشان هناك وأولادهما في وضع مأساوي.

وعلى الرغم من حصول صالح الشريف على بطاقة أحوال «بالهبة» في عام 1425هـ، إلا أنه لا يزال يدور بين أروقة عدة جهات بحثا لما يعرف بتذكرة العربان لجده، وهي وثيقة كانت تمنح في بدايات العهد السعودي التي تؤكد أصله ومنشأه ونسبه، لكنه لم يصل لنتيجة حتى اللحظة، حيث تقدم بطلب لوزارة الداخلية للبحث عن تذكرة عربان جده ضمن ملف قديم في وكالة الأحوال المدنية في الرياض، وصدرت لجده ما بين عامي 1360 و1375 للهجرة عندما كان الأمير تركي بن ماضي أميرا لنجران.

تشتت الأسرة

سيناريو طويل ومتشعب لقضية يدفع ثمنها 18 شخصا من عائلة واحدة، فرقت بينهم الدنيا ويحاول الكفيف لم شملهم.. ويروي الشريف القصة بالقول «أبصرت النور في عام 1386هـ في نجران، وترعرعت في كنف أسرتي، وفي عمر الثانية عشرة فقدت البصر ودخلت في ظلمة الدنيا، وكنت حينها وأشقائي ضحايا ضياع (تذكرة العربان) وهي الوثيقة التي كانت تمنح للسعوديين قبل حفائظ النفوس، لذا حرمت من التعليم النظامي ولم يكن يدر بخلد والدي أن المشكلة ستتفاقم مع مرور الزمن وستكون سبب تشتيت الأسرة».

وأضاف «بعد مضي سنوات قررت الزواج، ووقع اختياري على امرأة يمنية أنجبت منها خمسة أبناء، هم إسماعيل (23 عاما)، بشرى (22 عاما)، مريم (21 عاما) بعدها طرأ خلاف بيننا فطلقتها وأبنائي حاليا يعيشون مع والدتي في نجران، وتزوجت بأخرى إلا أنها لم تنجب فقررت الزواج بثالثة رزقت منها بخمسة أبناء (عبدالله، سارة، سعود، محمد وفاطمة) وحدث بيننا خلاف أعقبه طلاق وابنائي يعيشون معها في نجران حاليا».

وزاد «عقبها تزوجت بأخرى وأنجبت لي ثلاثة أبناء وهم عبدالعزيز، الحسن والحسين)، ومن الصدف أن ثلاثة من أبنائي كفيفو البصر منذ الولادة وهم سارة (12 عاما)، عبدالعزيز (6 أعوام) والحسين (6 أشهر)».

تهديد بالقتل

ويستطرد الشريف بالقول «حياتي تمر في منعطفات لا أعلم ما نهايتها وأنا تعب للغاية، فقد قضيت نحو 34 عاما وأنا في دوامة إثبات الجنسية، لم أترك بابا لم أطرقه لم أترك مسؤولا لم أراجعه فتذكرة العربان المفقودة، التي أخفيت بفعل فاعل، كانت حجر عثرة في الحصول على الجنسية وحقوقي المادية والسكنية والزراعية، وهناك من عائلتي من شرع في إخفائها لحرماني من الإرث الكبير الذي يتجاوز الـ300 مليون ريال، وهو عبارة عن مزارع في وادي نجران وقرية عويرة، إلى جانب مزرعة تتجاوز مساحتها نحو 22 ألف متر مربع، وأعتقد أن محصول المزارع الكبير هو الذي دفع ببعض أقربائي إلى إقصائي من المنطقة وتهديدي بالقتل، لذا خرجت من نجران منذ ستة أشهر ووصلت مكة وهنا تزوجت بسيدة، واستقر بي المقام بجوار الحرم المكي الشريف لكني حرمت من رؤية أبنائي الذين لا أستطيع السفر لهم مخافة الاعتداء علي».

وختم الشريف بالقول «مطالبي ليست بالصعبة، ولا تتعدى إنصافي بإعادة حقوقي المسلوبة، وعودة شقيقي محمد وخالد وأبنائهما الذين يعيشون في اليمن، ومساواتي بأبناء القبيلة وتحويل سجل مراجعاتي لمكة المكرمة لأني أبحث الاستقرار والتحقيق مع من أخفى بطاقة العربان التي تسببت في تعاستنا لسنوات».

إلى ذلك، بين لـ«عكاظ الأسبوعية» مدير الحقوق الخاصة في إمارة منطقة نجران حسن أحمد طالب، أن قضية المواطن الشريف منظورة لديهم حاليا، بناء على توجيهات بدراسة حالته بعد أن قدم استدعاءات لجهات عليا وقال «لا أعتقد أن ثمة تهديدا بالقتل كما يروي المواطن وفي حالة أن ثمة تهديدات من هذا النوع فالإمارة قادرة على إيقاف أي متجاوز، ولن تسمح بمثل هذا مطلقا، ولم تردنا أي شكاوى رسمية حيال أي تهديدات له أو لأسرته».

وأردف «طلبنا حضوره الشخصي للنظر في مطالباته فيما يخص حقوقه من أقاربه، وأحلنا ملف قضيته للشرطة التي تنتظر حضوره لإحالة القضية للمحكمة العامة للبت فيها شرعا، ولن نتهاون في أي قضية تمس أمن أي مواطن».