-A +A
فاطمة آل تيسان
العطر هو اسم رواية لباتريك زوسكيند والرائحة هي الأقوى في تسلسل الأحداث ولم يكن التركيز عليها كرائحة نفاذة في الأزهار والورود فقط وإنما في تلك الأكثر عبقا والتي يفرزها جسم آدمي لا يماثل عطره أي جسد آخر ! إنه يتركز في تفاصيل أنثوية قابعة في ركن ما دفعت المسكون بها أن يلبس جريمته ثياب الرائحة الزكية ويقتل تحت تأثير السكر بها ليستل ذلك العبق في غفلة من أصحاب المدينة ويسكبه خاما في أنفه العجيب حتى تحين الفرصة لاستخراجه وتركيبه ليصبح عطرا فريد يباع في قنينة نادرة لا يماثلها شيء .
إنه الفتى جان باتيست غرنوي المفتون بالروائح حد القتل الذي ولدته أمه في حي فرنسي مسكون بأبشع أنواع الروائح على الإطلاق وعلى الرغم من ولادته في تلك الأجواء إلا أنه كان بلا رائحة، حتى أن المرضعات اللاتي عهد به إليهن لإرضاعه تشاءمن منه ورفضته أكثر من واحده لتقبله أخرى لا تمثل لها الحياة شيئا ووجود طفل مشؤوم في حضرة المكان لا يقدم ولا يؤخر، ليكبر جان بقدرته الشمية التي ساعدته على القيام بأعمال خارقة.

ولأنه كان الأقدر على شم أدق التفاصيل في جميع المخلوقات على الأرض فإن كل الروائح المصنعة من أفضل أنوع الزهور لم ترضِ نهمه وظل ذلك العطر الأنثوي الغامض هو هاجسه ليصل إليه في النهاية بعد سلسلة من الأحداث العجيبة التي لعبت حاسة الشم الدور الأكبر .
الرواية في مجملها غاية في الإبداع، موضوعها غير مسبوق وقدرة المؤلف على نسج الأحداث والتعمق في تفاصيلها مذهل، بل وعبقرية فصلت جزيئات الرائحة حتى الآدمية منها ليبرع بطل الرواية في النهاية إلى استخلاص عطر يستطيع من خلاله توجيه مشاعر الناس وفق ما يريد، وهذا ما جعلهم يتعاطفون معه بعد أن نصبوا المشنفة لقتله وهو المجرم الذي فتك بجميلات المدينة بحثا عن عطره المنشود،
رواية عطر للمؤلف باتريك زوسكيند والتي تقع في 287 صفحة ، إنجاز أدبي متفرد ليس في غرابة القصة فقط وإنما في البراعة في وصف عناصر العمل الروائي والوصول بالقارئ إلى درجة شم الأحداث ورؤيتها من خلال تصويره الدقيق جدا لها.