-A +A
حمود أبو طالب
لم يضرنا شيء مثلما ضرنا المتسللون إلى التعليم في العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية؛ لذلك تكون سعادتنا حقيقية ومبررة عندما نسمع عن أي خطوة تصحيحية في أي جانب من جوانبه. بعض المخترقين لتعليمنا العام تحديدا أضرونا بشكل أساسي من ناحيتين: ضحالة محتواهم وضآلة مكوناتهم، لتكون النتيجة استغلاله للتجهيل وإخراج أجيال من الضحايا تعصف بمستقبلهم أمية حقيقية وخيمة دفعوا بسببها ضريبة باهظة كأشخاص، وعانى الوطن من تبعاتها متاعب لا حصر لها. ومن ناحية ثانية، فقد تسلم دفة بعض جوانب العملية التعليمية تخطيطا وتنفيذا عدد لا حصر له من منتسبي تيارات الإسلام السياسي، متشددين وغلاة وحزبيين ومتطرفين، فاختطفوا التعليم وحولوه إلى ساحة لمعسكراتهم ومزرعة لتفريخ صيصان أتباعهم الذين يهـملون التعليم ليتحولوا إلى كوادر تدور في أفلاك العتاة الذين يديرون اللعبة ويتحكمون بتفاصيل المشهد من مواقعهم وهم ينثرون الابتسامات الصفراء المخادعة في مقابلاتهم وصورهم.
لم ينجح أي أحد من المخلصين في إنقاذ الوضع؛ لأن المسيطرين قوة لا تتردد في شن حرب مدمرة على كل من يحاول الاقتراب من الحمى، فالأتباع المنظمون والمصنفون بحسب المهام ينتشرون من القلب إلى أقصى نقطة في كل الاتجاهات، وشبكتهم المعلوماتية قوية جدا وسريعة الالتقاط والتوصيل وغير قابلة للتأخير أو التردد في تنفيذها. التعليم بشكل رئيسي، هو الذي خرج منه معظم الشباب إلى كل بؤر الصراعات السياسية باسم الإسلام البريء منها. عودوا إلى المناهج والمقررات السابقة واللاحقة، استعرضوا نماذج المعلم والموجه والمرشد والمدير ومسؤولي النشاط الطلابي وقيادات إدارات التعليم والمسؤولين في الوزارة لتعرفوا أن أبناءنا وبناتنا كانوا معرضين للتسييس الحزبي والجهاد العبثي والتشدد المذموم والجهل المعرفي الذي أخرج أجيالا منفصمة عن الواقع والحياة السوية، لا يمكن أن تكون إضافة إيجابية للوطن والمجتمع، وإنما أعداء لهما.

والآن، من غير المنطق أن نطالب بتصحيح كل شيء بين عشية وضحاها، والأمر يحتاج إلى علاج طويـل وفترة أطول لإعادة التأهيل والنقاهة، ولكن مادام الوطن قرر وبشكل حاسم اجتثاث الوباء بصدور الأمر الملكي، فمن الضروري البدء باستئصال هؤلاء، الذين لن تستعصي معرفتهم وحصرهم ومحاصرتهم. ولو خلصنا المجتمع منهم، فإننا نكون قد حققنا إنجازا مهما واختصرنا الوقت في إعادة ترتيب الأوراق.