-A +A
منصور الطبيقي
تخيلوا قضيت أكثر من ساعة في البحث في الإنترنت عن اسم الأمين السابق لجدة والمحكوم عليه بالسجن والغرامة في قضية كارثة سيول العروس، وصرت أحاول الربط بين فترة حدوث الكارثة وتكليف الأمناء السابقين لاسيما أن جدة شهدت تكليف سبعة أمناء لها منذ عام 1401هـ ، ومع كل ذلك لم تنجح محاولاتي وخفت أن أظن السوء في أحدهم فاتصلت بمحامٍ معروف وهو الذي أخبرني باسم الأمين، وقلت لنفسي ماذنب الأمناء الآخرين حتى يكونوا في محل شك وريبة، ولماذا لم يذكر اسم هذا الأمين، لاسيما أن جميـع الصحف نشرت حول هذا الخبر في الصفحات الأولى واكتفت بالإشارة فقط إلى أنه «أمين سابق».
قضية التشهير بالمفسدين والمجرمين هي قضية خلافية وحساسة في المجتمع السعودي، والناس فيها على رأيين، الأول أن التشهير هو عقوبة إضافية شديدة قد تفوق السجن ولا تضر بسمعة الشخص المدان فقط ولكن الخزي والعار يلحق بعائلته وأصدقائه وحتى جماعته في مجتمع محافظ ومترابط أسريا واجتماعيا في الغالب، وفيها نوع من التشفي والانتقام، والمعارضون للتشهير يؤكدون أيضا (حتى في ظل غياب الدراسات الموثقة والإحصائيات) أن هذه العقوبة لم تكن رادعة في أحكام القصاص والقتل العمد وتكرارها في عوائل معينة والتي يتم فيها الإشارة إلى اسم المدان، أما الرأي الآخر والمؤيدون لعقوبة التشهـير (وأنا منهم) فيؤكدون أن هذه العقوبة وبعد إقرارها من المحاكم الشرعية وهي الجهة الوحيدة التي لها سلطة إصدارها بأحكام قضائية نافذة، لها مفعول عظيم في الحد من الجرائم وقضايا الفساد وأن الخوف من الفضيحة والعار هما أكبر رادع للشخص ولمن تسول له نفسه في الإقدام بجرم يخل بالشرف والأمانة، وأن من يقوم بأي جريمة فخزاه يلحق به هو وليس غيره وذلك من كمال إنصاف وعدل الله تبارك وتعالى حين يقول (ولا تـزر وازرة وزر أخرى).

التشهـير بالمجرمين والمفسدين تم تطبيقه منذ سنوات بعيدة في كثير من دول العالم المتحضرة لما وجدوا له من تأثير إيجابي على استتباب الأمن وردع المفسدين، وليس فقط فيما يختص بجرائم الأموال، فالجرائم الأخلاقية لها حيز كبير في التشهير، فعلى سبيل المثال توجد في أمريكا وبريطانيا قوائم بالمتحرشين جنسيا والمغتصبين والذين صدر ضدهم أحكام قضائية وتنشر في الصحف الرسمية بشكل مستمر ويوضع لها صفحات رسمية في الإنترنت، باسم المتحرش أو المغتصب وصورته ونوع القضية التي أدين فيها، والحي الذي يقطنه، حماية للمجتمع بكل فئاته من أخطارهم، لأن هؤلاء الوحوش الآدمية والمرضى حتى عند استيفائهم أحكامهم الشرعية في السجون، يعاودون البحث (إلا من رحم ربي) عن ضحايا جدد لهم، وكثيرون ممن يقبض عليهم في هذا الجرم الشنيع يكونون من أرباب السوابق الإجرامية في هذا التخصص، وكثير من الحوادث التي تهـز المجتمع من قضايا الاغتصاب والتحرش والابتزاز يمكن التقليل منها كثيرا، بالتشهـير وهو ضرورة ملحة في الوقت الراهن.. التشهير في نظري يجب أن يشمل مؤسسات التجار الجشعين والمغالين في الأسعار، والشركات الوهمية المتحايلة على السعودة، والمرتشين وغاسلي الأموال، فخطرهم يقارب خطر الإرهابيين الذين تنشر صورهم، فهم أيضا يساعدون على خلخلة المجتمع واستقـرار الوطن بفسادهم الضارب في أطناب الأرض.