-A +A
محمد عبدالواحد
•• كنا اثنين في واحد!!
•• كان أحدنا يقرأ.. وكان الثاني يكتب.. وكان الأول كنسمات الجنوب الحالمة والباردة في جبال فيفا وبني مالك.. تأتي كلمات كقطرات المطر الهادئة والعذبة تغسل القلوب والجراح وتداوي النفوس وتزيل الكدر والغضب..

•• وكان الثاني كإعصار جارف.. أو كالموج الهادر.. لا يبقي ولا يذر وكان قلمه الحاد يقتلع الشجر والحجر.. والظلم والقهر.. كان يتوهم هذا ويعتقد أنه قادر على تعديل سلوك البشر.. ولكنه لم ينل من كل حدته إلا الضرر فلا الدنيا تعدلت.. ولا خلت من أشرارها وعذاباتها وجور وجبروت أهلها..
•• ومع هذا كانت المعادلة المتوازنة قائمة فالأخيار باقون والأشرار أيضا باقون..
•• وكان كلاهما يحبان الخير.. ولكن الأول كان يتعلم الحكمة مما يقرأ.. والثاني يتعلم الكتابة من عيون الناس وتعبهم وآلامهم ومشاكل حياتهم..
•• الأول تعلم الزهد والقناعة.. فاعتزل الناس وترك الخلق لخالقهم وثبت على مبادئه التي آمن بها.. فهو يحتج بالصمت ويلوذ بركنه الآمن قانعا محتسبا بما كتبه الله له.. «ظلم ولم يظلم» وآذاه أقرب الناس ولم يؤذ أحدا..
وكان يكره.. أن يجرح حرفا من يكتب حرفا.. وأبخسه أصدقاؤه حقه فلم يحتج قط.. واختزن تعبه وألمه وما اكتظ في صدره.. وصبر فقتله صبره..
•• وبقي الثاني يصرخ في الطرقات حيا يناكف الأحياء .. ويبحث عن تلك الحياة العظيمة البعيدة المنال.. فلا هو استراح ولا أراح..
•• وبعد أن مات التوازن العادل بموت أخيه الصابر.. لم يبق له بلسم يداويه.. ولا دواء يشفيه.. ولا حبيب يواسيه.. ولا صديق يدفع عنه ويداريه..
•• وفي حالة الفقد هذه لم يبق ما يحرص عليه سوى ذكرى أخيه يأوي إليها.. ويستجير بها.. ويرى فيها العبرة والعظة الحسنة لتحميه..
•• وهذا هو حالي مع أخي أحمد رحمه الله.. فقد كان هو الأول الذي يقرأ.. وكنت الثاني الذي يكتب.. وقد تعلم هو الحكمة والصبر والصمت حتى مات.. وبقيت في هذه الدنيا حيا اقتات التعب والهذر ولم اتعلم - أسأل الله حسن الخاتمة، ولا أزيد.