-A +A
عبدالرحمن الشمراني (الرياض)
أكد الأديب والشاعر سعد البواردي أن تكريمه في «الجنادرية»، أمس، يمثل في دلالته حافزا لما هو أفضل، وتقديرا لجهد مبذول يستحق الثواب.
واعتبر في حديث لـ«عكاظ» أن مهرجان الجنادرية بمثابة سوق عكاظ جديد على مستوى العصر «فالجنادرية حيث تلتقي ثقافات، وحوارات، وموروثات فكرية جنبا إلى جنب».
وقال إن التكريم في دلالاته حافز لما هو أفضل، وتقدير لجهد مبذول يستحق الثواب، وفتح بوابة تنشط لدى المكرمين روح العمل على شتى المستويات في قاموس الحياة على اختلاف مشاربها ومآربها ومعارفها المختلفة، إنها عملية دفع للمنافسة بين أطراف تجمعها أكثر من فكرة، وأكثر من طرح:


• بعد مرور 29 عاما على انطلاقة مهرجان الجنادرية، كيف تقيم المهرجان، وماذا حقق وما الذي ينقصه؟
ــ الجنادرية سوق عكاظ شامل تلتقي فيه ثقافات، وحوارات وموروثات فكرية جبنا إلى جنب ديدنها التعارف والتآلف والبحث عن قاسم مشترك أعظم يجمعها، إنه تظاهرة سنوية، وظاهرة صحية لا يستهان بها، بل هو سوق «عكاظ» جديد على مستوى العصر.
• من بائع لقطع غيار السيارات إلى أديب وشاعر وصحافي.. حدثنا عن البدايات والتحولات؟
ــ لقطع غيار السيارات ثقافة يعرفها روادها، إنها تقدم خدمة لجمهورها حتى لا تتوقف عجلات حركة حياتهم، عشت هذه التجربة، تعرفت على البوبينة، البواجي والبليتين والديلكو والكاربريتر والدينمو، هكذا كانت حدود استطاعتي بحثا عن الرزق الحلال، لم يدر في خلدي يوما من الأيام أنني سأبرح مكاني إلى مكان آخر، وجاءت الصدفة غير المنتظرة، كان في مدينة الخبر حيث أزاول عملي في صحيفة «الفجر الجديد»، ضاق بها الأفق فتوقفت عن الصدور، وجاء من يوسوس في أذني «لماذا لا تتقدم بإذن لإصدار صحيفة أو مجلة موازية لصحيفة أخبار الظهران التي تصدر في الدمام، لا أدري من أين جاءت الفكرة؟، ولا كيف استوعبتها بالكثير من المغامرة والمقامرة والسذاجة، لم أكن مهيأ لخطوة خطرة كهذه، إلا أن صوت الوسوسة ما زال يطرق في أذني في عنف حتى كاد يخترق طبلات أذني، وأقدمت إلى خطوة هي أشبه بالانتحار بعد أن عقدت الخنصر بالبنصر، وضربت أخماسا لأسداس، وكانت الخطوة، وجاءت الموافقة بإصدار مجلة «الإشعاع» الشهرية، وكان ذلك في منتصف عام 1374هـ، وبعد شهور أربعة صدر العدد الأول في بداية عام 1375هــ في حجم صغير وفي 48 صفحة، أما كيف والغريق لا يخشى من البلل، أمسكت بقلمي مرتعشا في محاولة لسد الفراغ، اعتصرت ما أمكن، وأنا لا أكاد أصدق، استغرقتها بمحاولات لا بد منها تحت الأسماء «سعد البواردي»، «س. ب»، «أبو نازك»، «فتى الوشم»، «أبو سمير»، لم أصدق ما يحدث، كان العون من الله، ثم من بعض الزملاء الذين وقفوا إلى جانبي إلى أن وقفت على قدميها وهي مجهدة الخطوات.
• دخلت عالم الصحافة من المنطقة الشرقية، من أغراك بممارسة مهنة المتاعب؟.
ــ أغرتني الغيرة وروح المنافسة بين مدينتين متجاورتين، واحدة تملك صحيفة، وأخرى لا تملك.
• كنت من أوائل الصحافيين في المملكة.. كيف واجهت مصاعب تلك المرحلة؟
ــ واجهتها بشيء من الصبر وراحة الصدر، متحملا تبعات المشاق، ولسان حالي يقول: «على نفسها جنت براقش»، كان علي أن أتحمل مشاق رحلة المتاعب، ومهمة المصاعب، كان قدرا لا بد وأن أدفع فيه الثمن، ودفعت غير آسف ولا نادم على ما جاءت به المقادير.
• توقفت في تعليمك عند مدرسة دار التوحيد في الطائف، لماذا لم تكمل تعليمك رغم ما عرف عنك من نبوغ ونباهة؟
ــ لا خيار لك في أن تختار، إنها ظروف الحياة حين تقسو ويأخذك قاربها نحو الأمواج المتلاطمة، أن ترجع وتتراجع، أو أن تغرق في أعماقه، بحثت عن النجاة كي أنقذ أسرة قوامها ثمانية أفراد صغار أنا أعولهم بعد أن مات أبي، إنها الحاجة الماسة لإسكان أفواه الأرانب الجائعة، كان خيارا صعبا لا رجعة فيه، ولا أسف عليه.
• في ظل انشغالك بالعمل الصحافي واهتمامك بإصدار مجلة «الإشعاع» في البدايات، فقد شغلت بالشعر والأدب، أيهما كان طاغيا في ميزان سعد البواردي؟
ــ مجلة الإشعاع شغلتني كثيرا، تلمست من أجلها جوانب مما أحسه وألمسه من تجارب أملتها علي ظروفي، علمتني الضرورة أن أبحث عن زاد أقدمه على مائدتها المتواضعة، جربت بدايات الشعر، والنثر، والقصة، جميعها أخذتني في رسم بياني يكمل بعضها الآخر إلى حد ما، إلا أن كفتي الشعر والنثر كانتا الأكثر صوتا، وملامسة للحس بالنسبة لي على الأقل.
• خلال ممارستك الكتابة الصحافية كان لسانك يوصف بالسليط، هل بالفعل كان كذلك، أم أن المرحلة كانت تستوجب قولا آخر؟
ــ كتاباتي الصحافية ووصف لساني بالسليط لا يخلو من صحة بدليل أنه كان السبب في رحيل الإشعاع إلى أجلها دون عودة.
• الكتاب كان في عقود خلت هو خير جليس للمثقفين والعامة، لكنه في السنوات المتأخرة بات آخر الاهتمامات لجيل الشباب، ما أثر ذلك على الجيل الجديد والمشهد الثقافي بشكل عام؟
ــ آه من الشباب، وليس كل الشباب، لقد عصفت بالنسبة العظمى منهم المؤثرات والمتغيرات، وما تضخه المواقع الإلكترونية إلى درجة التغريب والتغييب عن تراثهم التاريخي والثقافي والعلمي والمجتمعي، كي لا تدخلوا معي إلى متاهة هذه المواقع المؤسفة دعني أطرح لك جذور المشكلة في شكل سؤال وجواب يتم طرحه في مسابقة يمكن أن تتقدم بها صحيفة «عكاظ» أو غيرها، ولتطرح لمن يحلها مبلغ مليون ريال بالتمام والكمال، والمسابقة الأولى، تتم على النحو التالي: ماذا تعرف عن محمد عبده؟، سوف تتلقى سيلا من الإجابات عن الفنان القدير محمد عبده في حين أن النزر اليسير سوف يتحدث عن محمد عبده المفكر المصري.
والمسابقة الثانية: ماذا تعرف عن محمد عبدالوهاب؟ بنفس النسبة المؤسفة الحديث الطاغي عن الموسيقار محمد عبدالوهاب، في حين الندرة منهم سيتحدث عن الإمام محمد بن عبدالوهاب.
وجانب ثالث أيضا يكشف عن التسطح الثقافي لدى نسبة لا يستهان بها من شبابنا وانشغالها عن أدبياته، لو أن ناديا أعلن عن محاضرة يلقيها عالم بصنوف المعرفة، وأسرار الكون، ومبتكرات العلم المعاصر، لسوف تصاب بالصدمة من قلة الحضور إلى درجة أن المحاضرين يقتربون إلى درجة ما من الحاضرين، ولو أن ذلك النادي أضاف في إعلان دعوته للحضور هذه العبارة، «وبعد انتهاء المحاضرة وصلة غنائية أو مقابلة مع لاعب الكرة الفلاني، أو الشاعر الشعبي العلاني»، لضاقت قاعة الاحتفال بالحضور، وفاضت بما فيها ومن فيها.
ماذا يعني هذا أكثر من أن أصالة الماضي أكثر علاقة والتصاقا بتراثه وتاريخه من جيل المعاصرة الذي تأثر بالمغريات والثانويات بحثا عن المتعة التي لا تغني ولا تبني حائطا، وإنما تأخذ بالسهل والمغري الذي لا يحوجه للتفكير كي يستنبط معلومة أو يستلهم فكرة.
• كيف تنظر إلى واقع الأندية الأدبية في المملكة في الوقت الراهن بصفتك من أوائل الأدباء في المملكة؟
ــ الأندية بين وبين، فيها من شمر عن سواعده في حدود إمكانياته وقدراته، وفيها من استغرقه السبات يحتاج إلى إيقاظ، وفيها من هو مشغول بصراعات أفراده بحثا عن مكانه، وأحسب أن الأندية الخاصة بعيدة عن هذه المقالب.
هي في حاجة إلى حركة أكثر جدية والتصاقا بالمسؤولية، أنا متفائل بالمستقبل المنظور، وقد احتلت المرأة مكانها ومكانتها الاجتماعية، وأخذت تساهم بفعالية في إثراء الحياة بفكرها وثقافتها الخاصة التي كانت محل إهمال لسنوات خلت.
• عرفت ومجايلوك منذ الصغر بنهم القراءة في كتب الأدب والشعر والرواية، فيما اختلفت اهتمامات الشباب بعد ثورة الإنترنت والإعلام الجديد.. كيف تقرأ المشهدين القديم والحديث؟
ــ لشاعرنا القديم الحكيم شطر من الشعر يقول « لكل زمان دولة ورجال»، في جيلنا لم يكن لدينا مغريات، لا فضائيات ولا إنترنت، ولا شبكة اتصال عالمية وسريعة، كان همنا وشاغلنا القراءة بنهم لأنها المتاحة، ومع تطور العلم وأدواته تغيرت الصورة بشكل سريع إلى درجة أن أطفالنا وأحفادنا يتعايشون مع تويتر واليوتيوب أكثر من معايشتهم لآبائهم، إنه منطق العصر المتغير، والمتجدد، والمخيف.
• وأنت الصحافي المخضرم، كيف ترى مستقبل الصحافة الورقية في ظل تنامي الصحف الإلكترونية وطغيانها على اهتمام الناس؟
ــ الصحافة الإلكترونية دون شك سحبت البساط من الصحافة الورقية، ومع هذا تظل الصحافة الورقية بنكهتها أكثر جذبا وميلا إلى المتابع، ستظل حية، ولكن في نطاق ضيق، إنها لن تموت، كما يعتقد البعض، فالتاريخ بأدواته القديمة والجديدة وعاء لحفظ حركته مهما تغيرت الملامح؛ لأنه لا يقبل أن يجهض صوته، كما لا يقبل أن يستنطق صمته.