-A +A
مطلق سعود المطيري
تلاحقت التطورات التي شهدتها القضية الفلسطينية في الأيام القليلة الماضية، وتحركت هذه التطورات في اتجاه فرض مزيد من الحصار على حركة حماس وحكومتها، ففي الداخل تصاعدت مؤشرات الحصار، وبرز في إطارها: الأزمة الاقتصادية الداخلية مقدمة لحلقة متشابكة من الضغوط التي تعرضت لها حكومة حماس، فالأزمة المالية الخانقة التي تعيشها حكومة الحركة، والتي لم تستطع بسببها صرف رواتب 140 ألف موظف عن شهر مارس، وتعقد الأزمات الاقتصادية التقليدية كالبطالة والكساد التي يعانيها الاقتصاد الفلسطيني جراء الحصار الإسرائيلي والإغلاق المتعمد لكافة المعابر، واحتجاز إسرائيل مبلغ 50 مليون دولار حصيلة الضرائب الخاصة بالبضائع التي تدخل أراضي السلطة.
ثم تزايد نشاط شهداء الأقصى والذي سجل أعلى معدل له منذ فوز حركة حماس بالانتخابات، مما دفع الكيان الصهيوني للرد بعنف، مما وضع حكومة الحركة في حرج شديد، فهي لا تستطيع التعليق على هذا النشاط، كما لا تستطيع الرد على الاستفزاز الإسرائيلي، لعمليات المقاومة لانعدام وسائل الرد الحكومي، في ظل الأوضاع الدولية والإقليمية المعادية للحركة.

أما الملف الأبرز فكان صراع السلطة، والذي يضع حكومة الحركة في مواجهة مفتوحة مع مؤسسة الرئاسة، لاسيما بعد رفض حركة فتح، المشاركة في حكومة حماس، واندلاع المواجهات مبكراً مع أبومازن الذي حاول وضع حكومة حماس أمام استحقاقات السلطة من ناحية، ومحاولة السيطرة على مجمل العملية السياسية من ناحية أخرى.
فقد ترك أبومازن لحكومة حماس ملف الأزمة الاقتصادية، ولم يبذل أي جهد في معالجة هذا الملف ذي المردود الشعبي السيئ على الحركة، ثم قام باقتناص حق دستوري بوصف الرئيس هو القائد الأعلى للأمن الوطني، حيث قام بتعيين مستشارين رئاسيين في كافة الوزارات الفلسطينية إلى جانب تعيين أحد أنصاره مديراً لجهاز الأمن الداخلي الفلسطيني، وتعيين أمين سر للمجلس التشريعي، وطالب بإشراف مؤسسة الرئاسة على المعابر، وهو ما اعتبرته حكومة حماس تجريداً لصلاحياتها الحكومية.
وخارجياً تعددت جبهات الحصار، فقد مارست واشنطن المزيد من الضغوط بهدف إسقاط حماس بعدما أقرت لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكي مشروع قانون لمنع تقديم المساعدات المباشرة للسلطة الفلسطينية وتقييد المعونات عبر المنظمات غير الحكومية، وتقييد الاتصالات الدبلوماسية مع ممثلي حماس، وجاء ذلك بعد قرار الاتحاد الأوروبي بوقف المساعدات عن حكومة حماس وربط ذلك بتنازلات تقدمها الحكومة فيما يتعلق بالاعتراف بالكيان الصهيوني والتخلي عن خيار المقاومة.
ثم كان إعلان الأمم المتحدة عن قواعد جديدة للتعامل مع حكومة حماس، وأن الاتصالات السياسية ستحدد على أساس كل حالة بمفردها، «كما طلبت من وكالات الإغاثة التابعة لها عدم الاجتماع مع الزعماء السياسيين لحركة حماس ووزراء وكبار مسؤولي الحكومة وأن تقصر اتصالاتها على المسؤولين العاديين أو الخبراء في الحكومة». وهو القرار الذي وصفه الناطق باسم الحكومة الفلسطينية بأنه «سيئ ويفتقد للمنطق والعقل».
وفي ظل هذه الضغوط، تثار التساؤلات حول سيناريوهات المستقبل وحدود حرية حركة حماس، بعد أن وجدت انفصاماً بين المعلن والواقع على الأرض، انفصام بين شعارات الديمقراطية التي ترفعها الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة، ثم رفض نتائج هذه الديمقراطية، وانفصام بين شعارات دولة المؤسسات الفلسطينية، وبين السعي نحو الهيمنة من جانب مؤسسة الرئاسة، انفصام بين شعارات الوحدة الوطنية والكفاح المشترك من ناحية، وسعي فتح لتقزيم الحركة، وإفشالها بكل الطرق مشروعة كانت أو غير مشروعة.
وفي ظل هذه الانفصامات تبرز عدة دلالات، أهمها، في هذا السياق أن الديمقراطية، شعار ونموذج، كما تقدمها الولايات المتحدة، مفهوم مطاط، غير منضبط المعايير والمضامين، فمع النظم الديكتاتورية يتم رفع صناديق الانتخابات عالياً كآلية لتداول السلطة، ولكن إذا جاءت نتيجة هذه الصناديق على غير الهوى، يكون الحصار هو الحل، والتهمة جاهزة وهي دعم الإرهاب.
ومع إدراك حماس لهذه الاعتبارات وغيرها، كان التفكير في البديل المر، وهو تقديم التنازلات، لامتصاص الضغوط، وهو ما برز فما تردد مؤخراً عن قبول الحركة لمبدأ وحل الدولتين، وهو ما اعتبره المراقبون بداية الاعتراف بالكيان الصهيوني وتقديم تنازلات مجانية في الجانب السياسي، حيث أبدت حكومة حماس استعدادها، وفق بعض التقارير، بل اقترحت عبر مصر هدنة غير رسمية يتعهد كل من الطرفين بموجبها بوقف العمليات، في مقابل أن تمتنع إسرائيل عن أي هجوم في الضفة الغربية وقطاع غزة وهو العرض الذي رفضته إسرائيل، باعتباره مناورة تهدف لكسب الوقت لتفكيك الموقف الدولي الضاغط على الحركة وحكومتها.
ثم كان الإذن الذي منحه رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية لوزراء في حكومته بالاتصال بالمسؤولين الإسرائيليين لتسيير الحياة اليومية الفلسطينية.
فهل سيكون هذا الإذن هو الباب الذي تتسرب منه تنازلات أكبر وأعمق، أم يستمر التأزم والحصار، وتتجه الأمور إلى انتخابات مبكرة جديدة تعود عبرها حماس إلى المعارضة السياسية والمقاومة المسلحة؟
الساحة مرشحة لكل هذه الاحتمالات، والمحصلة النهائية مزيد من التوترات.