-A +A
إبراهيم عبدالمجيد
هذه المرة، سأتحدث عن مواقف ضاحكة أيضا رأيتها في معرض الكتاب، لكن بطلها هو الرئيس الأسبق حسني مبارك. كان حسني مبارك كما هو معروف يفتتح معرض الكتاب كل عام. ولأكثر من عشرين سنة كان يقام لقاء له بعد الافتتاح مع المثقفين. حضرت كثيرا ذلك اللقاء وانقطعت عنه في الخمس سنوات الأخيرة؛ لسببين، الأول أنه كان من الضروري أن نذهب مبكرين لا نتجاوز التاسعة صباحا، ثم نظل ننتظر انتهاء الرئيس من الافتتاح حتى حوالي الحادية عشرة. الثاني أن اللقاء كان لا يصل إلى شيء. كنت وعدد من الكتاب نتعمد الجلوس في آخر صف حتى نتحدث براحتنا أو ننام. ويبدو أن المنظمين للقاء لاحظوا انقطاعي عن تلبية الدعوة، فصاروا ــ بدورهم ــ لا يوجهونها إلي. كان اللقاء في الحقيقة مناسبة للضحك، فلا بد من الاعتراف أن الرجل (مبارك) كان لا يأخذ أي شيء بمحمل الجد، وكان يذهب بالأمر دائما إلى منطقة السخرية والضحك. كانت هناك أسئلة مهمة جدا في السياسة والمجتمع من البعض، لكن اللقاء المسجل كان لا يبث على الهواء، بل يبث بالليل، ومن ثم كان التلفزيون المصري في عهد صفوت الشريف وبعده يتعمد في المونتاج حذف الأسئلة المهمة والإبقاء على الأسئلة الساذجة التي كان متعهدا بها من قبل قليل من الكتاب، ومن ثم كانت صورة الكتاب تبدو مضحكة وتدعو إلى السخرية. يخفي التلفزيون الأسئلة الجادة، كما كان الرئيس نفسه يحول الأسئلة الجادة إلى سخرية، فلا يكون أمامنا إلا الضحك. أذكر مرة أن سألته الكاتبة سلوى بكر قائلة: لماذا لا يحصل أبناء الزوجات المصريات اللاتي تزوجن عربا على الجنسية المصرية. فكان جوابه «يعني هما العرب بس اللي عنهدم صحة ما المصريين زي الفل»، وأشار بيده إشارة بمعنى القوة مما أضحكنا جميعا. بعد ذلك بسنوات حصل أبناء المصريات المتزوجات من العرب على الجنسية المصرية، لكن ذلك كان من أثر زوجته سوزان مبارك والمجلس القومي للمرأة. وفي إحدى السنوات غرقت سفينة تسمى «سالم اكسبريس» في البحر الأحمر، وكان اللقاء بعد الحادثة بأيام قليلة، ووقف الكاتب المسرحي علي سالم ليتحدث فقدم اسمه قائلا علي سالم، فقال الرئيس «سالم اكسبريس.. معقول!» وضحكنا طبعا. وفي عام 1997 كانت روايتي «لا أحد ينام في الإسكندرية» قد اعتبرت أحسن رواية في العام. وفي كل عام كانت الكتب التي تعتبر كذلك ينادى أسماء أصحابها فيصعدون لمصافحة الرئيس، وبعد ذلك تعطى لهم ميداليات وشهادات تقدير. من عادتي عدم ارتداء كرافتة. وبينما نحن جلوس كان جواري الكاتب سمير غريب، فسألني كيف سأصافح الرئيس بلا كرافتة. قلت له عادتي يا سمير. قال الأفضل كرافتة. هذا لقاء رسمي. كان جواري من الناحية الأخرى المرحوم الشاعر والعالم في الزراعة محمد مستجير مصطفى. قال لي إنه يرتدي كرافته مثل كرافتات الأطفال يمكن إدخالها إلى العنق من الرأس، فهي لا تفك وطلب أن آخذها؛ لأن دوره في تكريمه على كتابه أيضا سيكون متأخرا، حيث ينادون الكتاب أبجديا وأنا اسمي يبدأ بحرق الألف وهو الميم. خلع الكرافت عن عنقه وأعطاها لي فأدخلتها إلى عنقي من رأسي. نودي اسمي فصعدت. صافحت الرئيس ونزلت على مهل إلى الصالة ومشيت فنادوا بعدي مباشرة الدكتور مستجير. وقف يتقدم ووقفت أمامه في الطرقة بين المقاعد أخلع الكرافتة وأعطيها له وضجت الصالة بالضحك. لكن أطرف ما حدث كان مع الراحل محمد سيد أحمد الكاتب الماركسي المعروف. كان محمد سيد أحمد يسأل الرئيس كل عام سؤالا صعبا جدا والرئيس يسمعه وتتسع ابتسامته، ثم يقول: «والله يا دكتور محمد ما انا فاهم حاجة. استني نقعد لوحدنا بعدين». ونضحك. في العام الأخير لمحمد سيد أحمد حيث مات بعد شهر من اللقاء طلب منه الرئيس أن يسال سؤاله الصعب. كان يفعل ذلك كل عام قوم يا دكتور محمد قل لنا السؤال الصعب. نضحك كل عام وطبعا لا يستطيع محمد سيد أحمد أن لا يلبي طلب الرئيس. في ذلك العام قال له الرئيس ذلك فوقف محمد سيد أحمد. كان اللقاء هذه المرة في القصر الجمهوري، ومن ثم كان الرئيس جالسا أمامنا ونحن أمامه قريبون جميعا منه، وكان رئيس الوزراء ذلك الوقت كان الدكتور عاطف عبيد وكان يجلس عن يمين الرئيس. حاول محمد سيد أحمد هذه المرة أن يكون سؤاله واضحا جدا. وسهلا جدا، فقال «يا سيادة الرئيس كان زمان هناك قوتان في العالم هما الاتحاد السوفيتي وأمريكا. الآن قوة واحدة فقط هي أمريكا. لكن هناك قوتان في الاقتصاد. شمال وجنوب. شمال غني وجنوب فقير. وفي مصر نفسها أغنياء وفقراء. أو شمال غني وجنوب فقير. نريد من الدولة أن تقرب المسافة بين الشمال الغني والجنوب الفقير في مصر»، نظر إليه الرئيس مليا كعادته. لم يكن يبتسم هذه المرة من صعوبة السؤال، فالسؤال سهل جدا وواضح. لكنه بعد أن نظر إلى محمد سيد أحمد لحظة ابتسم، وقال لعاطف عبيد «يا عاطف. اعمل لهم أسانسير».

Ibrahimabdelmeguid@hotmail.com