-A +A
محمد الحربي
أستغرب كثيرا من بعض المحسوبين على الوسط الثقافي أو الإعلامي، عندما يغردون أو يكتبون على مواقع التواصل الاجتماعي عبارات تحمل في مضامينها نفسا طائفيا نتنا، لا يليق بهم ولا بمجتمع متحضر ولا بمنتمٍ لدين يحمل كل سماحة وعدالة ومساواة الدين الإسلامي الحنيف، في الوقت الذي يؤمل فيهم العقلاء من النخب والبسطاء أن يكون دورهم تنويريا وتوفيقيا تقريبيا يكرس مفاهيم إسلامنا العظيم في التعايش السلمي وقبول الآخر، ومبادرات الملك الصالح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ــ يحفظه الله ــ للحوار بين أتباع الأديان والتقريب بين المذاهب.
والمملكة بلد مترامي الأطراف يشكل بمساحته الشاسعة شبه قارة، تضم تنوعا ثقافيا ومذهبيا من الطبيعي جدا وجوده في بلد بهذا الحجم، ولا بد من التعايش بين كل الأطياف تحت هوية وطنية واحدة ووحدة وطن واحد وعلى قلب رجل واحد، جميعهم سعوديون لهم نفس الملامح، وذات السمرة تكسو بشرتهم، وذات الدماء والحمية تسري في عروقهم، يفترشون نفس التراب ويستظلون بذات السماء، ولاؤهم وانتماؤهم لرائحة الأرض وخضرة العلم وليس لشيء آخر.
جميعنا نعلم ونعي تماما أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، وأننا اكتوينا بناره أكثر من غيرنا، ونجحت قوات أمننا الباسلة في مكافحته واستئصاله، وإن بقي بعض أبنائنا ممن عقوا أرضهم وأهلهم وانحرفوا بفكرهم وضلوا الطريق، فالصحيح أن ندعو لهم بالهداية والعودة إلى أحضان أرضهم الأم التي لم ترد عائدا نادما إليها أبدا، أو أن يأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر إن أخذتهم العزة بالإثم واستمروا في غيهم يعمهون، وليس صحيحا كل ما نقرأه ونشاهده على مواقع التواصل الاجتماعي، والردود على مواضيع الصحف الإلكترونية والمنتديات من حرب كلامية بين بعض أتباع المذاهب، كل يكفر الآخر ويتهمه بالخيانة والعمالة بتعميم لا يقره عقل ولا منطق سليم.
والسنة والشيعة والإسماعيليون والصوفيون وغيرهم من أتباع المذاهب في المملكة، كل هؤلاء يشكلون النسيج الاجتماعي الوطني في بلادنا، ولا يعني أن خروج بضعة أفراد من أي من هذه المذاهب عن جادة الصواب يتبعون فكرا ضالا ومضللا أن يدعو أتباع المذهب الآخر على كل الآخرين بالهلاك والزوال أو أن يتمنى أو يطلب محوهم أو إخراجهم، فهذه رؤية متطرفة لا تختلف عن رؤية واعتقاد أصحاب الفكر الضال من الإرهابيين، ولا بد أن يستوعب الجميع أن هؤلاء الأشخاص المنتمين للفكر الضال إنما هم مجرد أفراد لا يمثلون غير أنفسهم ومحرضيهم على الفتنة والقتل، ولا يقر عاقل بأنهم يمثلون كل أتباع مذاهبهم التي ينتمون إليها، وقد رصدتهم الدولة وصنفتهم في قوائم عممتها على الجميع عبر كل وسائل الإعلام ومدت لهم يدين، إحداهما من حرير والأخرى من حديد، فمن تاب وصافح يد الحرير ناصحناه وسلم وغنم وعاد لأهله ولحياته آمنا مطمئنا لا يضره شيء ــ بإذن الله، ومن اختار يد الحديد غرم وهلك واختار الموت على الحياة، وكانت له قوات الأمن بالمرصاد.
أعلم وتعلمون أن الإنترنت فضاء واسع تصعب السيطرة عليه والتحكم في محتوى ما ينشر على صفحاته ومواقعه، ويضم إلى جانب المفكر والعالم والعاقل والمتزن، الأحمق والجاهل وصاحب الهوى والغرض والمؤدلج والعنصري من كل دين وطيف ومذهب، ولكن هناك رسالة وأمانة على عاتق كل منا ــ علماء ومفكرين وكتابا وإعلاميين ومثقفين وفنانين ومتابعين عقلاء ــ أن نحمل لواء «أنا ضد الطائفية»، وأن نحجب رد أو مشاركة كل صاحب رأي متطرف عنصري طائفي يثير أو يحرض على الفتن، وأن نمنع ظهور ردودهم ومشاركاتهم، وأن نفرض رقابة ذاتية عليهم، وأن نحذفهم من قوائم أصدقائنا ومتابعينا على حساباتنا إن عجزنا عن إقناعهم بالتعايش مع الآخر وقبوله وإدارة حوار عقلاني وسطي معتدل يقارع الحجة بالحجة بوعي وتحضر يعكس واجهة مشرقة لمجتمع سليم فكريا ويتعافى من داء نرى جميعا كيف بات ينهش أوطانا أخرى.
الأمانة عظيمة، والهدف أسمى من أن نتهاون في بلوغه، ولير كل منا أنه «النواية التي ستسند الزير»، وليؤد كل منا دوره كما يجب، وأن لا ينزلق في مواجهات تجره إلى طائفية بغيضة تفرزها عصبية مضادة في حوار غير متكافئ مع أحد هؤلاء.
لدينا وطن لا بد أن نحميه لنستحق العيش فيه.

m_harbi999@hotmail.com



للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 738303 زين تبدأ بالرمز 176 مسافة ثم الرسالة