-A +A
محمد مفتي
لم يكن احتلال إسرائيل لأرض فلسطين عام 48 يمثل نهاية المطاف بالنسبة لأطماعها، فقد كانت تطمح إلى ما هو أكثر من ذلك، كانت تطمح في احتلال المزيد من الأراضي وخاصة سيناء التي يعتبرها اليهود أرض التوراة، وهو الأمر الذي لم يتردد ساستها في التصريح به مرارا. بعد الفشل السياسي الذريـع لإسرائيل في حرب 56 بدأت في التخطيط لحرب أخرى ولكن هذه المرة بالتنسيق مع الولايات المتحدة، فبعد وصول الرئيس جونسون إلى السلطة أسرت إليه إسرائيل برغبتها تلك، إلا أن جونسون كان يخشى تورط الولايات المتحدة في حرب أخرى ودموع الأمريكيين لم تكن قد جفت بعد على قتلاهم في حرب فييتنام، وهنا كان لزاما على إسرائيل أن تفكر في خطة عسكرية محكمة تمكنها من الفوز في الحرب بسرعة وبشكل حاسم.
وضعت إسرائيل خطتها بحيث يعتمد نجاحها على عنصرين رئيسيين، وهما الغدر والخيانة، ولذلك بدأت باستقراء الوضع العسكري والسياسي بمصر في تلك الفترة، فالجيش المصري كان منهكا تماما من حرب اليمن، إضافة إلى وجود صراع عنيف على السلطة بين عبد الناصر وغريمه المشير عامر، ومن هنا بدأت في الإعداد للحرب، وعندما علم عبد الناصر بنواياها أمر جيشه بالتعبئة العامة، وهنا ظهر عنصر الغدر من خلال التحذير الذي توجهت به الولايات المتحدة لمصر بعدم البدء في الحرب ضد إسرائيل وإلا فإنها ستتدخل لصالح الأخيرة، في الوقت الذي أعطى فيه وزير الدفاع الأمريكي روبرت ماكنامارا الضوء الأخضر لإسرائيل لشن الحرب ضد مصر، وهو الموقف الذي تؤسفنا مدى حقارته وازدواجيته.

أما العنصر الثاني وهو عنصر الخيانة فقد ذكره السيد حسين الشافعي نائب الرئيس المصري آنذاك في شهادته على العصر بأن مصر لم تهزم وإنما تعرضت إلى خيانة من الداخل، أضف إلى ذلك ما ذكره الفريق محمد فوزي رئيس الأركان المصري وقتئذ من أن الرئيس عبد الناصر أسر لقادة جيشه بعلمه المسبق بالخدعة الإسرائيلية الأمريكية، كما أخبر قادة جيشه بالمعلومات الاستخباراتية التي بحوزته باليوم الذي ستبدأ فيه إسرائيل الحرب وطلب منهم التجهيز الكامل للتصدي لأي ضربة عسكرية فجائية، غير أنه في هذا اليوم وفي توقيت الهجوم أقلعت طائرة المشير عامر متوجهة إلى إحدى القواعد العسكرية للقاء قادة الجيوش الميدانية في سيناء، ومن أجل ذلك تم تعطيل الصواريخ المضادة للطائرات، أضف إلى ذلك ما ذكره الفريق سعد الدين الشاذلي في شهادته على العصر بأن القيادة العامة للجيش طلبت من جميع قادة الجيوش الميدانية التجمع في إحدى القواعد العسكرية للقاء المشير في نفس الوقت الذي بدأت فيه إسرائيل هجومها، وبالتالي لم يكن هناك قائد عسكري مع مجموعته وقت الهجوم الإسرائيلي.
أما على الجبهة السورية فقد أعلنت دمشق احتلال إسرائيل لهضبة الجولان وإنسحاب الجيش السوري منها قبل أن تبدأ إسرائيل ميدانيا في الحرب على سوريا. لا شك أن إسرائيل بتخطيطها لحرب يغلب فيها عنصري الغدر والخيانة لم تتمكن من إثبات قوتها العسكرية كما تدعي، لقد اعتقدت إسرائيل أن انتصارها المدوي في هذه الحرب هو نهاية المطاف للصراع العربي الإسرائيلي، ولكن هل انتصرت إسرائيل بالفعل بسبب قوتها العسكرية أم بسبب تشرذم العرب وذهاب ريحهم في فترة من الفترات؟ ألم يكن العرب وقتها أشبه بعملاق يغط في النوم العميق، وجاء طفل أحمق وصوب نحوه مسدس فأرداه قتيلا، فهل يمكن أن نعتبر هذا الطفل شخصا قويا ؟!.
أسفرت حرب الأيام الستة عن موجة جديدة من الكراهية العربية لإسرائيل، وقد زادها تحدي إسرائيل لكل العرب بإصرارها على الاحتفاظ بكل أرض احتلتها واعتبارها جزءا لا يتجزأ من أرض إسرائيل الكبرى، أرض الميعاد، وكالعادة توهمت إسرائيل أن قوتها العسكرية ستحميها من الغضب العربي العارم، وستؤمن لها حياة مستقرة وسط محيط يموج ضدها بالكراهية والعدوان، ولكن هل يمكن أن تبني استراتيجيتك العسكرية على اعتبار أن كل عدو لك هو عدو نائم ؟، وهل قتل عدو نائم هو دليل على قدرة عسكرية باهرة؟، وهل صمت العرب عن كل الإهانات التي وجهتها لهم إسرائيل؟، هل غضوا الطرف عن آذاها وجبروتها؟... للحديث بقية.