-A +A
غسان بادكوك
على مدار الأسبوع الماضي شغلت أخبار مداولات مجلس الشورى مساحة جيدة من تغطيات الإعلام الورقي والتليفزيوني لموضوعين مختلفين، وفي حين انصب التركيز الإعلامي على الموضوع الثانوي، لم يحظ الموضوع الرئيسي بما يستحقه من اهتمام؛ وذلك على الرغم من وزنه النسبي المؤثر اجتماعيا واقتصاديا!، وقد كان النصيب الأكبر من التداول الإعلامي بشأنهما من نصيب تويتر؛ الوسيلة الرقمية الأشهر محليا من بين وسائل الإعلام الجديد.
وتكمن المفارقة هنا في كون الموضوعين محل النقاش يتفاوتان بشدة من حيث الأولوية بالنسبة للمواطنين؛ حيث دار الأول حول أمر يراه الكثيرون هامشيا ويختص بالحياة الفطرية في البلاد، وتركز تحديدا حول تفقيس 79 بيضة طيور حبارى من أصل 1716 بيضة، أما ثانيهما فقد كان موضوعا حيويا، يلامس حياة الأفراد والأسر ومؤسسات الأعمال في البلاد، هو تخفيض ساعات العمل في القطاع الخاص من 45 ساعة إلى 40 ساعة لتحسين جانب مهم من بيئة الأعمال لتصبح أكثر جاذبية للباحثين عن وظائف، ولتضييق الفجوة التي تميل حاليا لصالح القطاع الحكومي.

وسأحاول في مقالي اليوم مناقشة وتحليل أسباب ذلك التباين في ردود الأفعال الإعلامية إزاء الموضوعين لاسيما التندر حول الموضوع الأول، حيث أعتقد أن السبب يكمن في قضية تتمحور حول صناعة الاتصال، وتتعلق بالانطباع العام عن مجلس الشورى، ودوره في تشكيل صورته الذهنية لدى الناس، حيث لاحظت بحكم الاهتمام والتخصص بأن مجلسنا الموقر مثله مثل الكثير من أجهزة الحكومة وكيانات الأعمال الوطنية لا يولون الصورة الذهنية ما تستحقه من اهتمام، وبالتالي فإن نظرة المجتمع إليهم تتأثر سلبيا نتيجة لتنامي تصورات غير دقيقة عنهم، قد لا تكون صحيحة على الإطلاق، أو ربما تكون صحيحة جزئيا ولكنها مبررة بأسباب موضوعية، أو لأسباب أخرى خارجة عن الإرادة؛ وقد عانيت شخصيا شيئا من هذا القبيل.
وفي تقديري، فإن سبب تركيز بعض كتابنا ومغردينا ووسائل إعلامنا بل وحتى رسامي الكاريكتور في صحافتنا على موضوع «البيض»، وتحاملهم على مجلس الشورى، إنما يعود في المقام الأول إلى وجود صورة انطباعية سلبية تشكلت على مدى سنوات عن مجلسنا الموقر لدى المجتمع مفادها أنه يعمل من برج عاجي وفي معزل عن اهتماماتهم، وأنه لا يهتم بالقدر الكافي بشكاوى وطلبات المواطنين، إضافة لاعتقادهم بوجود خلل في ترتيب أولوياته على نحو جعل المواطنين يعتقدون بأن أداءه لا يعكس تطلعات وطموحات رجل الشارع العادي، ورب الأسرة البسيط، والمتقاعد المثقل بالالتزامات، والخريج الباحث عن فرصة عمل، والمريض الذي مل انتظار موعد للعلاج، والأرملة التي لا يكفيها تقاعد المرحوم، وغيرهم الكثير ممن ينتظرون من المؤسسة التشريعية في البلاد أن تهتم بقضاياهم الحيوية والرئيسية.
لذلك فقد اعتبر الكثيرون في مجتمعنا بأن تطرق المجلس لقضية هامشية كموضوع طيور الحبارى هو بمثابة تأكيد لذلك الانطباع القائم لديهم سلفا، الذي يرون ضرورة انتقاده، وذلك مقابل تجاهل الكثيرين منهم للإنجاز الهام للمجلس في الإبقاء على التوصية المتعلقة بتخفيض ساعات العمل.
وأرجو قارئي العزيز أن تلاحظ هنا أنني لم أؤكد كما لم أنف صحة الصورة المجتمعية الذهنية عن مجلس الشورى، بقدر ما أشرت إلى وجودها فقط، وأعربت عن اعتقادي بأنها السبب الأبرز في ردود أفعال المجتمع والإعلام على المناقشتين، الأمر الذي قد يتطلب من مجلسنا الموقر المبادرة إلى إجراء 3 تحركات اتصالية هي:
1- بلورة وتحديد الصورة الذهنية التي يرغب المجلس في تشكيلها عن نفسه لدى الرأي العام، وتحديد الرسائل الرئيسية التي يود إيصالها للمواطنين.
2 - بدء تحرك علمي ممنهج لترويج تلك الصورة المرغوبة عبر مختلف برامج وآليات الاتصال المؤسسي لاسيما شقيه البارزين؛ الإعلام والعلاقات العامة.
3- فتح حساب على تويتر يتواصل المجلس من خلاله مع المواطنين وبحيث تتولى إدارته جهة متخصصة في الاتصال المؤسسي وعلى اطلاع كامل بنظام المجلس ودوره كمؤسسة تتقاسم سلطة التشريع مع مجلس الوزراء الموقر.
وبطبيعة الحال فإن ذلك لا يمكن أن يتحقق بالشكل المطلوب في معزل عن طبيعة أداء مجلس الشورى، بمعنى أن محاولتة لفرض انطباع معين لا يمكن أن تنجح بدون أن يلمس المجتمع ممارسات فعلية على أرض الواقع، تجعل المتلقّي يقتنع بنزول المجلس من كوكب المشتري - كما يراه البعض ! -، ويقترب أكثر من مطالب الناس .. على الأرض.
ختاما، فإنه يجدر التأكيد هنا على أن الناس أسرى للانطباعات التي بدورها تتشكل من الأفعال والأقوال والشكال، لذلك فإننا مسؤولون؛ أفرادا ومؤسسات عن كيفية نظرة الناس إلينا؛ وعليه فإذا كنا نرغب في تحسين صورتنا الذهنية، فإنه ينبغي علينا أن نبدأ من أنفسنا أولا.