-A +A
سامي المغامسي (المدينة المنورة)
يمثل حي «العطن» في المدينة المنورة، بوتقة انصهار للعديد من الثقافات المكونة للنسيج الاجتماعي للمدينة، ورمزا لظاهرة «الفتوات» التي كانت السمة البارزة للعديد من الأحياء قديما، وكان فتوات العطن يثيرون الرعب في أوساط فتوات الأحياء الأخرى، أما سكانه فكانوا خليطا من أبناء الحاضرة والبادية الذين استوطنوا الحي وعاشوا في رحابه كأسرة واحدة يجمع بينهم رابط اجتماعي متين.

ومع التوسعة الكبرى للمسجد النبوي الشريف، والشروع في إزالة جزء من هذا الحي العتيق، فكر أهالي الحي في توثيق تاريخ حيهم العتيق والذي يعد من أشهر الأحياء في المنطقة، ويقع بين جبل سلع وباب الشامي، وبينوا أن اسم الحي نبع من «عطن الإبل» أو المحطة التي تتوقف فيها قوافل الإبل التي تصل إلى المدينة المنورة من مختلف المناطق، وتحول المكان فيما بعد إلى موقف لسيارات الأجرة التي تحمل الركاب إلى جدة ومكة المكرمة، ومن معالمه القديمة «عين الزكى» وهي عين ماء مشهورة وكذلك مستشفى الملك عبدالعزيز ومستشفى الولادة القديم ومدرسة النجاح.
فتوات الحي
«عكاظ» تسرد جزءا من تاريخ هذا الحي من خلال لقاء بعض أبناء الحي الذين يزورون حيهم القديم بين فترة وأخرى قبل إزالته بالكامل، وهؤلاء يأتون لاسترجاع ما في ذاكرتهم من ذكريات الطفولة ومراحل الصبا بين أروقة الحي وساحاته قديما، وهنا ذكر طارق محمد المزينى أن حي العطن يعد من أشهر حارات المدينة، وسكانه يشكلون نسيجا اجتماعيا فريدا مثله مثل باقي أحياء المدينة القديمة، ويضيف «اشتهر العطن كغيره من الأحياء القديمة بوجود فتوات يدافعون عن الحارة من باب الغيرة ويدخلون في صراعات مع فتوات الحارات الأخرى أحيانا».
وأردف «نشأت وترعرعت في هذا الحي الذي كان قريبا من المسجد النبوي الشريف، ويتميز كذلك بقربه من جميع حارات المنطقة مثل حارة المصانع، باب الكومة، السيح، باب التمار وباب المجيدي وكانت تلك الأحياء معروفة لأهالي المدينة وكذلك للقادمين من خارج المملكة في فترة الإجازات والباحثين عن منزل قريب من المسجد النبوي الشريف، ومنهم من استوطن الحي فيما بعد، لقربه من الحرم الشريف ومن مركز النقل العام وسيارات الأجرة التي تنقل الزوار إلى كافة مناطق المملكة وحتى إلى خارجها».
وزاد «مع مرور الوقت تحولت معظم منازل الحي إلى سكن للحجاج والمعتمرين والزوار خلال موسم الحج، وخاصة أنه لم تكن هناك في ذلك الوقت فنادق ودور سكنية مخصصة، فكان الأهالي وقتها يقومون بتأجير منازلهم خلال موسم الحج وينتقلون إلى منازل أخرى بعيدة عن الحي ومن ثم العودة بعد انتهاء الموسم».
وقال «تحول الحي إلى بوتقة امتزجت داخلها جميع الطبقات، لذلك لا تستطيع أن تميز بين من هم من البادية ومن هم من الحاضرة بعد أن توحدت لغتهم، يتبادلون التقدير والاحترام يعرفون حقوق الجار ويتشاركون في تربية أبناء الحارة وتثقيفهم بالعادات والتقاليد السامية».
مأوى للوافدة
من جانبه، أوضح (صالح ع)، أن الحي المتمسك بأصالته تحول في السنوات العشرة الأخيرة إلى مأوى للعمالة الوافدة المخالفة والتي يصعب كشفها أو تعقبها، نظرا لأزقة وحارات الحي المتداخلة، ويضيف «اختلف مظهر الحي كليا بعد هجرة معظم سكانه الأصليين بعد القفزة الكبيرة التي شهدتها المنطقة في البناء والتشييد واستحداث أحياء سكنية نموذجية في كافة مناطق المدينة المنورة، حيث سارع العديد من الأهالي إلى تأجير مساكنهم القديمة والرحيل عن الحي وتركه للغرباء».
وقال «أشعر بالغربة في كل مرة أزور فيها الحي، وأذهب إلى هنا فقط لاسترجاع ذكريات الأيام الجميلة أيام الطفولة، خاصة أن الحنين يشدني كثيرا إلى هذا المكان فذكريات الأحبة تبقى في القلب والعقل ومن الصعب نسيانها»، مستدركا أن الجيل الحالي لا يدرك قيمة هذه الحقبة التاريخية للحي، وكانت تمثل مدرسة في نظم ومدارك الحياة الاجتماعية في تلك الفترة.
سلوكيات خاطئة
بدوره، طالب حسن حامد محسن (من سكان الحي) توثيق تاريخ «العطن» الذي يعد من أشهر حارات المدينة قديما، وقال «الحي في طور الإزالة بعد الانتهاء من عمليات الترقيم وبدء إزالة الجزء الجنوبي من الحي بجوار جبل سلع الشهير».
وزاد «قرب الحي من مراكز التسوق وسوق النقل العام أسهم في امتهان الكثير من أبناء الحي التجارة والأعمال الحرة، كما أفرز أطباء ومهندسين وعلماء في كافة المجالات».
وحول فتوات الحارة قال «بالطبع كان هناك فتوات في جميع حارات المدينة في تلك الفترة، وكان لكل حارة فتوتها الذي يدافعون عنها في حالة الاعتداء على أبنائها، ولم تخل تلك الحقبة من حالات لأخطاء فردية، وكان أبناء الحارة لا يقرون مثل هذه السلوكيات الخاطئة».
وأضاف محسن «تحول الحي من نموذجي تحكمه الروابط الاجتماعية إلى مأوى للعمالة الوافدة غير النظامية ومصدرا للسلوكيات الخاطئة، وسبق لإدارة جوازات المدينة المنورة القبض على الكثير منهم، وأن إزالة ما تبقى منه سيقضي بلا شك على الكثير من السلوكيات الخاطئة المنتشرة في الحي». وختم بالقول «أتوقع خلال العام المقبل، اختفاء الحي العتيد الذي يعد من أشهر حارات المدينة المنورة في فترة التسعينيات من القرن الماضي تحت ضربات معاول الإزالة».